الرئيسية | متفرقات | المغرب وكوبا .. أو حينما ينتصر الانفتاح والتعاون لمصلحة الشعوب

المغرب وكوبا .. أو حينما ينتصر الانفتاح والتعاون لمصلحة الشعوب

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

 

لم يكن التوجه الجنوبي الذي اختاره المغرب منذ سنوات سيرا على نبراس دبلوماسية ملكية هادئة وهادفة، ليمر دون أن تتبدى ملامحه بين الحين والآخر في أكثر من منطقة جغرافية وعلى أكثر من صعيد، ليكرس انفتاحا طالما طبع سياسة المملكة وقادها لتنويع شركائها عملا بمبدأ المصلحة المشتركة والبراغماتية المتبادلة.

ولم يكن نهج الانفتاح الذي اختارته كوبا في الفترات الأخيرة ليحدث دون أن يؤشر على رغبة كوبية واضحة في طي صفحة قديمة وفتح أخرى جديدة مع العالم عنوانها التعاون والتقارب، بعيدا عن أي تصورات إيديولوجية أو سياسية لا تساير واقع القرن الـ21، بما يحمله من تحديات ومن متطلبات لخدمة الشعوب.

ولأن الانفتاح والرغبة في التعاون قاسم مشترك بينهما، آثر المغرب وكوبا استثمار هذا المشترك لدخول مرحلة جديدة من علاقاتهما عبر بوابة الدبلوماسية، فكان أن قررا قبل أيام استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، في خطوة حتما سيكون لها ما بعدها.

ولعل هذا المعطى يشكل آخر مستجدات المسار الذي انخرط فيه المغرب منذ سنوات، وقاده لنهج سياسة تقوم على تنويع الشركاء، وفي الوقت ذاته لتعزيز البعد الجنوبي للسياسة الخارجية للمملكة، بصرف النظر عن طبيعة البلد أو المنطقة الجغرافية المعنية بهذه السياسة.

وتكفي إطلالة على الوجهات التي كانت محط زيارات ملكية في السنوات الأخيرة، للتأكد من أن الأمر يتعلق برؤية سياسية واستراتيجية واضحة للمغرب تنطلق من مبدأ استثمار الاحتياج المتبادل وتلبيته من خلال تعاون وشراكات تحقق المنفعة المتبادلة وتساعد على مواجهة التحديات المشتركة، في مناحي كثيرة.

فمن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، الشريكين التقليديين، إلى الخليج وروسيا والصين والهند والبلدان الإفريقية، كلها تحركات مضبوطة وواثقة تحكمها هذه الرؤية وتكرس انفتاح مغرب ينظر إلى العالم بعدسة الواقعية السياسية والاقتصادية.

وبدورها، تبدو كوبا وقد أدركت مبكرا أهمية الانفتاح على العالم، مثلما أكدت ذلك حينما حرصت على انتقال سلس وهادئ للسلطة، وتولى راوول كاسترو قيادة البلاد خلفا لشقيقه فيديل، قيد حياة الأخير، لتبدأ هافانا في تلمس طريقها نحو مستقبل واعد يضعها في سكة التنمية ويمكنها من استغلال مؤهلاتها البشرية والاقتصادية.

ولم يكن تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، بعد عقود من القطيعة، سوى "انتقالا سلسا" آخر نحو العالم ونحو مستقبل أفضل لكوبا وللكوبيين أكد من خلاله ساسة البلد الأمريكي اللاتيني قراءتهم الجديدة للعالم، قراءة تركز على الأفكار الجديدة التي تسعف في خدمة شعب جرب تكلفة العزلة، وتقفز على الأفكار البالية التي تتغذى عليها المصالح الخاصة والحسابات الضيقة لأقليات أوليغارشية بالخارج.

ولذلك، لم يكن عبثا أن صارت كوبا تولي وجهها حيثما وجدت مصلحة الكوبيين، إلى أن رصدت في المغرب، البلد الشمال الإفريقي، شريكا حقيقيا على استعداد للتعاون ويدا ممدودة من أجل غد أفضل للبلدين، لتؤكد المملكة بذلك أنها اختارت أن تسهم، وفي التوقيت المناسب، في عودة كوبا إلى العالم.

ويذهب رأي أستاذ العلوم الجيوسياسية بجامعة بوينوس آيرس، خوليو بوردمان، في هذا الاتجاه، إذ يرى أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكوبا "يأتي في ظل منعطف براغماتي تشهده العلاقات الخارجية للمغرب وكوبا على حد سواء، وسيسمح، من دون شك، بتعزيز الشراكة التجارية بين البلدين".

ويعتبر الخبير الأرجنتيني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وهافانا "يمثل مكسبا للسياسة الخارجية للمغرب التي يقودها جلالة الملك محمد السادس".

وبدوره، سجل مدير وكالة أنباء أمريكا اللاتينية، خوان مانويل فانغوج، في تصريح مماثل، أن هذه الخطوة تؤكد أن التعاون جنوب-جنوب يشكل إحدى الركائز الأساسية في السياسة الخارجية للمغرب، وتفسح المجال أمام استغلال المقومات الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياحية التي ستعزز لا محالة التكامل بين البلدين.

أن يعود المغرب إلى كنف الاتحاد الإفريقي وتعود كوبا إلى العالم، ويعود البلدان إلى بعضهما، فذلك مؤشر لا تخطئه عين، على أن زمن الانغلاق قد ولى وأن خطاب التفرقة بين الدول لم يعد يجد له صدى بين البلدان التي أدركت أن مصلحة شعوبها وتنميتها فوق كل اعتبار، وإشارة، لمن يهمه الأمر، على أن الاصطياد في الماء العكر لم يعد يجدي نفعا في زمن لغة الاقتصاد والتنمية.

مجموع المشاهدات: 1004 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة