الثقافة المغربية تحقق وثبات نوعية وتتطلع إلى نجاحات جديدة

يتوقف المتتبع لمسار الثقافة المغربية عند الوثبات النوعية التي حققتها خلال هذه الفترة مختلف التمظهرات الثقافية من آداب وفكر وفنون موسيقية وتشكيلية ومشهدية (مسرح، سينما...) وغيرها، وعند تطلعها المشروع إلى تسجيل نجاحات جديدة في مستقبل الأيام.

وتتجلى هذه الوثبات في ارتفاع حجم الاهتمام المعنوي والدعم المادي الذي أقرته الحكومات المتعاقبة لوزارة الثقافة، الوصية على القطاع، وكذا للهيئات والجمعيات المشتغلة في المجال ما انعكس إيجابا على عطاءاتها خلال السنوات الأخيرة ، خاصة من خلال تنظيمها لملتقيات ومنتديات ومهرجانات وفتحها لأوراش محلية ووطنية ودولية تجاوز إشعاعها النطاق الوطني ليمتد إلى الصعيد العالمي، وتشكل نموذجا يحتذى.

وفي هذا الصدد، يشكل المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي ينظم سنويا مثالا بارزا، إذ ارتفع عدد زوار دورته العشرين (13-23 فبراير الماضي) إلى مستويات غير مسبوقة كما لاحظت رنا سهيل إدريس مديرة "دار الآداب" اللبنانية، التي تشارك في المعرض منذ دورته الأولى، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، وذلك بخلاف عدد من المعارض العربية التي "عرفت تراجعا إما لظروف اقتصادية أو سياسية أو أمنية".

كما أن استمرار تنظيم المهرجانات الثقافية، سواء منها تلك التي تنظمها وزارة الثقافة أو غيرها، في مختلف مناطق البلاد وتوسع نشاطاتها وأساليب عملها يعكس دينامية دؤوبة، فقد تضاعف عددها خلال السنوات الأخيرة، وأضحت مرجعا لا غنى عنها في سجل المهرجانات العالمية.

وتكفي الإشارة إلى مهرجان "موازين - إيقاعات العالم" الذي تنظمه سنويا جمعية "مغرب الثقافات"، ليتبين أنه أضحى، منذ انطلاقه لأول مرة صيف 2001 ، علامة فارقة في تاريخ المهرجانات الدولية اعتبارا لعدد الحضور الوافدين من وجهات متعددة ونظرا للعيار الثقيل للأسماء العالمية التي تتم دعوتها لتنشيط فقراته من قبيل ويتني هيوستن وإلتون جون وليونيل ريتشي وشاكيرا ويوسف إسلام وأليسيا كيز إلى جانب أشهر الفنانين المغاربة والمشارقة العرب.

وطبقا لمصادر وزارة الثقافة، فإن المهرجانات العديدة التي تنظمها في مختلف جهات المغرب تتغيى بالأساس "النهوض بالتراث الثقافي والفني والحفاظ عليه، وإعطاء دينامية أكثر لأنشطة الوزارة وتوسيع مجال اهتمامها ليشمل المناطق الفقيرة عن طريق بلورة برنامج وطني للتظاهرات الثقافية، وإعداد خريطة وطنية للمهرجانات، والانفتاح على ثقافات أخرى، وتحسيس السلطات المحلية والمنتخبة والهيئات الحكومية وغير الحكومية بضرورة إعطاء الأولوية للتعبير عن الطاقات الثقافية المحلية والجهوية".

كما أن الوزارة تحرص على دعم المشاريع الثقافية والفنية في مختلف القطاعات، فقد صادق مجلس الحكومة على مشروع مرسوم يتعلق بدعم المشاريع الثقافية والفنية ، ويهدف إلى جمع النصوص المعمول بها والمتعلقة بالدعم المقدم من قبل وزارة الثقافة للكتاب والإبداع المسرحي والأغنية المغربية في نص واحد، مع إضافة دعم الفنون التشكيلية والفنون الشعبية والتظاهرات والمهرجانات الثقافية والفنية ودعم الجمعيات العاملة في الميدان الثقافي والفني بنفس المشروع.

وفي ذات الصدد ، قال وزير الثقافة ، محمد الأمين الصبيحي، إن الوزارة خصصت ضمن ميزانيتها لسنة 2014 دعما خاصا للمشاريع الثقافية والفنية في قطاع الفنون التشكيلية والبصرية بغلاف مالي يقدر ب 10 ملايين درهم على شكل طلبات عروض مشاريع ، بهدف "تشجيع ومواكبة المواهب الشابة والفنانين المكرسين مع التأكيد على مبادئ الجودة والابتكار والإشعاع وفي أفق تقريب الفن المعاصر من شرائح واسعة من الجمهور باحترام تام لاستقلالية الفنانين وحقهم في الإبداع".

وأوضح أن الدعم يتوزع على خمسة مجالات تتمثل في الإقامات الفنية ومحترفات التكوين، ونشر مونوغرافيا الفنانين وكاتالوغات المعارض والمواقع والمجلات الورقية والإلكترونية، وتنظيم المعارض والصالونات المتخصصة في الفنون التشكيلية والبصرية، والمشاركة في معارض وصالونات الفنون التشكيلية والبصرية، والفنون البصرية وخصوصا التنشيط الإلكتروني والفن التفاعلي والأشرطة المرسومة والتصوير الفني والتركيب البصري بالأبعاد الثلاثية، مشيرا إلى أن الوزارة ستواصل العمل بالأوراش الاستراتيجية في مجال الفنون التشكيلية وخاصة على المستوى التشريعي، وبالأخص وضع إطار قانوني لفتح الأروقة والتصدي لعمليات التقليد والبيع غير المنظم إلى جانب مراجعة النظام الضريبي للقطاع.

لكن هذه الخطوات المتتالية لم تمنع من أن يزداد حجم الطموحات نموا من أجل تسجيل نجاحات أخرى في مختلف الميادين الثقافية، ومن أجل توسيع نطاقات الأنشطة الثقافية لتصل إلى مختلف الشرائح المجتمعية، فتستفيد منها كل حسب اهتماماتها ورغباتها سعيا وراء "الكل التواصلي" الذي يشكل مبتغى صعب المنال لكنه ليس بعزيز على الإرادات القوية وليس بمستحيل أمام العزائم الصلبة .