الرئيسية | مستجدات التعليم | هل أخفقت المدرسة المغربية في ترسيخ منظومة القيم والأخلاق؟

هل أخفقت المدرسة المغربية في ترسيخ منظومة القيم والأخلاق؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل أخفقت المدرسة المغربية في ترسيخ منظومة القيم والأخلاق؟
 

 

اسماعيل الحلوتي

    في خضم ما أحدثته الثورة الرقمية من تطورات مذهلة بالبلدان المتقدمة، خاصة في أنظمتها التعليمية، يحز في النفس ما يشهده بلدنا من متغيرات عميقة أضرت بصورته، وأثرت بشكل مباشر على الأسرة، المدرسة، العمران والإنسان.. فالانفجار السكاني في ظل الجشع والكسب غير المشروع، أفرز أبنية عشوائية بالضواحي الهامشية، وخلق مضاربات عقارية ساهمت في اختناق الحواضر، جراء الزحف الإسمنتي الذي أفقدها رونق هندستها المعمارية وهيمن على مجالاتها البيئية، وانعكست آثاره السيئة على الجميع، مما جعل المدرسة هي الأخرى تتضرر، من خلال ابتعادها عن المقومات الأساسية في تخليق حياة المتعلمين، وتراجعها عن ترسيخ القيم الأصيلة كروافد مغذية للسلوك المدني، تشمل مختلف مناحي الحياة البشرية، ومن تم ظهرت انحرافات خطيرة: شغب الملاعب وتخريب المدارس، العنف ضد الأصول والمربين، الغش والرشوة، انتشار المخدرات ومظاهر الإجرام، "التشرميل"... وصارت المنظومة التربوية تدور في فراغ رهيب، جراء الفجوة السحيقة بين ما تحمله البرامج والمناهج من خطب تربوية جافة وما ينضح به الواقع من حقائق مرة...

     وبالنظر إلى ما للمدرسة من ارتباط بنيوي ووظيفي بالمحيط السوسيو ثقافي، كمؤسسة تربوية تعنى بالتنشئة الاجتماعية السليمة والقويمة، وبما أنها لم تفلح في تشريب القيم الضرورية، وكسب رهان التنمية البشرية، فقد كان طبيعيا أن تتعرض للانتقاد اللاذع ويشملها سخط المواطنين وتذمرهم، إثر ما لحقهم من إحباط وخيبة أمل في منظومة تربوية، أخفقت في صناعة ما يحتاجه المجتمع من مواطن قادر على رفع تحديات العصر علميا وأخلاقيا، رغم ما أنفق عليها من ميزانيات ضخمة، حيث لم تزدد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية إلا ترديا وتقهقرا، وتناسلت الكثير من الممارسات الدنيئة: الانتهازية، التطرف والإرهاب الفكري، الاغتصاب، نهب المال العام وتهريبه إلى الخارج، شراء الذمم وتزوير الانتخابات، تواضع الخدمات العمومية، المحسوبية وكل أجناس الفساد والإفساد... لذلك يتحتم على المدرسة تجاوز كل ما هو تقليدي والقيام بما يؤهلها لمواكبة التفاعلات من حولها، وإيجاد الحلول المناسبة للاختلالات الحاصلة من منظور تربوي صرف، إذ لا يمكن للمتعلم تمثل قيم إيجابية ومزاولتها، في ظل مدرسة تكرس سلبيات كثيرة ومتنوعة منها: التأخر والغياب، التحرش الجنسي، الإقصاء والتهميش، التمييز، الغش والعنف المتبادل... كما لم يعد مقبولا أن تبقى مجرد ناقلة للمعارف وحشو الأدمغة بالمعلومات، بل من الواجب أن تتحول إلى مشتل تستنبت فيه قيم المواطنة لجعل المتعلم متشبثا بانتمائه الحر للوطن، وتزويده بما يفيده في إدراك واجباته وحقوقه داخل المؤسسة وخارجها، تأهيله لتدبير مختلف أنواع الخلاف والتواصل بروح المسؤولية، إشراكه في اتخاذ القرار والانخراط في الأنشطة التربوية الاجتماعية والثقافية، من أجل تمتين مكتسباته وتطوير قدراته الذهنية والمهارية والمنهجية، إنها محرك قوي لكل إنماء بشري وتقدم مجتمعي، إذا ما حرصت على تكوين شخصيته المستقلة والمتوازنة والمتفتحة، والقائمة على معرفة ذاته، دينه، لغته ووطنه... لاستثمار طاقاته والإسهام بفعالية في نهضة وطنية واقتصادية وعلمية وتقنية، تلبي حاجات المجتمع وطموحات أفراده...

      فبالرجوع إلى ما ورد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من توصيات للرقي بمنظومتنا التعليمية، وتهييء الظروف المناسبة لتقدم البلاد علميا وتكنولوجيا، وتقوية قدراتها التنافسية على جميع الأصعدة، نجد من بين أهم الدعامات، اعتماد مبادئ العقيدة الإسلامية في تعويد المتعلم على مجموعة من الخصال، التي من شأنها الارتقاء بمستواه ليكون فاعلا ومتفاعلا مع محيطه، بدل ركوب أمواج بحر افتراضي بلا حدود، وحاملا لقيم أخلاقية وثقافية تتمثل بوجه عام في: الاستقامة، المواطنة، التسامح، الانفتاح على الآخر واحترام الرأي المغاير، التعاون، التواصل والحوار، نبذ العنف والتوفيق بين الأصالة والمعاصرة... قادرا أيضا على التجاوب مع مقومات هويته ومنفتحا على مكونات الحضارة الإنسانية، واحترام حقوق الإنسان... لذلك تتحدد مهام التربية في تكوين الفرد وحسن تنشئته اجتماعيا، ضمان مبدأ تكافؤ الفرص ونشر أسس الديمقراطية، وفي السهر على تعميق معارفه، السمو بأخلاقه، صقل مواهبه وتقويم ذوقه، والحرص على توعيته بالمقاصد والغايات الكامنة وراء تقدير القيم الإنسانية الرفيعة، لما لها من أدوار حاسمة في بناء مستقبله وتحقيق تطلعاته وآمال وأحلام أسرته، وفي الدفع بعجلة التنمية نحو ازدهار ورفاهية مجتمعه...

     نحن اليوم أحوج ما نكون إلى التركيز على المعيار الخلقي لدى المواطن، وأن ننطلق سويا من تحصين المتعلم ضد كل انحراف ممكن، بحسن التربية، التوجيه الجيد، التثقيف والتوعية، وفق مقاربة قيمية وعقدية، شمولية ومندمجة، تكون عماد مجتمع خال من العلل، متماسك النسيج، يسود أفراده التآزر وشيوع الرحمة والمودة والتسامح بينهم، وضمان تعافي الأمة وازدهارها في مختلف المجالات الحيوية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ذلك أن افتقادنا قواعد الحياء والوقار ساهم بشكل وافر في استشراء الفساد بجميع أصنافه البشعة وانتشار القهر والظلم واستصغار الآخرين، وفي تراجع كافة مؤشرات التنمية البشرية، مما أدى ببلادنا إلى احتلال رتب متدنية حتى بين البلدان المتواضعة، التي لا تتوفر على الحد الأدنى مما نملكه من مقومات النماء والتقدم، كيف لا، ونحن نفتقر إلى قيم: الصدق، الإخلاص، النزاهة، الشفافية، الحكامة الجيدة، ربط المسؤولية بالمحاسبة، احترام النظام، احترام الإنسان والتأكيد على حقوقه في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، صيانة الأمانة، الاستثمار الأمثل للوقت والتحلي بمكارم الأخلاق؟ وفي ذلك قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت   ×××××   فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فالأخلاق الرفيعة رافعة أساسية لكل إقلاع تنموي مرغوب، وتعتبر من أهم الثمار الطيبة في تقوية شخصية الفرد وتلاحم الجماعة، حين تحكم واقع أفراد المجتمع وتوجه سلوكهم نحو العمل الجاد وحسن المعاملات، وبضياعها تتفكك الأسر، تندثر قيم الخير وينقطع حبل صلة الرحم، يتكاثر الأشرار ويتعاظم التناحر والتنافر، ويغزو الفساد والاستبداد مفاصل الدولة في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية... مما يفوت الفرص الثمينة على أي حضارة في استقامة حالها وعلى أي أمة في نيل حظها من العزة والشرف...

     ليست المدرسة بمفردها معنية بتربية وتكوين المواطن، بل لا مناص من التفكير الجدي في بناء مشروع قيمي مجتمعي، ينخرط فيه الجميع أشخاصا ومؤسسات، لا سيما الأسرة باعتبارها طرفا رئيسيا في إنجاح العملية التربوية، ووسائل الإعلام بجميع أنواعها كمصدر هام لاستقاء القيم ونماذج السلوك المدني، إلى أن تصبح قيم المدرسة هي نفسها قيم المجتمع بأفراده صغارا وكبارا وبسائر مؤسساته، فلنعد للمدرسة مجدها وإشعاعها القيمي والثقافي، ولنحولها إلى فضاء حقيقي لغرس بذور الشمائل والفضائل، وقيم المواطنة وحقوق الإنسان، وممارسة الحياة الديمقراطية... أن تبادر الدولة إلى الرفع من مستوى عيش الأسرة وحفظ كرامتها، وأن يلتزم المربون بأخلاقيات المهنة ويشكلون إلى جانب الأمهات والآباء القدوة الحسنة في الممارسات والسلوك اليومي، ويخضع النظام التربوي للحاجات المتجددة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا من جهة، وللحاجات الذاتية الدينية والروحية للمتعلم من جهة أخرى، لتثبيت هويته المغربية الحضارية وتوعيته بتنوع وتكامل روافدها، والسعي إلى تفعيل المذكرة الوزارية رقم: 88 الصادرة بتاريخ: 05-06-2006، حول: "إرساء هياكل مرصد القيم"، الذي جاء لدعم الحقل التربوي بتوليه مهام إدماج المبادئ والقيم من خلال المناهج والبرامج التربوية والتعليمية عبر فضاء المؤسسة، وليظهر للجميع أن التعليم ليس مجرد نقل معارف ومهارات، بل هو أيضا تربية على القيم المجدية، خاصة أن ميثاقه يتضمن أبعادا دينية ووطنية وإنسانية وعلمية وأخلاقية وجمالية، تدعو إلى تشبع المتعلم بها، والانضمام إلى قافلة تأسيس مجتمع قوي ومتماسك...

 

 

مجموع المشاهدات: 5461 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (3 تعليق)

1 | كريم
الخلاق تم الاخلاق
الاخلاق تبدا من الكبار تم الصغار لانهم يتعلمون من الكبار وفي ضل هذا فالمدرسة هي مراة المجتمع فلا يعقل ان تكون المدرسة متقدمة في ضل مجتمع متخلف .مشكلة التعليم عندنا ان الدولة راهنت على التعليم الخصوصي لكي تنقص من ميزانية التعليم ولكن لا التعليم الخصوصي قام بدوره ولا ميزانية وزارة التعليم تقلصت واصبح مستوى التعليم والمتعلم هما الضحية وبالتالي المجتمع عامة .
مقبول مرفوض
0
2014/04/16 - 10:40
2 | محمد
العصا لمن عصى
لا سيكولوجيا ولا بيداغوجيا ولا حقوق .الحرية السائبة .الحرية بغير قيود .الفوضى الهدامة .اتركزنا من الكلام المرصع .العصا لمن عصى .بالامس القريب كان الصغير يوقر الكبير .رجال الامن كانت لهم هيبتهم بيننا .كنا نهاب لباسهم اما اليوم فالصعاليك يقفون محنززين في الشرطي والدركي .ماذا تنتظرون غير التشرميل والتشرويط والتشعبيط .اعيدوا الهيبة للتعليم والتربية ولرجاله ونسائه .اللي فرط اكرط .البيت والمدرسة يريح الامن ويحقق الاطمئنان.لكن ساس يسوس .لابد من السوسان تحتاج الى سائس .
مقبول مرفوض
1
2014/04/17 - 08:46
3 | محمد داودي
تفكك منظومة القيم والتماسك المجتمعي من المسؤول
بالرجوع الى السياق الكرونولوجي للمتغيرات التي عرفها المجتمع المغربي سنجد ان تراجع اشكالية القيم معطى مجتمعي تتحمل فيه الدولة بجميع مكوناتها المسؤولية الكاملة جراء الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والتي راهنت على التنمية في كل شيئ الا الانسان والدي ظل مغيبا في الاجندة السياسية لهده الاختيارات ولعل المحصلة الطبيعية لهدا الاقصاء الممنهج بروز ظواهر مجتمعية كانت الى عهد قريب لاتمث الى مجتمعنا المسالم بصلة خاصة وان التهافت وراء التوازنات الماكرو اقتصادية في ارتباط وثيقة مع اماءات المؤسسات المالية الدولية والتي غالبا ما تكون على خساب كل ماهو اجتماعي تنموي وفر الارضية الخصبة لانتشار الغضب الشعبي على نطاق واسع فمظاهر الهشاشة والبؤس تشكل على الدوام مشتلا طبيعيا لبروز النزعة الانتقامية والتخريبية لكل ماهو مؤسسي وكما يقول المثل من يزرع الريح يحصد العاصفة خاصة ادا استحضرنا ان المؤسسات المكلفة بفعل التربية وهي الاسرة والمدرسة الشلرع العام لم تعد كما كانت بالامس تشتغل يشكل متناغم ومتكامل فاغلب الاسر المغربية مدفوعة بالحاجة الى توفير لقمة العيش وما رافقه من خروج المراة الى عالم الشغل جعل انشغالاتها اليومية تدور في دوامة الحياة القاسية وبات افق انتظارها منصبا بالاساس على توفير الحاجيات المادية من ماكل وملبس وتعليم لابنائها متناسية فعل التربية والدي يستلزم مجموعة من المقاربات التربوية والتاطيرية وخاصة الوجود الفيزيقي لاب والام باعتبارهما مصدر حنان مؤثر بشكل مباشر على التوازنات الانفعالية والوجدانية للابناء يتم كل هدا في زمن العولمة حيث الخطاب القيمي الرقمي يصل اليك في عقر دارك بكل حمولته الفكرية والمفاهيمية والسلوكية وطبيعي امام هدا الاكتساح الاعلامي الخطير ان لاتسلم من تاثيراته الهدامة منظومة القيم المجتمعية في افق تشكيل نمودج الماروتينغ كما تريده الامبراطوريات الاقتصادية المتحرر من كل مظاهر الحصانة المجتمعية والتي تشكل منظومة الاخلاق والقيم دعامتها الارتكازية وبالرجوع الى المؤسسة الثانية والتي يوكل اليها مهمة التنشئة الاجتماعية واعني بدلك المدرسة فاني باعتباري ممارسا له علاقة مباشرة مع هده المؤسسة فاني ااكد على ان المدرسة المغربية الحالية تقوم بكل سيئ الا فعل التربية فانه بات في تراجع مستمر ليس بالمفهوم التقصيري الادائي لهده المؤسسة بل بفعل الدور السلبي لتدخلات الاباء والامهات اد لم يعد بامكان المؤسسة التعليمية تكريس مفاهيم تربوية من قبيل الجزاء والعقاب الحق والواجب وكل محاولة تقويمية لسلوكات وممارسات التلاميد تصتدم مباشرة مع اشكال احتجاجية من الاباء والامهات والتي قد تصل في بعض الاحيان الى المتابعات القضائية تحت مبررات حقوق الطفل واصبح المجتمع المدرسي عصي على ضبط النظام والطفل الصغير لم يعد يدرك مفهوم الحدود والضوابط خاصة في ظل الحمايةالمبالغةفيها من طرف دعاة الحقوق وهو الوضع العام الدي اصبحت تعيشه مؤسساتنا التعليمية مما وفر الارضية الخصية لانتشار قيم التمرد والجنوح لدى شرائح عريضة من شبابنا العمود الفقري لاي مشروع مجتمعي محتمل المحصلة النهائية لتراجع ادوار الاسرة والمدرسة هو كل ما نشاهده يمويا في الشارع العام من مظاهر العربدة والاعتداء على السلامة النفسية والجسدية للمواطنيين الابرياء الفضاء العام مؤثث بممارسات تخدش الاخلاق وتشعرك باحساس عارم من الامتعاض على زمن جميل كان التدافع على فعل الخير والاحسان الى الجار ومناصرة المظلوم سلوك كل المغاربة وكان فعل التربية يمارس ليس في المدرسة والاسرة فحسب بل حتى الشارع العام كان مدرسة للتربية على حسن السيرة والسلوك واني اتدكر هدا الزمن الجميل حيت المناوشات بين الاطفال كانت تعالج من طرف المارة بالتانيب والتوبيخ دون ان تثار حفيضة الاباء والامهات باعتباره سلوكا اعتياديا يشكال الامتداد الطبيعي لعملية التربية ما بين المؤسسات اللثلات الارة والمدرسة والبيئة العامة افق الانتظار للجروج من دوامة اللاتربية هو اعادة الاعتبار للمدرسة العمومية ودعمها للقيام بادوارها الطلائعية في التنشئة الاجتماعية عبرتحصين الانسان والاستثمار فيه تعليما ونوجيها للوصول الى ان نجعل منه مصدر الثروات والضامن لديمومتها واستملرارها ضاء
مقبول مرفوض
0
2014/04/20 - 01:10
المجموع: 3 | عرض: 1 - 3

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة