الرئيسية | دين ودنيا | التَّرغيبُ فِي السِّواكِ وبيانُ بعضِ أحكامِه وفضائلِه

التَّرغيبُ فِي السِّواكِ وبيانُ بعضِ أحكامِه وفضائلِه

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
التَّرغيبُ فِي السِّواكِ وبيانُ بعضِ أحكامِه وفضائلِه
 

 

إنَّ من السُّنن العظيمةِ، التي هجرها أكثرُ المسلمينَ، ولا تكادُ تراها بينهُم إلا قليلاً، سنَّة التَّسوكِ أو الاستياكِ، وهذا أمرٌ محزنٌ للغايةِ، فرغم سهولتِها ويُسرِها، ورغم ما جاء في بيانِ عظيمِ فضلِها، إلاَّ أنَّ أكثرَ المسلمينَ عنها معرضُونَ، وعن فضلِها غافِلونَ، فأردت بهذه الكلماتِ اليسيراتِ أن أذكِّر نفسي وإخوانِي ببعضِ ما جاء في السِّواك: أحكامِه وفضائِلِه، عسانا أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والله الموفق لا ربَّ سواه، فأقول مستعينا بالله العظيم. 

 

 

المبحث الأول : تعريف السِّواك

 

 

لغة (1): السِّواك بِكَسْرِ السِّينِ، يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى الْعُودِ الَّذِي يُتَسَوَّكُ بِهِ(2) وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ، وَالسِّواك فِعْلُك بِالْمِسْوَاكِ، وَيُقَالُ: (سَاكَ فَمَه يَسُوكُهُ سَوْكًا)، فَإِنْ قُلْت: (اسْتَاكَ أو تسَوَّكَ) لَمْ تَذْكُرْ الْفَمَ، وَجَمْعُ السِّواك سُوُكٌ بِضَمَّتَيْنِ، كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ

قال عبد الرحمن بن حسان:

أَغَـرُّ الثَنايا أَحَمُّ اللِثا ... تِ تَمْنَحُهُ سُوُكَ الإسْحِلِ

وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: أَنَّهُ يَجُوزُ: سُؤُكٌ بِالْهَمْزَةِ. 

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَالسِّواك مَأْخُوذٌ مِنْ تَسَاوَكَتِ الْإِبِلُ إذَا اضْطَرَبَتْ أَعْنَاقُهَا مِنْ الْهُزَالِ، ومنه قول عبيد الله بن الحُرّ الجُعْفيُّ:

إِلَى اللهِ نَشْكُو مَا نَرَى بِجِيَادِنَا ... تَسَاوَكُ هَزْلَى مُخُّهُنَّ قَليلُ

وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سُكْتُ الشَّيْءَ أَسُوكُهُ سَوْكًا مِنْ بَابِ (قَالَ) إذَا دَلَكْتُهُ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ السِّواك.

اِصْطِلَاحاً: عرَّفه الْعُلَمَاءُ بقولهم: هُوَ اِسْتِعْمَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الفَمِ لِيُذْهِبَ الصُّفْرَةَ أَوْ غَيْرَهَا عَنْهَا (3) .

تنبيهات على التَّعريف: 

التنبيه الأول: قولهم: (استعمال عود أو نحوه) لا شك أن السنة تتحقق بالعود، أما الاستياك بالخرقة أو بالأصبع –كما ذكر بعضهم- فليس من السُّنة لعدم ثبوته بدليل يصلح، ولا يقال: إن السِّواك تنظيف، فيحصل بأي شيء، لأنَّ الاستياكَ جانبُ التَّعبد فيه أكبر من جانب العادة.

قال البهوتي في الرَّوض المربع(24): (لا يصيب السُّنة من استاك بإصبعه وخرقة ونحوهما، لأن الشَّرع لم يرد به، ولا يحصل به الإنقاء كالعود). 

وأيد هذا الشيخ ابن باز-رحمه الله– عند شرحه لهذا الكلام (4) .

التنبيه الثاني: قولهم: (لِيُذْهِبَ الصُّفْرَةَ أَوْ غَيْرَهَا عَنْهَا) قالوا: كبقايا الطعام، وهذا وإن كان مقصدا من مقاصد السِّواك إلا أنه ليس الغاية الوحيدة له، إذ إن السِّواك يشرع ولو كان الفم نظيفا، كما سيأتي بيانه.

التنبيه الثالث: الأَوْلَى أن يُزاد في هذا التعريف لفظة: (التعبد) فيقال فيه: هو التعبد لله باستعمال العود في الفم...، كما يدندن على هذا الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله- كثيرا.

 

المبحث الثاني: ما حكم السِّواك؟

 

- ذهب أكثرُ أهلِ العلم إلَى القول باستحبابه وعدمِ وجوبه، بل ادَّعى بعضهم الإجْماعَ على هذا.

- لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الْماوردي عن إسحاقَ بنِ راهويه أنَّهُ قال: هو واجبٌ لكلِّ صلاةٍ فمن تركَه عامداً بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وعن داودَ أنَّه قال: هو واجب لكن ليس بشرط.

قال النَّووي-رحمه الله-: (وَقَدْ أَنْكَرَ أَصْحَابنَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الشَّيْخ أَبِي حَامِد وَغَيْرِه نَقْلَ الْوُجُوب عَنْ دَاوُدَ، وَقَالُوا: مَذْهَبُه أَنَّهُ سُنَّةٌ كَالْجَمَاعَةِ، وَلَوْ صَحَّ إِيجَابُه عَنْ دَاوُدَ لَمْ تَضُرّ مُخَالَفَته فِي اِنْعِقَاد الْإِجْمَاع، عَلَى الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ،وَأَمَّا إِسْحَاقُ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الْمَحْكِيّ عَنْهُ.وَاَللَّه أَعْلَم) (5) 

 

المبحث الثالث: متى يستحبُّ السِّواك؟.

 

 

يستحب السِّواك في جميع الأوقات. 

لحديث عائشة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((السِّواك مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ)) [أحمد(24203)، والنسائي(5)، وغيرهما. وهو في صحيح الترغيب(209)].

ويتأكَّد استحباب السِّواك فِي عدَّة أحوال:

الأوَّل: عند الانتباه من النَّوم. 

لِحَديث حذيفة-رضي الله عنه- قال: ((كَانَ النَّبِيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّواك)) [البخاري (242)، ومسلم (255)].

(الشوص): الدَّلك والتَّنْظِيفُ، وقيل: إمراره على أَسْنانهِ عَرْضاً، وقيل: إمراره على أَسْنانِه من سُفْلٍ إِلى عُلْوٍ (6) .

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ السِّواك عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيل لِأَنَّهُ مُقْتَضٍ لَتَغَيُّرِ الْفَمِ، وَالسِّواك يُنَظِّفُهُ وَلِهَذَا أَرْشَدَ إلَيْهِ.

ويدل على هذا أيضا حديث ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنه-: ((أَنَّ رَسُولَ الله -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- كَانَ لاَ يَنَامُ إِلاَّ وَالسِّوَاكُ عِنْدَهُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ))[أحمد(24901) الصحيحة(2111)].

الثّانِي: عند كل وضوء. 

لِحديث أبِي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه قال: ((لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّواك مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ))[ البخاري (847)].

مسألة: في أي موضع يكون السِّواك عند الوضوء؟

اختلف أهل العلم في تعيين وقته في هذه الحالة، بعد اتفاقهم على أن السِّواك سنة عند الوضوء على قولين (7) :

- فذهب بعض أهل العلم من المذاهبِ الأربعة وغيرِهم إلى أنَّ وقتَه قبلَ البدءِ بالوضوء. 

- وقال الحنفية والمالكية والشافعية في المشهور من مذاهبهم، وبعضُ الحنابلة: وقته قبل المضمضة.

وسبب اختلافهم هذا راجع لاختلافهم في السِّواك هل هو من سنن الوضوء، أو هو سنة منفصلة عن الوضوء؟

وقد استدل من قال بمشروعيته عند المضمضة بما روي عن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: (أنَّه دعا بكوز من ماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا، وتمضمض ثلاثا فأدخل بعض أصابعه في فيه... ثم قال: (كَذَا كَانَ وُضُوءُ نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)الحديث. [أحمد(1357) وعبد بن حميد(95)]. 

لكن الحديث فيه: (أبو مطر البصري): مجهول اتفاقاً، و(مختار بن نافع التمار): ضعيف. [السلسلة الضعيفة(13/561)].

ولو قيل: إنه يستاك قبل الوضوء لكان قوياً، ودليل ذلك ما ثبت عند البخاري(4569)، ومسلم (256) من حديث ابن عباس-والشاهد في لفظ مسلم- أنَّه بات عند النَّبِي-صلَّى الله عليه وسلَّم-قال: فقام نبي الله من آخر اللَّيل ... ثم رجع إلى البيت فتسوَّك فتوضَّأ ثم قام يصلي...) وفي رواية عند أبي داود(58): (فتسوك...ثم توضأ). فلفظة: (فتسوك فتوضأ) و(ثم توضأ)، ظاهرها أنه فعل التسوك قبل وضوئه، لأن (الفاء) تفيد الترتيب مع التعقيب، و(ثم) تفيد الترتيب مع التراخي. والله أعلم. 

فالأظهر: أنه يتسوك قبل وضوئه كما هو ظاهر حديث ابن عباس المتقدم (8) .

وعلى كلٍّ فالأمر في ذلك واسع، كما قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله- (9) .

الثالث: عند كل صلاة.

عن أبِي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:

((لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّواك مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ))[البخاري(887)، ومسلم (252)إلاَّ أنه قال: ((عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ))] 

فوائد: 

الفائدة الأولى: زاد أبو داود بعد رواية هذا الحديث: (قال أبو سلمة: فرأيت زيدا[يعني: ابن خالد الجهني] يجلس في المسجد، وإن السِّواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، فكلما قام إلى الصلاة استاك). [صحيح أبي داود(37)].

الفائدة الثانية: الاستياك عند كل صلاة سنَّة قال بها الفقهاء، خلافا للأحناف، لأنهم جعلوا السِّواك من سنن الوضوء، وليس من سنن الصلاة، وهذا راجع لأصل عندهم كما بين ذلك المباركفوري في تحفة الأحوذي(1/84)فقال: (وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ عُلَمَاؤُنَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ جِرَاحَةِ اللِّثَةِ وَخُرُوجِ الدَّمِ، وَهُوَ نَاقِضٌ عِنْدَنَا فَرُبَّمَا يُفْضِي إِلَى حَرَجٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- اِسْتَاكَ عِنْدَ قِيَامِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَأَمَرْتهمْ بِالسِّواك عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، عَلَى كُلِّ وُضُوءٍ، بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ: ((لَأَمَرْتهمْ بِالسِّواك عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ)). أَوْ التَّقْدِيرُ لَوْلَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ بِالسِّواك عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لَأَمَرْتهمْ بِهِ لَكِنِّي لَمْ آمُرْ بِهِ لِأَجْلِ وُجُودِهَا).

الفائدة الثالثة: روى [أحمد (1881) وابن ماجه(288) وغيرهما] عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِاللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَسْتَاكُ)) والحديث في [صحيح الترغيب والترهيب(212)].

قال المناوي في فيض القدير(5/285): (قال أبو شامة: يعني: وكان يتسوك لكل ركعتين، وفي هذا موافقة لما يفعله كثير في صلاة التروايح وغيرها، قال العراقي: مقتضاه أنه لو صلى صلاة ذات تسليمات، كالضحى والتروايح، يستحب أن يستاك لكل ركعتين وبه صرح النووي).

فالسنة أن يتسوك في ابتداء كل ركعتين، بل حتى ركعة الوتر المنفردة يشرع أن يتسوك لها، لأنَّ كل ركعتين تسمى صلاة والسِّواك مشروع عند كل صلاة، كما ورد به النص. والله أعلم.

الرابع: عند دخول المنزل.

فعن شريح بن هانِئ قال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ-رَضِيَ الله عَنْهَا-: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِي-صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: ((بِالسِّواك))[مسلم(253)]. 

قال السيوطي في شرحه لسنن النسائي(1/13): (وقد صرح به أبو شامة والنووي، قال ابن دقيق العيد: "ولا يكاد يوجد في كتب الفقهاء ذكر ذلك").

ونقل الشيخ عبد المحسن العباد-رحمه الله- عن بعض العلماء أنَّه من السنن المهجورة (10) .

 
مجموع المشاهدات: 4397 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة