الرئيسية | دين ودنيا | الفرق بين وسوسة الشيطان و وسوسة النفس

الفرق بين وسوسة الشيطان و وسوسة النفس

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الفرق بين وسوسة الشيطان و وسوسة النفس
 

 
وسوس له أو إليه (لغةً): حدثه بما لا نفع فيه ولا خير، أو تكلم بكلام خفي. والفاعل هو مُوَسوِس، والمفعول هو مُوَسوَس له. و أوحى إليه (لغةً): ألقاه إليه وبلغه إياه

أنواع الوسوسة إلى الإنسان تبعاً إلى نوع المُوسوس هي:
أ) وسوسة النفس الأمارة بالسوء: إن النفس توسوس لصاحبها وتأمره بعمل السوء، قال تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (ق:16)،
ولكن هل النفس الأمارة بالسوء توسوس لصاحبها من تلقاء نفسها أم يوجد من يحثها على ذلك؟ الجواب هو أن القرين أي الشيطان المُوكل بالإنسان هو من يحثها ويأمرها بالوسوسة لصاحبها بفعل السوء فنفس الإنسان مجبولة على كلا الخير والشر معاً فالشيطان يستطيع أن يحث النفس على الأمر بالسوء لصاحبها من الشر الموجود فيها. والدليل أنه لماذا لا يستطيع الشيطان أن يُوسوس للملائكة بفعل السوء؟ الجواب لأن الملائكة مجبولون على الخير المحض النقي فلا يوجد عندهم شر ولذلك لا يستطيع الشيطان أن يوسوس إليهم بفعل السوء، كذلك لما ثبت في الصحيح أنه ( ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينة " . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، إلا أن الله أعانني عليه ، فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير)، فقرين الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمره إلا بالخير لأنه عليه الصلاة والسلام قد شُق صدره وغُسلَ قلبه من جبريل عليه السلام بمشيئة الله عزوجل فصارت نفسه خالصة الطهارة والنقاء كالملائكة لما ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك ( أن النبي صلى ‏الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج ‏القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب ‏بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئيره- فقالوا إن ‏محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: أرى أثر المخيط في صدره". والظئير ‏المرضعة وهي هنا حليمة كما هو معلوم). كما أنه عليه الصلاة والسلام غُسل قلبه عند مبعثه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير، وعند الإسراء والمعراج ليتأهب للمناجاة. وما يؤكد ذلك تجد أن مقدرة الشيطان على الوسوسة لبني آدم تتفتاوت بتفاوت طهارة ونقاء أرواحهم فتجد أناساً محفوظون من وسوسة الشيطان لهم بإقتراف جريمة الزنا أو جريمة السرقة بينما هنالك من هم غير محفوظين من ذلك لأن أرواحهم أقل نقاءاً وطهارةً.

ب) وسوسة الشيطان القرين: قال تعالى ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (ق:27 )،
فالقرين هو الشيطان الموكل بالإنسان في الدنيا، فهو يوسوس للإنسان بمعصية الله عزوجل وبترك الطاعات والنوافل وكل ما هو أولى عن طريق النفاذ والوصول إلى روحه، كما في رواية أنس عن قصة زيارة صفية النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف ، وخروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها ، فلقيه رجلان من الأنصار ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال رسول الله : " ( على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي " . فقالا سبحان الله يا رسول الله . فقال : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ، أو قال : شرا"). فروح الإنسان هي التي تجري فيه مجرى الدم مكسبةً إياه علامات الحركة والإرادة والحس مما يفيد أن المقصود بجريان الشيطان مجرى الدم من ابن آدم هو وصوله ونفاذه إلى روح الإنسان ووسوسته لها بفعل السوء.

ج) وسوسة شياطين الإنس وشياطين الجن:
قال تعالى ( كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِيْنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوْحِيْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوْرًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوْهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُوْنَ)
(سورة الأنعام أية 112).
فشياطين الإنس والجن (شياطين: مضاف، الإنس: مضاف إليه، الجن: معطوف على الإنس) تحتمل معنيين:
الأول: شياطين من الإنس ( جمع إنسي شيطان) وشياطين من الجن ( جمع جني شيطان)، كقول حسنُ الخُلقِ أي خُلقٌ حسن.
الثاني: شياطين للإنس وشياطين للجن، كقول كتابُ الطالبِ أي كتابٌ للطالب.

كلا المعنيين صحيحين والجمع بينهما مفاده أن هنالك شياطين من الإنس وشياطين من الجن توسوس إلى الإنس كما أن هنالك شياطين من الجن توسوس للجن أما شياطين الإنس فلا تستطيع أن توسوس للجن وإنما تستطيع أن تستعين بهم. وفي سياق أنواع الوسوسة للإنسان سوف نأخذ بأحد التأولين لقوله تعالى (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (الناس: 4-6)،
وهو أن الشيطان الخناس الذي يوسوس في صدور الناس أي في صدور الإنس هو من الجنة والناس أي من جماعة الجن والإنس أي هنالك شياطين من الجن والإنس توسوس في صدور الناس من الإنس، وما يؤكد ذلك رواية أبي ذر عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ، فجلست ، فقال : " يا أبا ذر ، هل صليت ؟ " . قلت : لا . قال : " قم فصل " . قال : فقمت فصليت ، ثم جلست فقال : " يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " .).
ولكن وسوسة شياطين الإنس للإنسان تكون بإلقائهم إليه ما يضره ولا ينفعه وليس بكلام خفي لأن الإنسان يرى شياطين الإنس وهم يرونه، أما وسوسة شياطين الجن للإنسان تكون بكلام خفي لأنه لا يراهم وهم يرونه. فإذا قيل كيف يمكن لشياطين الإنس أن توحي زخرفَ القول إلى شياطين الجن وهم لا يرونهم كما في قوله تعالى (شَيَاطِيْنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوْحِيْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوْرًا)، يُقال أنه عندما يستعيذ الإنسي الشيطان بالجني الشيطان من خلال السحر فإنه يستطيع أن يراه ويتحدث معه لقوله تعالى ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) (الجن:6).

فإبليس هو مصدر الوسوسة للإنسان لأنه رأس الشر قال تعالى (أفتتخذونه وذريته) فهو من يأمر الشياطين بالوسوسة للإنسان إما من خلال النفس الأمارة بالسوء و إما من خلال الشيطان القرين، لقوله عليه الصلاة والسلام ( إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ ثمَّ يبعثُ سراياهُ فأدناهم منهُ منزلةً أعظمُهم فتنةً يجيءُ أحدُهم فيقولُ فعلتُ كذا وَكذا فيقولُ ما صنعتَ شيئًا قال ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ ما ترَكتُه حتَّى فرَّقتُ بينَه وبينَ امرأتِه قال فيدنيهِ منهُ ويقولُ نِعمَ أنتَ )
( الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2813 خلاصة حكم المحدث: صحيح)، ولقوله تعالى ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) (سبأ: 20-21)،
و قوله تعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (إبراهيم: 22).
فهذه الآيات الكريمة تُشير بوضوح إلى أن رأس الشر ومصدر الوسوسة هو إبليس وأن اللوم يوم القيامة يُلقى على إبليس وليس على الشيطان القرين أو على النفس الأمارة بالسوء أو على شياطين الإنس أو على شياطين الجن، وذلك لأنه هو رأس الشر.

أما غواية الجن فهي من إبليس وذريته، قال تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا)
(الجن: 4)،
سفيهنا أي إبليس ونجد أن غواية الشيطان لجماعة الجن لم يُعبر عنها بلفظ الوسوسة ومشتقاتها لأن الوسوسة هي التكلم بكلام خفي والجن يرون إبليس وجماعته من الشياطين وبالتالي هم ليسوا مخفيين على الجن. وعند تدبر أحد التأولين لقوله تعالى (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (الناس: 4-6)،
وهو أن الشيطان يُوسوس في صدور الناس من الإنس والجن أي أن الناس تشمل هنا كلا الجنسين الإنس والجن كما في قوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا )، ولكن وسوسة الشيطان للإنس مختلفة عن وسوسته للجن، فوسوسته للإنس هي بكلام خفي لأن الشيطان مخفي على الإنس بينما وسوسته للجن هي بإلقائه إليهم ما يضرهم ولا ينفعهم وليس بكلام خفي لأنه ليس مخفي عن الجن فهو يراهم ويرونه لأنهم من نفس الجنس.

أما الإنسان فهو لا يستطيع أن يُوسوس إلى الجن أو يُلقي إليهم قولاً لأنه لا يراهم، قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:27)،
فقول (يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) تعود على إبليس وجماعته أو أتباعه من الشياطين والجن وكلاهما من جنس الجن، قال تعالى ( إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) (الكهف:50).
فنحن المسلمون نؤمن بأن الجن والملائكة حقٌ رغم أننا لا نراهم والدليل على ذلك مثالٌ محسوس تقريبي فالهواء الذي يُحيط بنا في كل مكان هو موجود ونشعر به مع أننا لا نراه، مما يعني أن عدمَ رؤية الملائكة والجن لا ينفي وجودهما. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مجموع المشاهدات: 8885 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة