الرئيسية | قضايا المجتمع | هل استجاب مشروع ميزانية المجلس الحضري لمدينة اليوسفية لانتظارات الساكنة، أم بقي وفيا لنهج التخبط والعشوائية؟

هل استجاب مشروع ميزانية المجلس الحضري لمدينة اليوسفية لانتظارات الساكنة، أم بقي وفيا لنهج التخبط والعشوائية؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل استجاب مشروع ميزانية المجلس الحضري لمدينة اليوسفية لانتظارات الساكنة، أم بقي وفيا لنهج التخبط والعشوائية؟
 

 

نورالدين الطويليع ـ يوسف الإدريسي

بعد بلوغ المجلس الحضري لمدينة اليوسفية ربيعه الخامس والأخير، يفترض أن تكون رئاسته قد بلغت قمة النضج التدبيري، وراكمت تجربة تستطيع من خلالها تجاوز الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها وهي تضع ميزانيات السنوات الفارطة، فهل جسد مشروع ميزانية 2015 هذا النضج؟، وهل اهتدت رئاسة المجلس إلى وضع المبلغ المناسب في الباب المناسب؟، وهل تضمن مشروع هذه الميزانية مشاريع طموحة قادرة على تبييض صفحة مجلس سودتها خيبة أمل الساكنة؟، وهل تمكنت الرئاسة كذلك من تجاوز النظرة الضيقة التي أطرت رؤيتها لتدبير الشأن المحلي، وجعلتها محصورة في قالب طلبات السند ( البوند كوموند)؟.

بداية نستسمح القراء بوضعهم في الصورة  القاتمة لهذا المجلس ومشروع ميزانيته منذ الوهلة الأول، فمجرد قراءة أولية لأوراق هذا المشروع، يتكون لدى المتتبع انطباع سلبي، يجعله يستنتج قبل أن يرمي بها، أن ميزانية 2015 أريد لها أن تنهج سبيل الاتصال، وألا تكون بدعا بين صنواتها من ميزانيات المجلس الحالي السابقة، حيث الوفاء للارتجالية والتخبط، والانطلاق من لي أعناق الأبواب وتطويعها حتى تكون صالحة للصرف البوندكوموندي.

وحتى نخرج من دائرة الكلام المجرد، نعرض فيما يلي بعض مظاهر بذور سوء التدبير التي يحفل بها هذا المشروع، وتكشف عن ضيق أفق رئاسة مجلس نجحت  إلى أبعد حد في تكسير أفق انتظار السكان، وأذاقتهم علقم الخيبة واليأس والإحباط.

1 ـ ضخ فائض ميزانية 2014 في مشاريع بوند كوموندية: كما كان متوقعا، وفق ما أشرنا إليه في التحقيق الذي أنجزناه قبل شهور قليلة حول حصيلة المجلس الحضري لمدينة اليوسفية، لم تجد رئاسة هذا الأخير غير الأبواب التي تساعد وتيسر السبيل أمام  سلاسة تمرير طلبات السند من فائض ميزانية 2014، لأن هاجس الرئاسة هنا هو تطويع هذا الفائض ليكون على المقاس، ولو أدى ذلك إلى التخلي مشاريع حقيقية، ساكنة اليوسفية في أمس الحاجة إليها، كما هو الشأن بالنسبة لمشروع ترميم الطرقات الذي خصصت له مبلغ 20 مليون سنتيم ضمن ميزانية السنة الفارطة، إلا أنه ورغم هزالة المبلغ، لم يمس من هذا الاعتماد ولو سنتيم واحد، وبرمج بالكامل في الأبواب التي تقتل الرئيس بحبها، وتهلكه عشقا وهياما، وتستحثه للهاث وراءها وتتبع أثرها، حيث قام بهذا الصدد بتخصيص 60 مليون سنتيم كمهر  قدمه لها من فائض الميزانية، مع إضافة مبلغ 34 مليون سنتيم أخرى لصالحها ضمن مشروع ميزانية السنة الحالية، ووزعها على الشكل الآتي:

ـ شراء عتاد وأثاث المكتب: 20 مليون سنتيم من الفائض، و 18 مليون سنتيم من مشروع الميزانية الحالية.

ـ شراء العتاد المعلوماتي: 20 مليون سنتيم من الفائض، و08 ملايين سنتيم من مشروع الميزانية الحالية.

ـ شراء عتاد التزيين والحفلات: 20 مليون سنتيم من الفائض، و08 ملايين سنتيم من مشروع الميزانية الحالية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأبواب استهلكت حوالي 31 مليون سنتيم خلال السنة الفارطة، بما سيجعلها تستهلك خلال سنة ونصف فقط 125 مليون سنتيم، مع العلم أن صنواتها كثر، وتستهلك سنويا أضعاف هذا المبلغ، الشيء الذي يخلق نوعا من التشتيت لأموال كان يجدر بالرئاسة أن تعمل على تجميعها لخلق مشاريع تنعش الساكنة وتزرع فيها الأمل مثل إنشاء ساحات عامة ومناطق خضراء بالأحياء السكنية التي تعاني جميعها من حالة اختناق واضحة، وأماكن للترفيه واللعب بالنسبة للأطفال الذين يتردد آباؤهم على الأماكن التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، ويتعرضون باعتبارهم غير عاملين بالمكتب للمنع، بما يشعرهم  بالذل والإهانة، ويجعل أبناءهم يشعرون بالنقص أمام زملائهم أبناء الفوسفاطيين، دون أن يكون لهم ذنب، سوى أنهم ابتلوا بمجلس قصرت رؤيته عن توفير سبل الحياة المطمئنة لهم، واتخذ لنفسه مسارا آخر بعيدا كل البعد عن همومهم اليومية..، كما كان بإمكان هذه الرئاسة أن تخصص بعضا من هذا المبلغ لترميم الطرقات التي تحولت في كثير منها إلى حفر متناثرة، عوض أن تبقى مكتوفة الأيدي، مكتفية بالتفرج على معاناة المواطنين بهذا الصدد، أو أن تبقى عالة على جهات أخرى ( مؤسسة العمران ـ الجهة ...)، تنتظر ترميما أو إصلاحا من لدنها لتقتنص الفرصة، وينتقل بعض أعضائها لالتقاط الصور التذكارية، عساها تكون شفيعا لهم في ساعة العسرة الانتخابية.

2 ـ المضي في وضع مشروع بناء سوق سمك ضرار بعد العجز عن حل مشاكل سوق السمك الأول: لم تتمكن  رئاسة المجلس الحضري  من حل المشاكل العالقة لسوق السمك الذي يتواجد بالحي الحسني، من قبيل مشكل النظافة، والماء والكهرباء اللذين تتحمل فاتورتهما الجماعة الحضرية، ولم تجد شيئا محاولات الرئاسة إقناع التجار  بتركيب عدادات خاصة بهم في ظل التناطح الانتخابي بين فرقاء المجلس، وغياب الإرادة الحقيقية لديها في اجتثاث المشكل من جذوره لاعتبارات من بينها توسمها في هذه الفئة وأمثالها أن تكون خزانها الانتخابي، وتوجسها إن هي خيبت ظنها أن تذهب طموحاتها الانتخابية أدراج الرياح.

في ظل هذا الفشل الذريع والقصور عن حل المشكل، قررت رئاسة المجلس المضي إلى الأمام، واقترحت  بناء سوق سمك جديد على مرمى حجر من السوق الأول بغلاف مالي يتجاوز 150 مليون سنتيم، في مكان لا يصلح إلا أن يكون ساحة عمومية، ومن شأن بناء هذا السوق به أن يؤديإلى خنق الساكنة والتضييق عليها، وانتشار الأزبال والروائح الكريهة.

3 ـ وضع مشروع بناء سوق للفواكه بعد الفشل في تدبير أمر بناية كانت قد اقترحت تخصيصها لهذا الغرض: في إطار سياسة الفوضى الخلاقة المبنية على الارتجالية والتخبط وضعت رئاسة المجلس الحضري من ضمن أهدافها ،فيما تبقى لها من أشهر معدودات، بناء سوق للفواكه بمحاذاة سوق السمك الضرار، وخصصت له مبلغ 80 مليون سنيم، استقدمتها للميزانية الحالية من خلال برمجة فائض ميزانية 2014، على الرغم من تواجد بناية بنفس الحي كان يستغلها بائعو الأحشاء، وهجروها بعد ذلك، وسبق للمجلس الحضري أن صادق بالإجماع في إحدى دوراته على تخصيصها لبائعي الفواكه، دون أن يكتب للقرار النزول إلى أرض الواقع، وعوض أن تبحث رئاسة المجلس عن أسباب هذا الإخفاق، وتعمل على إزالة العراقيل التي حالت دون تنزيل القرار، عمدت إلى إجراء بناء سوق جديد، كما هو شأنها بالنسبة لسوق السمك.

ها هنا نلاحظ اجتهاد الرئاسة في الإتيان بمعادلة جديدة تقوم على حل مشكل بخلق مشكل آخر بهدف خلط الأوراق وبعثرتها في وجه من سيأتون بعدها، فانطلاق أشغال بناء هذين المشروعين من المحتمل جدا أن يتم قبيل رحيل الرئاسة الحالية، وهو ما سيشكل نوعا من الإشعاع لها، ستوظفه لا محالة في حملتها الانتخابية من خلال توزيع الوعود على التجار بتمكينهم من الاستفادة منها إن هي نجحت في الاحتفاظ بالرئاسة، وهي تعلم علم اليقين أن هذا الخيار بعيد كل البعد، وصار من سابع المستحيلات، لكنها تراهن من خلال هذه المناورة على الحصول على الأصوات التي من شأنها أن تمكنها من تجاوز العتبة والحصول على تمثيلية داخل المجلس القادم، وسواء تحقق لها هذا الهدف أو لم يتحقق، سيشكل أمر هذين السوقين مأزقا وحرجا كبيرين للرئاسة القادمة، لأن تسليم مفاتيح الدكاكين لن يكون بكل تأكيد إلا بعد شهر يونيو من السنة الجارية، وأمام وجود طابور طويل من المنتظرين الذين أشبعوا وعودا بأن يكونوا على رأس المستفيدين، لن تجد أمامها إلا خيار ترك الأمور على عواهينها، لتبقى البنايتان مهجورتين، تشكلان وكرا للأزبال والنفايات.

والغريب في الأمر هنا هو سكوت المعارضة داخل المجلس على هذا الإجراء، إن كان هناك معارضة أصلا، ما دام أن أنصارها تفرقوا شيعا، وتحول بعضهم إلى مريدين، في الوقت الذي غادر رؤساؤها شأن المجلس وأضربوا عن حضور دوراته إضرابا غير محدود، تحت يافطة الغياب المبرر، بما يعتبر اتفاقا ضمنيا بينها وبين الرئيس الذي وجد نفسه في وضعية مريحة، جعلته ينأى عن الإقدام على إقالة  المتغيبين اعتمادا على ما يخوله  الميثاق الجماعي من حق إقالة كل عضو تخلف عن دورات المجلس لثلاث مرات متتالية..، وهذا التواري لرموز المعارضة عن الأنظار  سيضر بها كثيرا، و سيجعل انتقادها للرئاسة وطريقة تدبيرها للشأن المحلي أثناء الحملة الانتخابية أمرا غير ذي معنى، يدخل في إطار ما يسميه المغاربة " البكاء من وراء الميت".

4 ـ التخلص من تحويلات اعتمادات التجهيز حتى لا تستقر في يد الرئاسة القادمة: ظلت رئاسة المجلس الحضري تدحرج بعض الاعتمادات الخاصة بالتجهيز، وتنتقل بها من هذا المشروع إلى ذاك، لكن مادام أن منتصف سنة 2015 سيشكل محطة الوصول النهائية لهذا المجلس الذي ستغادر من خلالها قطار تدبير الشأن المحلي، فإن أي دحرجة بهذا الصدد لهذه الاعتمادات  ستؤول لصالح الوافدين على القطار، ولذلك عمدت إلى العمل بمنطق الفرملة، واقتراح بناء سوق السمك الذي أشرنا إليه سابقا، ضمن استراتيجية النسف وتجفيف المنابع التي تذكرنا بحكاية المرأة التي علمت بعزم زوجها تطليقها والاقتران بامرأة أخرى، فعمدت إلى إضرام النار في كل ما جمعته من حطب حتى لا تستفيد منه من ستخلفها، لتجد الرماد فقط في انتظارها، وهذه مقاربة لا تستحضر استمرار المرفق، وتؤمن بمنطق "لك الساعة التي أنت فيها"، أما ما قد يفضل عن هذه الساعة فلا يصلح إلا للحرق والتبديد، وفق رؤية ينتفي معها التدبير العقلاني المستمد من الإحساس بالانتماء إلى هذا الوطن، و تجاوز الحساسيات الحزبية والشخصية لصالح الوطن، وتهيئة الطريق للخلف ليجدها صالحة للاستعمال، خالية من المطبات والعقبات، لا وضع الأشواك في طريقه، وإغراقه في المستنقع، وخلق المشاكل التي سبيله إن هو اختار اتباع مسار الإصلاح والشفافية والحكامة الجيدة.

يبدو جليا من خلال ما تقدم أن ميزانية 2015 ما هي إلا تحصيل حاصل، وتكريس لمسار طبع مسيرة المجلس الحضري الذي فشل فشلا ذريعا في تحقيق الآمال التي علقها عليه المواطن اليوسفي إبان تشكله، وأبحر بعيدا في دنيا الارتجال والتخبط والعشوائية، وخاصم بشكل فظيع كل شروط التدبير الناجح، ولهذا لم يخرج من رحمه ولو مشروع واحد، وبقي ما يصدر عن بعض أعضائه المقربين لدائرة الرئيس مجرد ثرثرة، جعلت منهم ظاهرة صوتية بامتياز، وعن جدارة واستحقاق، و السبب في هذا الفشل بنيوي يعود إلى طبيعة التشكيلة الهجينة لمكتبه، والعلاقة المتوترة بين بعض أعضائه التي وصلت أحيانا إلى حد القطيعة، كما يعود، كما أشرنا إلى ذلك في تحقيق سابق، إلى غياب مخطط جماعي يعلن بوضوح النوايا الإصلاحية والتدبيرية التي تعتزم الرئاسة إخراجها إلى حيز الوجود خلال فترتها الرئاسية، والسؤال القلق الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح، ويبحث عن مشروع جواب فعلي قادر على إزالة علامة استفهامه الباعثة على التدمر والتشنج، هو هل سيتوقف نزيف هذه العشوائية المستهترة بمصالح المواطنين بعد انتخابات يونيو المقبل، أم هل ستبقى دار لقمان على حالها، ويستمر مسلسل الخيبة وسوء التدبير، ويبقى المواطن اليوسفي الضحية الأكبر ، يتيما لا يجد من يحمل همه، ويخلق له واقعا آخر يخرج مدينته من دائرة الظل والنسيان؟

مجموع المشاهدات: 2343 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة