الرئيسية | قضايا المجتمع | اليوسفية: شباب معطلون يتطوعون لإدخال البسمة على مشردي المدينة

اليوسفية: شباب معطلون يتطوعون لإدخال البسمة على مشردي المدينة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
اليوسفية: شباب معطلون يتطوعون لإدخال البسمة على مشردي المدينة
 

 

نورالدين الطويليع ــ يوسف الإدريسي‏

ما زلنا نتمثل هذا البيت الشعري: وإذا رحمت فأنت أب أو أم...... هذان في الدنيا هما الرحماء ، ونعتبره حقيقتنا المطلقة وشعارنا في الحياة، حتى رأينا الليلة حدثا جللا  خلخل اعتقادنا الراسخ هذا، ونسخ نظرتنا الضيقة المحتجزة مفهوم الرحمة في عنصرين اثنين لا ثالث لهما، بنظرة أوسع وأرحب.
أبطال هذا الحدث الشامخ فتية آمنوا بربهم، وبالعمل الإنساني النبيل، فأوجبوا على أنفسهم نصيبا جعلوه مفروضا؛ كيلومترات من التنقل عبر الأحياء راجلين، وقفتهم الملأى بما تيسر من طعام بين أيديهم، بحثا عن مشردين نسجوا وإياهم علاقة حميمية، متتبعين في غسق الليل "أماكن إقامتهم" تحت مظلة السماء، وفوق أديم الأرض، وكلما وجدوا أحدهم تنادوا فرحين، كأنما يدعون بعضهم البعض لوليمة بأشهى الأطباق، ورفعوا أصواتهم بالاسم المعني مخافة أن تفوت فرصة اللقاء الأولى عن أحدهم: أمي السعدية، با زروال، عنتر، عبدالرحيم، بوشعيب، بوجمعة، المختار، زكرياء، يوسف، المختار، الزوهرة، أسماء صارت قطب رحى تفكيرهم، يحملون هم جمع ما يقيم صلبها بالنهار، رغم ضيق ذات اليد، وينقلون إليها بسمة ملائكية بالليل، فيحلون بين ظهرانيها في الليالي الليلاء ليضيؤوا ظلمتها بحديث آنسته واستمرءته، وصارت تنتظره بعد كل عتمة على أحر من الجمر، بعدما نفرها جنس البشر، وتركها وجها لوجه مع جنونها وتشردها وضياعها، جاعلا بينه وبينها حجابا ساترا مستورا، كما لو كان الاقتراب منها تنقيصا من شأنه المصطنع الكاذب، ومن مجده الوهمي الخادع.
هم فتية وحدهم حب الله، ثم حب الوطن، وحب الإنسان في جوهره المطلق، اختاروا العمل الإنساني التطوعي في جنح الظلام  بعيدا عن الأضواء الكاشفة، وعن عدسات الكاميرا، مختارين العمل في صمت، وبدون ضوضاء، لأن الذي أخرجهم إيمان عميق بالله وبالوطن وبالإنسان، استقر في قلوبهم، فانعكس على عملهم هذا الرائع، الشفاف، ولم تخرجهم حسابات ريعية ومزايدات لا تعدو أن تدندن حول جلب الدعم، والتهييء لكسب أكبر عدد من الأصوات الانتخابية، والترويج للقبيلة، وإلحاق الهزيمة بالخصوم الاجتماعيين والسياسيين.
هم عشرة فتية آثروا على أنفسهم رغم ما بهم من خصاصة، نسوا في خضم انشغالهم ببلوى أبناء وطنهم المشردين بلواهم ومعاناتهم مع مشكل البطالة الجاثم عل صدورهم، وجعلوا من عملهم الإنساني هذا شغلهم الذي لا يريدون من ورائه جزاء أو شكورا، لم يطرقوا باب أحد بحثا عن دعم، لم يؤرشفوا أنشطتهم التي تكاد تكون يومية ليبعثوا بألبوم الصور هنا وهناك، داخل المدينة وخارجها، لاستدرار عطف هذه الجهة أو تلك، لكي تضخ في جيوبهم أضعاف أضعاف ما أنفقوه، لم يجعلوا من عملهم نشاطا مناسباتيا يتيح الفرصة لالتقاط الصور ونيل الألقاب الكاذبة، بل جعلوه مستمرا على طول أيام الأسبوع، منذ أن استهلوه في شهر نونبر من السنة الماضية.
 
وكشهادة لله، ثم للتاريخ،نشير إلى أننا نحن من بحثنا عنهم، وتتبعناهم وهم يمارسون عملهم الإنساني بنشاط منقطع النظير، وبسبب إصرارنا على وجوب نقل تجربتهم للرأي العام، عسى أن ينظم إليهم شباب آخرون استحسنوا الفكرة بعد طول تردد، لكنهم ألحوا أن نؤكد للجميع أنهم لا يعملون تحت أي إطار سياسي، أو نقابي، أو اجتماعي، وأنهم يرفضون أن يخندقهم أي أحد في هذا الإطار أو ذاك. 
مجموع المشاهدات: 1196 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة