الرئيسية | دولية | هل تسعى روسيا لإشعال حرب أهلية في إسبانيا؟

هل تسعى روسيا لإشعال حرب أهلية في إسبانيا؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل تسعى روسيا لإشعال حرب أهلية في إسبانيا؟
 

الكاتب: طه لمخير    

كاتالونيا، 7,5 مليون نسمة، قومية ذات تاريخ متفرد ولغة مستقلة تعود في أصولها إلى اللاتينية، أغنى إقليم من أقاليم إسبانيا السبعة عشر و بقرتها الحلوب، ما شئت من أنهار متدفقة وجبال شاهقة وطبيعة خلابة ومصانع على امتداد البصر. نسبة ما تفيض به على ميزانية الدولة أكثر مما تناله منها، فالكاتالونيون يشكلون 16 ٪ من مجموع السكان، وتنتج كاتالونيا 25٪ من صادرات الدولة، وتستضيف 23٪ من النشاط الصناعي في البلاد، بينما تتلقى سوى 11٪ من نفقات الدولة فقط، في حين تصل حصتها من الناتج الوطني الخام إلى 19٪.

 

فمن ناحية اقتصادية صرفة يمكن إدراك دوافع الطرفين، أقصد هنا الحكومة الإقليمية والحكومة المركزية؛ فأحدهما يعتبر نفسه خاسرا من طبيعة العلاقة غير المتوازنة و تواضع الاستفادة العامة من موارده الذاتية التي تتوزع على باقي الأقاليم بشكل أكبر، والثاني يخشى من ضياع كل تلك الفوائد والأرباح في ظل أزمة مالية ضربت البلاد منذ 2008 لم تتعاف منها إسبانيا إلا جزئيا.

لكن ماذا عن العوامل الخارجية، والأطراف الأخرى التي تساهم بشكل أو بآخر في تأزيم الأوضاع الداخلية في إسبانيا وعموم دول الاتحاد الأوروبي؟

 

 

لقد تجرأ الروس على أوروبا و الولايات المتحدة مرتين في تحركين مهمين يشكلان تحولا نوعيا في السياسة الخارجية الروسية، وساهما في نمو مضطرد لنفوذ الاتحاد الروسي على الساحة الدولية. أولهما: في أزمة شبه جزيرة القرم عندما قامت روسيا باجتياح الإقليم وضمه لسيادتها وتحصين شبه الجزيرة على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة بوسائل الدفاع الثقيلة، آخرها نشر أنظمة الصواريخ كاليبر و s400 ومضاعفة حضورها العسكري خلال السنتين الماضيتين إلى الضعف؛ لردع أي تدخل أمريكي محتمل في مناطق نفوذها القديمة.

وثانيهما: عندما دخلت على خط الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واختراقها لحساب مرشحة الرئاسة هيلاري كلنتون، ونشر الروس آلاف التغريدات تحتوي على رسائل من البريد الشخصي للأخيرة قاصدة التأثير على قرار الناخبين الأمريكيين لصالح دونالد ترامب.

 

لم تعد روسيا ذلك الدب الهرم الذي يجتر نفس الشعارات والأفكار المتصلبة للينين وتروتسكي والثورة البلشفية، والجندي الجاف الملامح و المدجج بالنياشين الحديدية والمدمن على شرب الفودكا كما تصوره هوليود عادة في قوالبها الجاهزة. ولم يعد الروس مهتمين فقط بالتسلح و تضخيم قوتهم العسكرية نوعا وكما لمجرد أن يتركهم الغرب في حالهم، بل أصبح لهم اهتمام متزايد بمناطق كانت حتى زمن قريب بعيدة عن تدخلاتهم، كما استعادت أجهزة الاستخبارات الروسية أمجادها واتسعت دوائر اختراقها لتشمل دولا كبرى، وجددت وسائلها الدعائية بشكل جذري، فبات للروس حضور مهم على الصعيد الإعلامي والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.

 

لقد أدرك الرئيس بوتين ذلك منذ زمن، عندما قرر إطلاق قناة روسيا اليوم و دشن عهدا جديد للبروباغاندا الروسية، وجعلها تتوجه إلى كل أمة بلسانها، وتروج لسياسة الكرملين عبر مواقع إلكترونية ومراكز أبحاث متطورة وذات كفاءات عالية.

 

لقد جعل بوتين من الإعلام التقليدي والإلكتروني سلاحا لضرب الأعماق الأوروبية وخلق إزعاج كبير لدول الأتحاد، و عمل على استغلال الأزمات التي تمر بها دول الاتحاد الأوروبي لينتقم من موقفها العدائي منذ اشتعال الأزمة الأكرانية، و آخرها العقوبات الأوروبية ضد شركات ورجال أعمال روس على خلفية التوربينات الموجهة إلى شبه جزيرة القرم.

 

إنه يعاملهم بالمثل. ولا يعتقد أن أمريكا والاتحاد الأوروبي يمثلان معيارًا أخلاقيا لسياسات الدول أو سلطة مرجعية يتحتم الرجوع إليها قبل اتخاذ أي قرار، فقد قال في 2014 عقب الهجوم الذي شنه الاتحاد الأوروبي وواشنطن عقب ضمه لشبه جزيرة القرم : "يعتقدون أنهم يتمتعون بمكانة استثنائية، ويشعرون أنهم المختارون وبإمكانهم تقرير مصائر العالم، وأنهم فقط من هم على حق."

 

يومها اعترض الأوروبيون على الاستفتاء، وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: إن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بعد الاستفتاء وإعلان استقلالها هو انتهاك للقانون الدولي، وأن ما يسمى بالاستفتاء انتهك القانون الدولي، كما أن إعلان الاستقلال الذي قبله الرئيس الروسي يتعارض مع القانون الدولي، وضم القرم إلى الاتحاد الروسي هو في رأينا ينتهك كذلك القانون الدولي.

 

هو اليوم يلعب نفس الدور، لكن هذه المرة مع الاستفتاء في كاتالونيا من أجل تقرير المصير. ويستعمل قنواته الإعلامية القوية ومواقعه الإلكترونية وتحليلات الأكاديميين والخبراء والكتاب الدائرين في الفلك الروسي، وحتى الحسابات المجهولة و الموجهة على تويتر؛ لإذكاء فتيل حرب أهلية بدأت تتشكل بوادرها بعد إعلان المحكمة الدوستورية الإسبانية عدم قانونية الاستفتاء الذي أقره البرلمان الكاتالوني، وإسقاط القضاء الإسباني الشرعية عن الهيئة التي كان من المفروض أن تشرف على نزاهة الاستفتاء.

 

وقادت حكومة راخوي في مدريد انقلابا على الشرطة الكاتالونية "لوص موصوص" الدراع الأمني للقومية الكاتالانية -والذي يأمل عليه القوميون كثيرا لردع أي محاولة من الحكومة المركزية لإجهاض الاستفتاء- وحذرت مدريد على لسان وزير الداخلية رئيس الشرطة خوسيب ترابيرو من مغبة عدم التنسيق مع السلطات المركزية، وعصيان الأوامر القادمة من مدريد، والتمرد على توجيهات وزارة الداخلية التي أرسلت تعزيزات إلى الإقليم لمنع أية محاولة لإجراء الاستفتاء في أكتوبر القادم، مما يعتبر إجراء استباقيا لأي تخاذل أو تواطئ للشرطة الكاتالانية مع القوميين في الإقليم.

 

صحيفة واشنطن بوست أشارت إلى ما أسمته ”صراعا على الشارع" في كاتالونيا بين الحكومة المركزية في مدريد والشرطة الإقليمية المعروفة ب "لوص موصوص"، وألمحت إلى أن هناك تنازعا بين وزارة الداخلية و الأمن الكاتالوني حول قيادة هذا الجهاز في هذه الفترة التي تسبق موعد الاستفتاء.

 

فحكومة مدريد يبدو أنها لا تثق في نوايا شرطة الإقليم التي في نظرها لا تبدي حزما كافيا لمنع حصول الاستفتاء. و قد تداولت الصحف تصريحا لرئيس الجهاز جواسيب ترابيرو يدعو فيه أفراد الشرطة إلى عدم الاستجابة لمطالب الداخلية، مما ينذر باصطدام محتمل بين الجهاز الأمني الإقليمي والسلطة المركزية في مدريد.

 

ليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيه إسبانيا وكاتالونيا للاقتتال الداخلي، وقع ذلك في زمن فرانكو عندما دخل الإقليم بعد ثلاثة أعوام من الحرب الأهلية وألغى المؤسسات الكاتالونية وألغى المعاملات الرسمية باللغة الكاتالونية وقضى على جميع مظاهر الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به هذا الإقليم الغني في شمال شرق البلاد.

 

في مقال نشر في جريدة إل باييس الإسبانية، عرض فيه كاتبه التدخلات الروسية السافرة في شؤون الاتحاد الأوروبي الداخلية، فبعد دعمها من وراء حملات مقنعة لخروج بريطانيا من عروة الاتحاد، ومساندتها للحزب الوطني العنصري لمارين لوبين في انتخابات الرياسة الفرنسية، و للحزب اليميني المتطرف في ألمانيا الذي تمكن من خلال اقتراع الأحد الماضي أن يقتحم لأول مرة أبواب البوندستاغ (البرلمان)، ها هو اليوم يدخل على خط الأزمة المتصاعدة في إسبانيا.

 

فقد اتهمت الجريدة القومية الذائعة الصيت روسيا بتجريد ماكينة إعلامية لنشر الدعايات المغلوطة وترويج الأكاذيب والأراجيف حول السياسة الداخلية للحكومة الإسبانية تجاه الأزمة في كاتالونيا، وأن الروس حسب كاتب المقال دافيد ألنديتي وجدوا في كاتالونيا فرصة أخرى لتعزيز نفوذهم الدولي وتعميق الخلافات في داخل الاتحاد الأوروبي من خلال مجموعة من المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية الموالية للاتحاد الروسي، والتي تقدم استنتاجات مغلوطة وتحليلات مغرضة هدفها زعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة الإيبيرية.

 

تقول الجريدة إن المواقع الموالية لروسيا ترسم صورة قاتمة لما يجري وتشبه الإجراءات التي تتخذها حكومة مدريد بما قام به فرانكو عام 1939، وبعض تلك المواقع وضعت صورته وهو يمتطي فرسه كخلفية لمواضيع تخص الأزمة في كاتالونيا، مشيرة الى أن روح الديكتاتورية لا زالت تجد امتدادا في السياسة الداخلية الإسبانية في تعاطيها مع الاستفتاء.

 

وتضيف الصحيفة أن الروس استعانوا بخدمات نشطاء مثل مبرمج الكومبيوتر الشهير جوليان أسانج الذي يشن حملة محمومة هذه الأيام على حسابه في تويتر ضد إسبانيا مجهزا بجيش من المتابعين المجهولين والحسابات المزورة التي تعيد تغريد تغريداته ونشرها على نطاق واسع؛ باعتماد برنامج شبكة الروبوت التي تتحكم في ملايين البوتات التي تعيد التغريد التلقائي لتغريدات أسانج، وبوسعها في رأي الكاتب أن تحيل الأكاذيب الملفقة إلى حقائق وقناعات متداولة.

 

وأشار المقال إلى أنه ليس من قبيل الصدفة أن تقوم وسيلة إعلامية وعنصر من عناصر الدعاية الروسية الممولة من الكرملين مثل قناة روسيا اليوم، بتوظف بوابتها الإلكترونية الناطقة بالإسبانية لنشر أخبار ذات ميول متنافية مع الشرعية الذستورية لإسبانيا، في إشارة إلى الموقف من الاستفتاء الكاتالاني الذي صدر حكم قضائي ببطلانه قانونيا.

 

فمنذ 28 من أغسطس نشر الموقع 42 خبرا حول الأزمة الكاتالونية، بعضها يحمل عناوين مغلوطة مثل: "الاتحاد الأوروبي يحترم استقلال إقليم كاتالونيا، لكن سيكون عليه أن يتبع إجراءات الانضمام ( إلى الاتحاد)." عادة، يضيف الكاتب، روسيا اليوم تقوم بعرض تقارير وتحليلات تعبر عن وجهة نظر الحكومة الروسية حول الحرب في سوريا، استفزازات كوريا الشمالية أو إدارة الرئيس دونالد ترامب، إضافة إلى أنها اليوم أضحت تعيد الصدى الذي تحدثه رسائل نشطاء مثل جوليان أسانج التي تتوافق مع مصالح موسكو.

 

رسائل الحب والحرب

 

في 12 من سبتمبر أذاعت القناة نفسها تغريدة على موقعها لأسانج يتنبأ فيها الرجل ب" ميلاد كاتالونيا كدولة مستقلة أو الحرب الأهلية" وهي التغريدة التي تشاركها 1700 على فايسبوك و تويتر.

 

وتصف الجريدة أسانج بأنه تحول إلى المهيج الرئيسي للأزمة الكاتالونية على المستوى الدولي، ناشرا آراءه الشخصية كما لو كانت أخبارا ووقائع حقيقية. وحسب بيانات موقع audiense وهي منصة متخصصة في تحليل بيانات مواقع التواصل الاجتماعي فإن أسانج في سبتمبر فقط تمت الإشارة إليه 940 ألف مرة على تويتر الغالبية العظمى منها كانت وسوم (هاشتاغات)متعلقة باستقلال كاتالونيا : Catalonia,1oct,Catalonianreferendum,1o,Rajoy.

 

و ساق المقال إحدى التغريدات لأسانج في 15 سبتمبر التي أحرزت أكبر تفاعل حول استفتاء كاتالونيا عبر العالم، ينتقد فيها محاولة الحكومة الاسبانية الالتفاف على حق الشعب الكاتلوني في تقرير مصيره بأعذار القانون وذرائع القضاء؛ جاءت التغريدة التي حضيت ب12000 إعادة تغريد و 16000 إعجاب كالتالي: "أدعو الجميع إلى دعم حق كاتالونيا في تقرير مصيرها. إسبانيا لا يمكن السماح لها بتقنين إجراءات قمعية لمنع التصويت."

 

تنبه الجريدة إلى أن المعهود في مثل هذه الشبكة الاجتماعية أنها تسمح للتغريدات بالتناسل وإعادة إلانتاج الذاتي على امتداد عدة أيام؛ لأن فعل تداول التغريدة أو الرسالة مرهون بإرادة وقرار المتابعين المتوزعين عبر دول متعددة.

في حالة هذه التغريدة "الأسانجية" كغيرها من كثير من التغريدات لنفس الكاتب؛ أحرزت أزيد من 2000 إعادة تغريد في ساعة واحدة، وبلغت مداها الأقصى 12000 إعادة في أقل من نصف يوم.

 

وكي تتناسل رسالة بهذا الشكل السريع بل والمريع، تضيف الجريدة، فإنها تخضع لتدخل برنامج البوت أو الحسابات المزورة المبرمجة فقط للاستجابة التلقائية وعملية إعادة التغريد الآلية لرسائل معينة. وحسب الجريدة فإن تحليلا مفصلا عبر خدمة TwitterAudit لعينة ضمت 5000 آلاف متابع لأسانج على تويتر أظهرت إن59٪ من تلك الحسابات مزورة.

 

ومن ضمن النشطاء الذين وصفهم الكاتب بالمنضمين إلى حملة أسانج، إدوارد سنودن الذي كان يعمل محللا لدى الاستخبارات الأمريكية وهو الآن مطلوب للعدالة في الولايات المتحدة لاتهامه بالتخابر مع موسكو قبل أن يطلب اللجوء في روسيا، هو الآخر كتب تغريدة على تويتر يوم 12 سبتمبر تقول: "القمع الإسباني الذي يتجلى في التصريحات غير اللائقة، السياسات الممارسة، والتعامل مع الاحتجاجات في كاتالونيا؛ يعد انتهاكا لحقوق الإنسان". في أقل من 24 ساعة أحرز زهاء8000 إعادة للتغريدة و 8000 إعجاب.

 

في تغريدة أخرى من التغريدات التي حضيت بتفاعل كبير لأسانج خلال الأيام السبعة الماضية (2200 إعادة و2000 إعجاب) ملحق بها رابط مقال لجاستن رايموندو وهو معروف بموالاته للروس وصاحب موقع AntiWar وناشط ضد العولمة ومن الذين دعموا ترامب. كان عنوان المقال كالآتي: "كاتالونيا، ساحة تياننمين إسبانية؟" في هذا المقال يقارن بين المظاهرات في برشلونة مع تلك التي قمعها النظام الصيني عام 1989، والتي أوقعت مئات بل آلاف القتلى." ما يواجهه الغرب، هو إمكانية وقوع أمر مشابه لما وقع في ساحة تياننمين في قلبه؛ إجراء عنيف، بدل أن يؤكد شرعية سلطات مدريد، يجردها من الشرعية بسرعة، ليس فقط أمام أعين مواطنيها بل والعالم بأسره. كاتالونيا سوف تتحول إلى تجسيد جماعي (للثائر المجهول) أو رجل الدبابة Tank man أمام دبابات وسلطات مدريد ، التي ستكون بمثابة طغاة بكين.

 

والثائر المجهول الذي يشير إليه رايموندو- وترجمت الجريدة خطأ تعبيره embodiment” " الذي هو تجسيد إلى reencarnacion” وهو بعث الروح بعد فناء الجسد في العالم الآخر حسب بعض العقائد الدينية- هو ذلك الصيني الذي صورته عدسات الكاميرات في ساحة تياننمين يقف بشجاعة وصمود أمام صف من الدبابات لمنعهم من المرور حماية للمتظاهرين في الساحة، وقد انتشرت تلك الصور في العالم آنذاك محدثة أصداء قوية، وبعد مضي ثمانية وعشرين عاما على المجزرة، لا زالت هوية الرجل مجهولة للعالم، ولذلك سمي برجل الدبابة أو الثائر المجهول.

 

وذكرت الجريدة القومية الإسبانية أن هذا التشبيه تداولته الجهات الموالية لروسيا من مواقع مختلفة، وجاء على ألسنة العديد من المتداخلين في الأزمة من أكاديميين ونشطاء وكتاب ومواقع إلكترونية، حتى أسانج نفسه نشر صورة للثائر الصيني المجهول وهو واقف أمام فيلق من الدبابات.

 

و الحقيقة أن الجريدة لها بعض الوجاهة في توجيه اللوم لجوليان أسانج؛ فالرجل قد حول حسابه الى رسائل حربية متلاحقة إلى الحكومة الإسبانية، بعضها مكتوب باللغة الإسبانية حتى تكاد تظن أن في الرجل عروقا كتالونية، فلغة التغريدات القاسية والمتجاوزة في بعض الأحيان، وبلاغتها المعنوية المثيرة للحساسيات، والجهد المبذول في استقصاء المعلومة و المقالات، والإحاطة الدقيقة بجوانب الأزمة وتفاصيلها؛ تعطي شعورا بعدم البراءة.

 

فالرجل يكرس غالب وقته وجهده هذه الأيام لأزمة لا تجمعه بها أي رابطة قومية او ثقافية، ومستبعد أنه يقوم بذلك لأسباب أخلاقية أو حقوقية بحتة. بل إن بعض تلك الرسائل يصل إلى درجة التحريض المفضوح، كرسالة نشرها في حسابه على تويتر قبل أيام خرجت كالتالي: "هناك 7,5 مليون كاتالوني مليون منهم رجال قادرون؛ هم قوة إذا عبئت بأعداد كبيرة فهي قادرة على حجب القوات المتوفرة من الشرطة الإسبانية والجيش الذي يظهر في صورة شرطة."

 

أمريكا وأوروبا..حياد بنكهة الوحدة

 

في حين تتهم جريدة إل باييس في هذا المقال صراحة روسيا بتحريك الحساسيات القومية للكتالونيين وتدعم انفصالهم عن الأمة الإسبانية، وتتآمر على استقرار ووحدة دول الاتحاد الأوروبي بوسائل غير شريفة (رغم أن الموقف الروسي الرسمي يتظاهر بالحياد)، نجد مواقف الأمريكيين والأوروبيين وكأنها تميل الى وحدة إسبانيا، وأقرب إلى تثبيط حماس أكثر المتشوفين إلى الاستقلال.

 

فعندما صرح العضو في الحزب الجمهوري دانا روهراباشير والموصوف في الأوساط الأمريكية بعضو الكونغرس المفضل لبوتين بدعمه انفصال الإقليم لموقع المؤسسة الصحفية الأمريكية بوليتيكو politico،(مشبها كاتالونيا بالمستعمرات الأمريكية خلال الحرب الثورية ضد الاحتلال البريطاني في القرن الثامن عشر)، أصدرت سفارة الولايات المتحدة لدى مدريد بيانا تنأى به عن تصريحات روهراباشير، جاء فيه أن الولايات المتحدة تعتبر الأزمة الكاتالونية شأنا إسبانيا داخليا لا تتدخل فيه، لكن البيان أضاف عبارة اعتبرها البعض ترجيحا لكفة الحكومة المركزية عندما قال: "والولايات المتحدة حريصة على استدامة العلاقة مع إسبانيا قوية و موحدة ". فالبيان باستعماله لفظ الوحدة يأخذ جانب حكومة مدريد، وغني عن الذكر أن مثل هذه البيانات الدبلوماسية تدقق في اختيار الكلمات إلى أبعد الحدود.

 

بينما نجد الاتحاد الأوروبي يذكر الكاتالونيين بأنهم في حالة انفصالهم فإن عليهم إعادة طلب الانضمام من جديد؛ وهو الأمر الذي من المرجح أن تعرقله إسبانيا مستقبلا، وأن تقف سدا في وجه انضمام الكتالانيين إلى الاتحاد، إضافة إلى الحصار الاقتصادي والأضرار الكبيرة التي ستترتب عن انسحاب فوري من اتفاقية التجارة الحرة مع دول الاتحاد.

 

فإلى أين تسير الأمور وكيف سينتهي صراع السيطرة على الشارع الذي وصفته واشنطن بوست بالحساس، بين وزارة الداخلية والشرطة الكاتالانية، في ظل تزايد المظاهرات والاعتقالات ومصادرة الحكومة لعدد من المؤسسات والهيئات الكاتالونية ومداهمة المقار الحكومية التي كانت تعد الوسائل اللوجيستيكية لإجراء الاستفتاء. هل سيؤدي فقدان طرف من الأطراف ضبط النفس، إلى نشوب مواجهات بين الشرطة الإقليمية من جهة والشرطة الوطنية ومعها الحرس المدني والجيش كآخر متدخل من جهة أخرى؟.

 

إن ما يجعل الأزمة أشد احتداما هو العامل الزمني الذي يخترق الصراع، وقد يكون التوقيت حاسما لمصير الإقليم بشكل عام، فالقوميون الكاتالان يريدون الإسراع بالاستفتاء، والقشتاليون في مدريد يعملون على عرقلته وتأخيره ما أمكن؛ ذلك لأن الأمر كل الأمر يتعلق بالوضع الاقتصادي الذي تتقلب معه الأمزجة والقناعات، فعندما كانت الأزمة الاقتصادية الإسبانية في أوجها والتي بدأت منذ عام 2008؛ أشارت استطلاعات الرأي حينها إلى أن أكثر من نصف الإقليم يأيد الانفصال ، والآن بعدما بدأ الاقتصاد الإسباني يتعافى ولو جزئيا؛ تؤكد الاستطلاعات أن نسبة المؤيدين للانفصال تعرف تراجعا مع مرور الوقت.

 

فهل يعود الود مرة أخرى بين الملك فرديناند والملكة إيزابيلا؟ أم أن الرباط المقدس الذي دام قرونا طويلة سيشهد آخر فصوله في سنة 2017؟.

 

 

مصادر:

 

• مقال جريدة إل باييس الإسبانية: https://politica.elpais.com/politica/2017/09/22/actualidad/1506101626_670033.html?rel=lom

• مقال الكاتب جاستين رايموندومن موقعه AntiWar: http://original.antiwar.com/justin/2017/09/17/catalonia-spanish-tiananmen-square/

• مقال واشنطن بوست عن الصراع على الشارع في كاتالونيا: https://www.washingtonpost.com/world/europe/students-occupy-barcelona-university-in-support-of-secession/2017/09/23/549bd6cc-a051-11e7-b2a7-bc70b6f98089_story.html?utm_term=.940c64850fc0

• تصريح العضو الجمهوري، والبيان الصادر عن السفارة الأمريكية في مدريد، موقع بوليتيكو: https://www.washingtonpost.com/world/europe/students-occupy-barcelona-university-in-support-of-secession/2017/09/23/549bd6cc-a051-11e7-b2a7-bc70b6f98089_story.html?utm_term=.940c64850fc0

• تغريدات جوليان آسانج: حسابه الشخصي على تويتر

• موقع audiense : https://audiense.com

• موقع روسيا اليوم الناطق بالإسبانية، حول احترام الاتحاد الأوروبي لاستقلال كاتالونيا: https://actualidad.rt.com/actualidad/250040-ue-respetar-independencia-cataluna-proceso-adhesion

 

 

 

مجموع المشاهدات: 29793 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | علي كازاوي
قرأت المقال كله
مقال طويل جدا. كان عليكم إختصاره في الصراع الروسي الأمريكي و ثاثر الحلفاء المباشر بتدعياته انتهى
مقبول مرفوض
1
2017/09/26 - 11:57
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة