الرئيسية | أقلام حرة | التحرش الجنسي في الواقع المغربي: عندما يتراشق الأطراف بالمسؤوليات

التحرش الجنسي في الواقع المغربي: عندما يتراشق الأطراف بالمسؤوليات

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
التحرش الجنسي في الواقع المغربي: عندما يتراشق الأطراف بالمسؤوليات
 

 

في كل مرة يُزجُّ بالمرأة في دائرة النقاش العمومي بسبب أو بآخر إلا و تخلق الحدث و تكون في الكثير من الأحيان حدة صراع الأفكار و الإيديولوجيات حولها أكبر و تتجاوز بذلك اللباقة و الهدوء الذين يفترض أن يتسم بهما النقاش العمومي في البلاد.

مقدمة حديثي هنا عن المرأة هو هذا الصراع الذي غذاه شريط فيديو للمسمى الشيخ سار و الذي اتُخِذ كموضوع له مؤخرات المغربيات و دفاعه غير المباشر عن التحرش بهن و تحميله لمسؤولية ما تتعرض له النساء في الشارع العام من مضايقات لطريقة لباسهن التي تثير الرجال و هم يصادفونهم في كل الأماكن العمومية و قبله موجة الفيديوهات التي تحاول جاهدة استعراض عدد المرات التي يتحرش بها الرجال بالنساء و كذا النساء بالرجال.

و بالعودة لمضمون الفيديو، أعتقد أن حرية التعبير مكفولة لكل المغاربة بموجب الدستور و القوانين و هذا حق لا يجب مصادرته من أحد، و لكن الشيء الذي لا أتفق معه مع ما تضمنه الفيديو هو الطريقة و الأسلوب الذين انتهجهما صاحبه و هو يسيء للنساء اللواتي أقحم صورهن في الفيديو رغم اخفائه للجانب الجسدي الذي شكل جوهر حديثه. 

بين من يتفق مع الشيخ سار في تحليله لظاهرة التحرش الجنسي و من يعارضه تتواجه أفكار مجتمعية متناقضة و يتجدد معها الصراع الذي يلازم منذ مدة تلك العلاقة التي تربط بين المرأة و مكانتها في المجتمع و كذا تلك الحدود التي يحاول البعض وضعها في مواجهة موجات التحرر التي تعرفها قضايا المرأة في المجتمعات العربية بصفة عامة و المغربية بصفة خاصة.

إنه صراع يحاول من خلاله كل طرف الترافع و الدفاع عن موقفه بتقديم مبرراته و حججه في مواجهة الطرف الآخر. 

الحديث عن تحرر المرأة غالبا ما يصاحبه التذكير بنظرية المؤامرة التي تهدد المجتمعات العربية و الإسلامية و أهداف الغربيون المناهضون للإسلام و الطابع المحافظ الذي تتميز به. و هنا يقدم أصحاب هذا الفكر ضرورة بقاء المرأة في مجال حدده لها الدين و الأعراف كي لا تساهم بولوجها غير المقنن للأماكن العمومية في خراب المجتمع و تشتيت الأسر وذلك بربط مصائب المجتمع كلها بالإختلاط و خروج المرأة من البيت و اشتغالها و هجرها للأدوار الطبيعية التي خلقت من أجلها ألا و هي تربية الأبناء و المحافظة على تماسك الأسرة مع الحفاظ على وصاية الرجل الذي يجب أن يحتفظ بسلطته و مركزية دوره في المؤسسة الأسرية و المجتمع. 

و في مقابل هذا الطرح يسطع نجم من يحاولون مساعدة المرأة على الإستقلال و تحقيق الذات بعيدا عن وصاية الرجل في مواجهة الطابع الذكوري للمجتمع الذي يهمش في نظرهم المرأة و يُقزِّم دورها و مساهمتها في تقدم و تطور المجتمعات. أصحاب هذا التوجه لا يرون مانعا في خروج المرأة من البيت للعمل و المساهمة في بناء أسرتها و بالتالي تقوية تماسك المجتمع الذي تعيش فيه بوقوفها إلى جانب الرجل في مختلف مراحل الحياة. و هذا التوجه بدعوته لتحرر المرأة، في إطار حريتها التي لا يجب أن تُمٓس، يعتبر أن من حق المرأة أن تتصرف بالطريقة التي تريدها وفقا لحريتها الشخصية في إطار الضوابط القانونية التي تنظم العلاقات المجتمعية ومن بين مظاهر هذه الحرية نجد طريقة اللباس و الولوج للأماكن العامة.

في خضم هذه الأفكار التي تبدو متنافرة، أن يحاول من يتعاطفون مع هذا التوجه أو ذاك الدفاع عن رأيهم و موقفهم فهذا أمر طبيعي و منطقي مادامت القناعات لا تُصادر و لا يجب قمع الآراء طالما التزمت بقواعد النقاش الهادئ و المثمر و لكن الأمر الذي لا يتقبله العقل و لا المنطق هو أن تُستغل صور النساء و مؤخراتهن للتشهير بهن و المس بكرامتهن و الزج بهن في نقاش تُعرف خلفياته و أهدافه مسبقا. 

و هنا أريد أن أقول بأن المرأة المغربية ليست في حاجة للشيخ سار و لا لغيره من الجمعيات النسائية التي تحاول جاهدة إكساب نفسها الشرعية و الحديث باسم نساء المغرب كلهن دون استأذانهن و لكنها في حاجة لمن  يستمع لهمومها و شكاويها التي تتعدد و تتنوع و تشتد حدة خطورة الأوضاع التي تتربص بها يوما بعد يوم بغض النظر عن طريقة لباسها و طريقة مشيها، وهي بحاجة كذلك لمن يحترم مكانتها و مركزها و يعطيها التقدير الذي تستحقه. 

فلو احترم كل واحد من الرجال نساء المغرب مثلما  يحترم أمه و أخته و نساء أسرته و عاملهن بنفس المعاملة التي يُعامل بها أمه و أخواته و احترم مكانتهن و مركزهن المحوري في المجتمع و احترمن بدورهن  خصوصيتهن و خصوصية المجتمع الذي يعشن فيه و عاد الجميع إلى أساسيات و مرتكزات ديننا الحنيف و عمل الجميع كل من موقعه على تربية أبنائه على احترام الآخر(نساء و رجال) و عدم المس بكرامته و حريته لما تُرِك المجال لكل من هب و دب ليُنصّب نفسه وصيا على المغاربة و يتحدث باسمهم و يتفوه بما لا يرضاه عاقل لكل أبناء وطنه. 

 

 

 

مجموع المشاهدات: 1256 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة