الرئيسية | أقلام حرة | تطبيق الدستورالمغربي بين الحرف والظرف

تطبيق الدستورالمغربي بين الحرف والظرف

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
تطبيق الدستورالمغربي  بين الحرف والظرف
 

 

دخل دستور 2011 سنته الثالثة ومازالت العديد من فصوله حبرا على ورق، إما لأن هذا الدستور  كان متطورا لدرجة يصعب على  النخب السياسية اللحاق بروحه والتشبع بأفكاره أو كان دستورا أملته ظروف الربيع العربي ولم يكن نابعا من ضرورة سياسية ملحة ومستجيبة لمطالب شعبية  ونضج سياسي لدى النخب السياسية وعليه - في نظر الطاقم الحاكم- لابأس الأن من السكوت وعدم إثارة الفصول التي يمكن ان تفرض تغييرا في الممارسة السياسية في اتجاه دمقراطي مازالت النخب السياسية لم تستعد له على الأقل في الظرف الحالي ، ولم لا ربح بعض الوقت في انتظار اليوم الموعود الذي لن يترك كثيرا من الوقت لجمع التأييد لتدارك ما فات ، فالعمل السياسي توقيت مضبوط ولا يمكن العمل فيه على أساس فرض الأمر الواقع واستغفال إنتظارات الشعب للخروج من عالم البطالة والفقر ودخول منظومة سياسية تحفظ للمواطن كرامته وقوته وتعليمه وصحته ، إلا إذا كانت هناك فرامل كابحة للسير قدما نحو تطبيق الدستور وترجمة فصوله الى أفعال وأعمال ومواقف وتوجهات سياسية واقتصادية وحقوقية أوهناك ما يمكن أن أسميه بالتفاوت بين الصورة والصوت .فعندئذ ليستعد الكل الى تلقي المفاجئات والتي لن تكون سارة بطبيعة الحال ،لأن من زرع حصد ومن يزرع الريح يحصد العاصفة كما يقول المثل الفرنسي .                                                                                                                 وما أريد قوله في هذه المقدمة باختصار هو ان التغيير السياسي المعلن عنه بصريح العبارة في نص الدستور وجب بلورته الى افعال سياسية واقتصادية وحقوقية .فلا يمكن الانتظار أكثر لأن الزمن السياسي المغربي تعطل لمدد طويلة ضاعت فيه الآمال والطموحات لشباب كرس عمره لخدمة بلده ضمن إطار دولة لا تحابي أحدا بل لها جواب واحد هو الاستحقاق وليس الامتياز.                         .                                                                                                               في ظل كل ذلك أخيرا  جاءت فضيحة عشب الملعب الرياضي مولاي عبد الله وقبل ذلك كارثة الفيضانات للمغرب الجنوبي الشرقي وما خلفته من ضحايا في الأرواح والممتلكات ناهيك عن تساقط المنازل وحوادث السير بسبب الطرقات وانعدام الوعي وتسليم رخص السياقة مقابل الرشوة الى غير ذلك من الكوارث التي بشيء من الحزم كان من الممكن تفاديها .                                                                                                                                                                          إلا هذا واقع لا يرتفع بالكلام بل بالعمل وتحمل المسؤولية مع المحاسبة لأنه لا يمكن قبول العبث بالشأن العام ثم الإفلات من المحاسبة السياسية أو القضائية أو هما معا  ،لأن ذلك سيكون هو العبث بعينيه .                                                                                                                                                   .    إزاء ذلك لم يتحرك رئيس الحكومة الذي نال حزبه الأغلبية إثر تقديم برنامج مثقل بالوعود وكان أهمها محاربة الفساد، الشعار الذي رفعه قبله شباب 20فبراير2011. لم يتحرك بنكيران بالرغم مما حدث سواء في الفيضانات أو في فضيحة عشب المركب الرياضي ، ربما خوفا على انشطار تحالفه  لأنه جاءت بناء على تجميع ما لا يستقيم مع العقل السياسي السليم ، ولكن ذلك كان وجها آخر للعمل السياسي بالمغرب الذي يظهر غير ما يبطن ، لأن السلطة الفعلية في التركيبة السياسية للنظام المغربي تميل للسلطة الملكية بحكم أنها مركز تقليدي وواقعي للقرارات باختلافها .                                                                                           وأمام ذلك الجمود الحكومي جاء تدخل الملك في قضايا من مسؤولية تلك الحكومة  وهي قضية عشب  المركب الرياضي وكارثة الفيضانات التي لم تنظر اليها  الحكومة من جانب المسؤولية و المحاسبة وإن من باب البحث إن كان هناك تقصير من لدن الجهات المختصة بالبنيات التحتية من طرق وقناطر و الجهات المكلفة بالإنقاذ الأرواح والإعلام بقدوم الفيضانات .                                                                                                                                                                     في المقابل مارس الملك اختصاصاته الدستورية من الفصل47 الذي ينص "... للملك وبمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة ، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم " غير ان الذي حدث هو تعليق نشاط الوزير وحرمانه من شرف ترأس المبارة النهائية لمونديال الأندية كتوبيخ اولي في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات وبالتالي سوف يتم تطبيق الفصل 47 بكامله اي سيعفى الوزير او يقال، وهذه الورقة الصفراء التي رفعها الملك في وجه وزير في حكومة العدالة والتنمية ، كما قال الصحفي توفيق بوعشرين لفرانس 24 ،هو تعامل جديد للملك مع السلطة التنفيذية التي يشكل الجزء الأساسي منها . وقد يكون انطلاقة لتعامل يتصف بالحزم والمحاسبة أكثر من الوقت الماضي بحيث تكون الحكومة في الحضن الملكي تحظى بالرعاية والدفاع عنا او تحظى بالتضامن على الأقل.                                                لكن في مثل واقعتنا العشبية و في كارثتنا التي سببتها الفيضانات، لو حدثت في بلاد العالم الديموقراطي لسمعت فورا استقالة الوزير المعني وقد ينتحر- ونحن لا ندعو وزيرنا لذلك-  كما وقع لبيير بريكوفوا وزير دولة في الاقتصاد والمالية والصناعة في حكومة ميشال روكار الفرنسية الذي انتحر على إثر فضيحة" بيشني" و"اوبرا" تتعلق بفواتير مفبركة تهم صفقات عمومية اتهم فيها  .                                                                                                                              أما نحن فلا شيء حدث كأن ذلك مكتوب علينا أن نراه في عالم تجاوزنا بالزوايا التي ينظر اليها للحياة وللإنسان حيث ارتفعت مكانته لمستوى أصبح المواطن هو الأساس في كل العمليات السياسية والاقتصادية وفي كل تحركات  ألة الدولة. إلا أن الحال السياسي لحسن الحظ ، ليس معمما على كل المستويات بل هناك نقاط الأمل تكمن في بعض مواطن  الإرادة السياسية التي يمكنها أن تصحح الاعوجاج في تسيير الشأن العام وهذا ما يمكن ملاحظته في تدخل  الملك المغربي بصفته رئيس الدولة وفق الفصل 42 من الدستور" الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيارات الديموقراطية.." تدخل الملك لحسن سير المؤسسات وهنا في حالتنا يتعلق الأمر بالحكومة التي لم تقم بعملها تجاه ما وقع من تشويه لسمعة البلاد في تجمع رياضي دولي .وكذلك كان يجب أن يكون بالنسبة  لفاجعة الفيضانات. إن تدخل الملك لم يكن مقتصرا على الجانب الدستوري وهو يمارس اختصاصه بل تعداه للجانب الإنساني ، حيث تكلف بمراسم الدفن والرعاية الصحية وتقديم المساعدات في شكل مواد غذائية وأغطية لضحايا الفيضانات ولذويهم.            .                         .                                                                                                                      ومن هنا يمكن التساؤل عن الفصول الدستورية التي ظلت على الورق حبرا ولم تخرج للتنفيذ بالرغم من كثير من الأحداث كانت توجبها للتنفيذ حتى يمكن الحديث عن تنزيل فعلي للدستور وليس مجرد مصطلح يتردد عبر أجهزة الإعلام وعلى السنة النخب الحاكمة دون ان نجد له وقع على أرض الواقع  .                                  فالفصل 20 الذي ينص على" الحق في الحياة، وهو أول الحقوق لكل إنسان ، ويحمي هذا الحق القانون "والفصل 21 الذي ينص كذلك على " لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته" كم من مواطن ذهبت روحه الى باريها لأن الدولة لم تتخذ الإجراءات الضرورية لتفادي ذلك كالممرات السككية غير المحروسة وعدم تقديم العلاج الضروري لمرضى لم يجدوا سريرا في المستشفيات بمبررات عديدة لا تستقيم في كل الأحوال مع مضمون الفصل السابق من الدستور. وعدم العمل على التشوير لخطورة الشواطئ   ، والآبار المفتوحة وغير المغلقة ناهيك عن القنابل الموقوتة المتمثلة في قناني الغاز الصغيرة التي لا تتوفر على ضمانة جدية وفق العاملين في تعبأتها ، كما هو الحال في استعمل سخانات الماء ذي الجودة الرديئة والتي كانت سببا في العديد من الوفيات ،                 .                                            هنا نتساءل هل تم تحريك هذين الفصلين(20 و21 ) من دستور 2011 الذي قيل عنه الكثير وطبق منه القليل قبل وقوع كارثة الفيضانات بكلميم والنواحي وانهيار المنازل القديمة  ؟                                                                                                                                                                            

     إن الدستور المغربي الجديد لو تم تنفيذه حرفيا دون استعماله انتقائيا وظرفيا ، لكنا في طريقنا الى الديموقراطية بسرعة سلسة دون عرقلة من أي كان لأننا آنذاك سنكون أما احترام الناخب وروح المشرع الذي وضع ذلك الدستور ، وبالتالي فلا حاجة الى كل تلك المآسي لندخل في جدال من المتهم ؟ لنعلق في الأخير الحجام لأنه هو السبب في سقوط الصومعة لأنه هو الذي كان يحمل المقص لحظة وقوعها  .                                                                                                   .        لنكون لأول وآخر مرة جديين ونعمل بصدق ونبدأ مسيرة البناء الديموقراطي على  أسس معقولة ، فالدستور القانون الأسمى مليء بالإيجابيات فلو طبقت نسبة 50 في المائة منه لكنا على الأقل وفرنا عنا نصف المشاكل التي نحن غارقين فيها .                                                                                                     

   فالباب الأول من الدستور الخاص بالحريات والحقوق الأساسية يعتبر بحق تقدما من لدن المشرع في كيفية تعامله مع الحريات والحقوق ومستقبلها في بلادنا بحيث لا يجير معاملة تحت أي ذريعة أي مواطن معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية ، إلا أن الواقع شيء آخر في المعمل والمزرعة وفي الشارع المغربي حيث نرى ونسمع ونشاهد كثير من المظاهر التي تهين الإنسان  كالضرب الذي يتعرض له المعطلون في الشارع الرئيسي للرباط وأمام ممثلي الشعب وكثيرة هي الأفعال التي تحط من كرامة الإنسان  كالتسول والبطالة وقلة ذات اليد وغيرها من الأمور التي ما كانت لتكون لو طبقت حروف نص الدستور في هذا الباب، دون التعامل معها حسب الظروف السياسية وبصف انتقائية دون ايجاد الحلول الجذرية تحت أي ذريعة أو مبررات.                                                                              إلا أن  الدستور يبقى في الأخير عبارة عن خريطة طريق لسائق له اختصاصات السير بمركبة بلاده نحو بر الأمان دون تعرض الراكبين لأي أذى لأنه مسؤول عنهم بموجب عقد أبرمه معهم وعلى أساسه قبول تسيير الشأن العام ، فليتحمل المسؤولية وتبعاتها .               

مجموع المشاهدات: 1380 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة