الرئيسية | أقلام حرة | قراءة في خطبة الجمعة الموحدة بين صدق المضمون و انحراف البوصلة

قراءة في خطبة الجمعة الموحدة بين صدق المضمون و انحراف البوصلة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
قراءة في خطبة الجمعة الموحدة بين صدق المضمون و انحراف البوصلة
 

 

عممت وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية عبر مندوبياتها الإقليمية و الجهوية خطبة موحدة اُلقيت يوم الجمعة 19 دجنبر 2014 حول مجزرة بيشاور الباكستانية ، و أبانت عن غيرة تجاه
قضية تمس الأمة و دينها و صورتها بل و تصورها ، حيث تبرأت من إجرام حركة طالبان الباكستانية و غلوها البين الذي نتج عنه إستهانة بالدماء ، لم تطل فقط من حاربوها بل امتدت إلى عائلاتهم الصغيرة لتزرع الرعب في قلب أطفال باكستان الذين اختاروا التمدرس و ما كان خطأهم إلا توجهات آباءهم الموالية للنظام الباكستاني .
 و لا نختلف حول هول الكارثة و شناعة جرم حركة طالبان الباكستانية غير القابل للتبرير، فلا الأطفال شرعا مستهدفون لبراءتهم مما اقترفه آباؤهم ، و لا عرفا مجرمون فما هم إلا طلاب علم سلكوا طريق العلم و المعرفة ، و حساب من قتل أنفسهم بغير حق عند رب العباد .
  لكن  لا بد من الوقوف على مضامين هذه الخطبة الموحدة وبيان مكامن النقص و إنحراف بوصلتها .

جاء في الخطبة أن من الواجب علينا أن نمحص الحق فنلزمه ونبين الباطل فندمغه  ، و كان مما أدركناه في ديننا أن الإسلام ليس رهينا بأحد و أن الحق لا يعرف بالرجال بل الرجال من يعرفون بالحق ، و قِس على هذا عمل المؤسستين القائمتين على الشأن الديني الرسمي’’ وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ‘’و’’المجلس العلمي الأعلى’’ . فنُصرتهمها قرينة بإنكارهما للباطل و إحقاقهما للحق و إلا فلا .

كان مما جاء في الخطبة أن الله جعل قلوب أفراد الأمة على قلب رجل واحد ، فكان أن وَجبت نُصرة المسلم و إعانته حين الظلم و عدم السكوت عن ما ُيلم به ، وهذا ثابت واجب لا جدال فيه . لكن نفس المؤسستين الدينيتين اللتين استنكرتا ما وقع في طالبان سكتتا عن ما وقع في أرجاء المعمورة من تخوين و تهجير  و تقتيل  ممنهج أو غير ممنهج تجاه المسلمين ، و كان مما دعا إليه ديننا الحكيم بيان الحق في كل موضع و تمحيصه  و الدفاع عنه ولو كان ضده من كان و لو كان معه من كان و في هذا قال المولى عزوجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )  أفتعمى وزارتنا الوصية و مجلسنا العلمي الأعلى عن مذابح بورما تجاه المسلمين ، و سياسات حكومة ميانمار تجاه الروهينغا المسلمين و أحكام الإعدام تجاه حزب الجماعة الإسلامية ببنغلاديش ؟ وإذا قيل أن هذه الأحداث يحكمها البعد الجغرافي ، قلنا ما قاله رسولنا عليه الصلاة و السلام  ‘’ مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر ‘’ و حتى لو تغاضينا عن هذا المصاب الجلل ، سنشير إلى أن المشاركة المغربية في التدخلات العسكرية في كل من مالي و إفريقيا الوسطى وفتح الحدود الجوية المغربية لطائرات المستعمرين حتى يقصفوا إخواننا في عقر دارهم كان من الواجب التحدث عنه و التبرؤ منه ، لا السكوت عنه . و إذا قيل أن جنوب إفريقيا ليس من أولويات مؤسستينا الموقرتين، جئنا بما يعد أولوية فبعيدا عن ما ألم بأخواننا في باقي الأمصار و إن كان لا يقل أهمية ،  ألم يطرح العدوان الإسرائيلي تجاه قطاع غزة أية إشارات جديدة ليتغير ولو الشىء اليسير ضمن أولويات المؤسستين ، أم أن إخواننا الفلسطينيين و الغزاويين ليس مسلمين يجب التألم لألمهم رغم العدوان المستمر و المتكرر و الدعم العربي الغربي للسياسات الدينية التطهيرية للكيان الصهيوني تجاههم  . و زيادة على هذا ألم  ُيتجاهل ما وقع من مجازر في ميادين رابعة العدوية و النهضة و الجيزة المصرية  ، أم أن من قتلوا هناك لم يكونوا مسلمين ؟
 و إذا سأل البعض عن القضايا الأخرى التي تعد من أولويات الأمة ، جئنا بما وقع في العراق و سوريا و ليبيا و اليمن ، وعرجنا على الأهوال التي تلقاها الأمة جراء جهلها بما يقع في بلاد الإسلام بينما هنا يغيب دور هذه المؤسسات الدينية الرسمية في توعية الرأي العام المغربي لتحصينه من الخطابات المتطرفة و تبقى على صمتها و تفرجها المعهودين    
أ لم يقل الله عزوجل و لاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق،  لينص بذلك القرآن الكريم على حرمة النفس ، أيًَا كان عرقها أو جنسها أو توجهها . فكيف بإخواننا في الدين ! ألم  يأمرنا الله عزوجل بعدم السكوت عن الباطل و لا التغاضي عن الحق حين قال ‘’ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ‘’ .
لا نختلف حول صحة ما جاء في الخطبة حول مجزرة بيشاور الباكستانية ، لكن ألم يكن من باب أولى الحديث تخصيص خطبة لتوعية الناس بمخاطر السيول و الفيضانات التي حصدت الأرواح مؤخرا بدل هذا الصمت المشبوه تجاه بعض قضايا الوطن

إن من مقاصد خطبة الجمعة في الإسلام إضافة إلى تذكير الناس بربهم ، و تفقيههم في دينهم ، إظهار مشاكل الأمة لعلاجها ، وهذا لا يعقل أن يكون بأي حال من الأحوال تفضلا لوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية  و بالتبع المجلس العلمي الأعلى على الناس ، بل  واجبا عليهم وجبت تأديته و  المحاسبة عليه في الدنيا قبل الآخرة
.

و كان مما قيل في فقه الأولويات ، أن من جاء قرية تفشى فيها الزنا و حدث عن الربا فقد خان الأمانة ، فلا يمكن السكوت بأي حال من الأحوال عن أحوال الأمة و انتكاساتها المستمرة ، فالخُرس عند  مواطن الحق و ادعاء الحياد بعد ظهور الباطل انحياز و نصرة له ! و اتباع الأهواء لا يكون في ما يتعلق حتى بحقوق النفس ،  فكيف بحقوق الناس ومصائرهم .

إن ما تقوم به وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية و المجلس العلمي الأعلى سكوت عن الحق و نصرة للباطل ، و لو لقبت فعلها بمختلف الألقاب فالمسمى واحد و هو الإستكانة للظلم و الظالمين .

إن الله أعطى الأمانة للإنسان و قلد كل راع بمسؤوليات لم تكن تشريفا له بقدر ما كانت تكليفا  . و عندما يكلف الله الفرد أو الجماعة بمسؤولية لا يقول عاقل بأنه يهمل ما ولًََاه  ‫إ نما هي الأيام يداولها الله بين الناس ليميز الحق من الباطل .

‫إن شدت الإبتلاء التي وصلت إليها الأمة لا تعطي  الحق لأحد في أن يحدد أولوياتها و يختار ما يستحق الإعلام به و ما لا يستحق ، و إن استغلال ما شرعه الله لتلبيس الحق بالباطل أو تبريره إجرام في حق الإنسان الذي كرمه الله عزوجل.
و كما جاء في الخطبة الموحدة الثانية ، أن من أوجب الواجبات العمل بالدين كله ، وتجنب استغلاله لقضاء مآرب كما في دول أخرى ، و ما أرى في هذا إلا و صفا لعمل المجلس العلمي الأعلى و الوزارة الوصية اللتين ما فتئتا تبرران للدولة سياساتها و تتغاضيان عن كل ما يضر مصالحها و تتكلمان و تخْرُسان حسب ما تقتضيه السياسة الداخلية و  الخارجية للمملكة المغربية
!

 

‫إن المشاكل التي تكالبت على أمتنا متعددة ، لكن أبرزها مشكل الوعي . و ما تقوم به مؤسساتنا الدينية الرسمية هو ترسيخ لهذا المشكل لا حل له ، و حتى لو ذكر البعض أن سياستنا الدينية احترازية تهدف لتصحيح الأفكار الخاطئة لتفادي الغلو و التشدد ، سنُذَكًٍر بأن قول الحق لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع نشر الوسط و الإعتدال ، و ترسيخ سماحة الإسلام .
 بل إن سياسات هذه المؤسسات الدينية الرسمية  هي التي تنمي حس الفرد و الجماعة  بالحيف و الإضطهاد  ، و قد تجعله لا قدر الله ضحية لمن له خطاب متطرف لكنه أشد حزما تجاه قضايا الأمة.
 فهل تلقي وزارتنا الوصية و مجلسنا العلمي الأعلى بالا لمدى نجاعة سياساتهما الدينية أم أن هدفهما ليس هو المدى البعيد بقدر ما يُهٍمًهما كبح جموح الناس و طمس وعيهم و شَغلهم بقضايا على حساب أخرى
  !?

مجموع المشاهدات: 1334 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة