الرئيسية | أقلام حرة | رسوم صحيفة الكراهية- تخذل (المعتدلين) من المسلمين وتستفز (المتطرفين) وتعبر عن الحقد الدفين..؟

رسوم صحيفة الكراهية- تخذل (المعتدلين) من المسلمين وتستفز (المتطرفين) وتعبر عن الحقد الدفين..؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
رسوم صحيفة الكراهية- تخذل (المعتدلين) من المسلمين وتستفز (المتطرفين) وتعبر عن الحقد الدفين..؟
 

 

الإسلام الدين الذي اختاره الله للبشرية منذ ما يعرف عند علماء الإسلام (بميثاق الذر)، عندما أقرت ذرية آدم وهي لا تزال في الأصلاب وفي طي الغيب بربوبية الخالق، وأقرت له بالوحدانية، فهو ميثاق الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولذلك لم يكن إبراهيم أبو الأنبياء يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حينفا مسلما، ومن هنا تلخيص النبي الكريم محمد عليه السلام، هذه القضية فقال بعثت (بالحنيفية السمحة)، وكانت الأديان كلها مرفوضة عند الله إلا الإسلام، والإسلام بهذا المعنى أي إسلام الوجه لله تعالى والإقرار بالعبودية له، وهو ما نجده في الديانات السماوية كلها باعتبار المنبع والأصل وباعتباره ما اقره القرآن وسار على نهجه الأنبياء والرسل «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه».

        هذا هو المعنى العام لدلالة الإسلام دون الدخول في الأركان وقواعد الأصول والفروع فنحن نتكلم عن الأصل، فأقر الإسلام بهذا المعنى شريعة السلام وكان السلام من أسماء الله سبحانه وتعالى هذه الرسالة رسالة الوحدة العقدية والدينية التي يرددها كل مسلم في أعقاب صلواته وأثناء تلك الصلوات والدعوات «لا نفرق بين أحد من رسله..» إنها وحدة الأصل والمنبع التي يلهج بها كل مسلم، ولكن أعداء السلام وأعداء الروح النقية الطاهرة التي تؤمن باختلاف الناس في ألوانهم وألسنتهم، ولكن البشرية تتعارف وتقر بأن التمييز إنما هو للتقوى التي تعني الحفاظ على التوحيد وما جاء معها من القيم والمبادئ والأركان حسب رسالة كل رسول: «ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم» الآية. هذا الإيمان والتقوى هو ما لم تطقه بعض النفوس المريضة فصارت تبث الشقاق والنفاق وتزرع الحقد والكراهية بين الناس.

        لقد تداعى المسلمون من كل بقاع الأرض للتعبير عن رفضهم لاستعمال وسائل القتل ضد الآخرين، رغم ما صدر عنهم من سيئات حسب اجتهاد بعض فقهائهم توجب المحاسبة، ولكن محاسبة القضاء وأولي الأمر، فحتى من يستنجد الكثير من الناس باجتهاداته وفتواه (ابن تيمية) رحمه الله لم يذهب لأخذ الحق لنفسه، ولكنه ذهب إلى ولي الأمر يطلبه بتطبيق الأحكام في شان من يسب الرسول وعندما تصرف من تلقاء نفسه كان رد الفعل المعروف وكانت نتيجته كتاب (الصارم المسلول).

        ومن هنا فإنه من الوجهة الفقهية لا أحد يملك التصرف سوى أولي الأمر الذين ارتضاهم المسلمون لتدبير أمور شؤونهم الدينية والدنيوية، ولكن بدل ان تعترف هذه الصحيفة ومن يقوم عليها ومن يحميها بدعوى صيانة حرية التعبير لم يراعوا هذه المشاعر الإنسانية المنبعثة عن قيم الإسلام ومبادئه التي حملها الرسول الأكرم إلى الناس فعادت للاستفزاز مرة أخرى بل بأسلوب اشد في الدفع بالأمور إلى حافة الهاوية، وعادت مرة أخرى لتوجه الشتم والقذف إلى مليار ونصف من المسلمين في مختلف القارات والدول.

        ان التحدي والاستخفاف والاستهزاء لم يوجه "للقاعدة" أو "داعش" أو غيرهما ممن يتداعى الغرب لمحاربته في عقر داره، ولكنه وجه للحكومات في العالم الإسلامي التي تتعاون مع هذا الغرب الظالم والمعتدي على حرمات الإسلام والمسلمين، ولكنها لا تضمن من هذا الغرب حتى السعي لدى المواطنين في هذه الدول لاحترام الإسلام واحترام نبي الإنسانية ونبي الرحمة للعالمين.

        إن الإسلام علم المسلمين الاحترام وعدم توجيه السب والقذف حتى إلى الأوثان والأصنام «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فسبوا الله عدوا بغير علم» ولكن روح الحقد والكراهية التي تحملها هذه الصحيفة وتبثها بين الناس ليست عفوية وإنما هي من قبيل «إذا لم ينته السفيه فهو مأمور».

        فلاشك أن وراء الأكمة ما وراءها، وهناك من يسعى لإشعال الفتنة وإيقاظ الحروب، والناس يعلمون من ندب نفسه لذلك، وان اقل ما يقال في حق الجريدة والقائمين عليها ومن لم يسع لإلجامها قانونا ما قاله الشاعر العربي:

                 إذا أنت أكرمت الكريم ملكته             وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

        فقد عبر المسلمون عن حسن نواياهم وعن رفضهم لأسلوب العنف والقتل ولكن الصحيفة ومن يشايعها اختاروا أن يعبروا عن ما هو دفين في نفوسهم.

        ونحن المسلمين يجب ان نبقى متمسكين بالرد السلمي المتزن على حد القول: "كل ينفق مما عنده" فما عند المسلمين والإسلام  هو الدفع بالتي هي أحسن والسلم والسلام ويبقى ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

************

الإصرار دليل الكراهية

لا اعتقد أن الرسوم التي نشرتها صحيفة (شارل ايبدو) أو غيرها من الصحف الأوروبية أو أعيد نشرها في الماضي والتي نشرتها الصحيفة في هذا الأسبوع بعدما تعرض له العاملون فيها، أتى بجديد في التعبير عن عمق مشاعر أكثر الأوروبيين أو الحاقدين والمتعصبين منهم  تجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتجاه الإسلام، فالكتب التي نشرت منذ بدأ هذا الغرب يعرف الكتابة والطباعة ممتلئة حقدا وضغينة ضد الإسلام ورسوله محمد (عليه السلام) وما يمثله من قيم روحية وحضارية سامية، وما يلقنه الغرب للتلاميذ في المدارس حول الإسلام ورسالته، وما تزخر به كتابات المستشرقين المفروض فيهم أنهم على دراية بالإسلام، لا يحتاج إلى كثير عناء للإطلاع عليه وفهمه.

استهداف قديم

 ومنذ أمد بعيد وهذا الغرب الحاقد والمتعصب يستهدف الإسلام ونبي الإسلام، ويعمل على شحن أدمغة أبنائه بكل ما يملؤهم كراهية وحقدا، ومما هو معروف كذلك أن هناك عددا من الدراسات والأبحاث تناولت صورة الإسلام ونبيه في مختلف أوجه العمل الفكري والثقافي والفني، فهناك دراسات حول هذه الصورة في وسائل الإعلام، وأذكر أنني منذ ما يزيد على عقدين من الأعوام تناولت بالتحليل كتابا مهما في هذا الصدد للكاتب الأمريكي الفلسطيني الراحل (أدوار سعيد) بعنوان "تغطية الإسلام"، وضح فيه الكاتب بأسلوبه الشيق والعميق الخط الثابت لتحرير هذه الصحف تجاه الإسلام والمسلمين مؤكد أن الاستهداف قديم.

ادعاء زائف

                 ولكن الأمر الذي يبرز من خلال هذه الدراسة وهو الأهم أن المؤلف انتهى بعد الدراسة والتقصي إلى أن ما يدعيه الغرب من وجود حرية الصحافة وَهْمٌ وكذب وادعاء زائف، يغتر به البسطاء من الناس، وليس هذا إلا نموذجا و إلا فالدراسات تناولت الأعمال السينمائية والروائية وغيرها من الأعمال الأدبية والفكرية. واتضح من كل ذلك الروح التي يتعامل بها الغرب مع الإسلام ورسوله محمد (عليه السلام) وتاريخه وقضاياه، وهي روح الحقد والكراهية و واختلاف الأحداث التي لا وجود لها من أجل انتفاض الإسلام ومحمد عليه السلام.

استغلال تصرفات غير مسؤولة للإساءة  للإسلام والمسلمين

                ولعل من الخطأ أن يعتقد البعض أن هذا جاء نتيجة لما عرفته بعض المدن الغربية من أحداث في السنوات الأخيرة، وما عرفته باريس خلال الأسبوع المنصرم، إذ الأمر أبعد من ذلك، فليست هذه الأحداث المأساوية التي لا يتحمل وزرها ومسؤوليتها إلا مرتكبوها دون غيرهم كما هو معروف في كل القوانين وكما هو وارد في القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى) إلا مناسبة استغلها البعض للتعبير عما هو مكنون في الصدور، وتنعقد عليه الجوانح والقلوب، وهذا الحقد الذي يظهر ويطفو على السطح لأي سبب مهما كان وأحرى إذا كان من نوع إطلاق النار أو تفجير هنا وهناك كما هو مشاهد اليوم حيث عمدت الصحيفة الحاقدة على إعادة إنتاج رسوم لإساءة ونشرها على نطاق واسع.

في الكتب المدرسية

                ولعل من المناسب الإشارة إلى بعد العدوان الثلاثي على مصر نشر العديد من الكتب في موضوع العلاقة بين الإسلام والغرب كما حدث في حادي عشر يناير 2001 وغيرها وأشير إلى كتاب قرأته عقب العدوان في 1956 مترجما عن الانجليزية بعنوان "حرب السويس" استهله مؤلفه الإنجليزي بدراسة حول العرب والإسلام والمسلمين في الكتب المدرسية الإنجليزية، وكان ما أورده في هذا الكتاب شيئا غريبا وممتلئا بأكاذيب ومغالطات ومع ذلك فهؤلاء الناس لا يتورعون ويجعلون ذلك مادة تدرس للأطفال، وهو كفيل بملء الأفئدة والعقول بأحكام مسبقة كلها تصب في مصب واحد هو الحقد والكراهية.

مرة أخرى مناهج التعليم

                وإذا كان التلميذ منذ البداية يشحن ذهنه بالأكاذيب والترهات وأفكار وعقائد زائفة فكيف لا تخرج اليوم مظاهرات في مدن أوروبية تعبر عن الحقد والكراهية ضد كل من هو مسلم وما يمت يصلة إلى الإسلام والمسلمين والأغرب من ذلك أنهم من جديد يروجون للاسطوانة القديمة حيث يتجه هؤلاء الناس إلى الحكومات الإسلامية يطلبون منها تجفيف المنابع، وتعديل المناهج التي يعتبرون ما تدرسه من آيات قرءانية، وأحاديث نبوية، تشحن العقول بثقافة الإرهاب والكراهية، وهذا كله كذب وبهتان وغير صحيح إذ ما يتسبب في الإرهاب وردود الفعل هو تصرفاتهم الاستعمارية الحاقدة وبدلا من مراجعة هذه السياسة يتجهون إلى المسلمين للإجهاز على البقية الباقية من الثقافة الإسلامية في المدارس.

                غير أن هؤلاء الناس لا لوم عليهم ما دامت هذه طبيعتهم، ما دامت سياستهم مبنية على أن الغاية تبرر الوسيلة، ولكن اللوم واللوم كله على الحكومات التي تتجاوبت مع دعوتهم صراحة أو ضمنا.

دعم الاستبداد

                وذلك لأنها حكومات ضعيفة مستبدة لا تستند على الشرعية الديمقراطية وعندما تحركت الجماهير هنا وهناك في العالم الإسلامي وبالأخص في العالم العربي لتغير هذه الحكومات المستبدة وإقامة نظم ديمقراطية سعي الغرب إلى تنظيم ثورات مضادة لإعادة الأنظمة القديمة لأنها الأنظمة المطواعة والتي تسير في ركاب الغرب وسياسته في التحكم واستنزاف خيرات الشعوب

يجب عدم التجاوب مع دعوة مراجعة المناهج

ولعل رد الفعل الذي حدث من طرف المسلمين من حيث ندد الجميع بالاعتداء على الصحيفة المعنية وعوض أن ترد ردا ايجابيا على تضامن المسلمين والاعتذار عن الإساءة أعادت نشر رسوم جديدة، وبتضامن وبتشجيع من الصحافة الغربية والحاقدين، يكون خير موجه ودافع للحكومات والشعوب العربية والإسلامية لتتفطن إلى أن الهدف ليس هو مقاومة الإرهاب والتمسك بحرية التعبير ويجب أن لا يكون لدينا ما تعتقده هذه حسن نية تجاه هؤلاء الحاقدين أو الانسياق مع توجه فكري خاطئ، في هذا الصدد وتعمل على أن تكون المناهج التعليمية والتربوية مما يقوي الشخصية العربية والإسلامية، ويركز الروح الوطنية والمواطنة الحقة، لدى الناشئة، لان كل تصرف في غير هذا الاتجاه سيجعل المواطن المسلم أو العربي عرضة لتأثيرات أجنبية مغرضة وحاقدة.

الحقد الدفين

إن الذي حدث في الأيام والأسابيع بل وحتى الشهور أو السنوات القليلة أفصح من جديد عما كان يقوله دائما الباحثون المنصفون من الغرب، ولَكِنَّ المؤسف هو أن هناك عناصر من بين امتنا غلب عليهم الاستيلاب الفكري، وانساقوا مع مقولات وأطروحات لم تكن قط بريئة، بل مبنية على الحقد والكراهية، وتنطلق من سوء نية، وخبث طوية، وقديما قال (غوستاف لوبون) "إن الحقد الدفين ضد الإسلام موجود في أعماقنا دائما" لذلك فمهما حاول هؤلاء الناس أن يتصنعوا وأن يظهروا ما يسمونه التسامح والاعتراف بالآخر، يخفقون فيظهرون على حقيقتهم في أول تجربة، ويسقطون في أول اختبار.

التعصب، التسامح، بل  التعصب دائما

ولم يكن الكاتب المشار إليه هو وحده الذي يؤكد هذه الحقيقة بل إن الباحثين الجدد والمعاصرين يسيرون في نفس الاتجاه كما هو حاصل بالنسبة للكاتبة الباحثة «كارين أرمسترونغ» في كتابها الحرب المقدسة حيث تقول :

«كانت الحملات الصليبية حدثا فاصلا في الغرب أيضا. فقد جعلت من كراهية اليهود داءا لا دواء له في أوروبا. وسينظر منذئذ إلى الإسلام على أنه العدو اللدود للحضارة الغربية. وما من شك في أن هذه التحاملات الغربية على الإسلام قد لعبت وما زالت تلعب دورا لا يستهان به في النزاع الحالي، وهي ما برحت تؤثر في الطريقة التي يرى فيها الغربيون الشرق الأوسط اليوم، وبأشكال هي غاية في التعقيد».

صليببة محورية

                 والكاتبة التي خبرت عن كتب العقلية الأوروبية، وهي سبق لها قبل أن تعود إلى الحياة العادية ممارسة العمل الكنسي حيث هيأتها دراستها ووضعها لتعمل راهبة ولكنها عادت وتخلت عن ذلك وتفرغت للكتابة في موضوعات ليست بعيدة عن المجال الديني والكنسي وحيث نشرت عدة كتب من أهمها كتابها عن القدس والصراع العربي الإسرائيلي تقول الكاتبة:

إن الحملات الصليبية لم تكن مجرد حركة هامشية في العصور الوسطى، بل كانت حركة محورية بالنسبة للهوية الغربية التي كانت قيد التبلور في ذلك الحين، وهي ما فتئت مستمرة إلى يومنا هذا، ناهيك عن أنها أظهرت الدين في أشنع صوره ! (ص11-17)

خارج السياق

لذلك فان الغرب الذي أراد أن يعطي صورة عن نفسه باعتباره مصدر الدعوة إلى التسامح ونبذ الكراهية، لم يكن في الواقع يدخل الإسلام ومقدساته في هذا المجال بل كان يرى التسامح مع نفسه ومع قومه أكثر مما يراه مع غيره وبصفة  خاصة مع الإسلام والمسلمين. فالإسلام والمسلمون خارج سياق التسامح فهم عدو إلى النهاية.

العقلانية والتسامح

 وإذا كانت الباحثة المشار إليها أعلاه كتبت كتابات مهمة تحاول من خلالها ومن منظورها الخاص ان تبين مدى مواصلة الغرب لسياسة تستقي من وجدان أنشأته وصقلته فلسفة الحروب الصليبية، فإن باحثة أخرى هيأت رسالة جامعية في ألمانيا بعنوان: (العقلانية والتسامح، معالجة لسنج للإسلام) وصدرت في كتاب بألمانيا وقد بادرت صحيفة عربية تصدر بلندن منذ سنوات إلى نشر محاضرة في عددين متواليين على امتداد صفحة كاملة في كل عدد، توضح الكاتبة من خلال هذه المحاضرة التي هي خلاصة لما يتضمنه الكتاب، مدى زيف الادعاء بأن الغرب كان متسامحا مع الإسلام والمسلمين.

التنوير الخادع

 وإذا كانت الدراسة هي من زاوية موقف الشاعر والأديب المسرحي الألماني لسينج، فإنها في الواقع تناقش ما يدعيه من يسمون بفلاسفة الأنوار وبصفة خاصة ابرز هؤلاء في نظر البعض (فولتير) ذلك أن هؤلاء التنويريين لم يكن يرد في حسابهم وحساب تسامحهم، الإسلام وكذا الأقوام الآخرين من أهل الديانات الأخرى سماوية كانت أو وضعية.

وتستعرض الكاتبة المصادر التي كانت متداولة في عصر لسينج فتأخذ نموذج كتاب لمؤلف كنسي إنجليزي همفري بريدو. الذي كتب كتابا بعنوان:

نموذج للحقد

«الطبيعة الحقيقية للاحتيال معروضة بالكامل في مثال حياة محمد» تقول الكاتبة: إن الإسلام موسوم في العمل كله على أنه ببساطة "الاحتيال" ومنظور إليه على أنه عقوبة من الرب للمسيحيين، محمد طبعا ليس نبيا ولكنه صاحب سلطة بلا ضمير وشهواني والوحي المزعوم ما هو في الحقيقة إلا نوبات صرع وما الإسلام إلا هرطقة وإلخ… وهكذا لا نجد شيئا يغاير جوهريا اتهامات القرون الوسطى المعيارية.

تحريم وانحراف

                 ومن حقد الغربيين قي أدبياتهم أنهم يصرون على تحريف اسم محمد حرصا مهم على إثبات كل سخريتهم ولكنهم مع ذلك لم يفلحوا إذ في كل مرة يظهر من بينهم من يقول الحقيقة ويدافع عنها.

الآن استخدم هذا العمل أيضا من قبل المنورين كمصدر للمعلومات عن حياة النبي. مثلا الفيلسوف (بيير بيل) يوصي به في مقال عن النبي محمد في قاموسه التاريخي والنقدي واسع التأثير وفي مقاله (ماهومت) يتبنى تقييمات بريدو بلا مساءلة ويعيد القارئ إلى معلومات إضافية عن النبي في هذا الكتاب، وبهذا يرينا المقال أن حال تنوير الإسلام في الفكر التنويري ليست جيدة كما كان المرء ينتظر. ولكن هناك بعض المؤلفين الذين رأوا في الإسلام دينا متعقلا.

الإسلام دين عقل وتنوير، صراع في عصر التنوير

وقد نشر رد مباشر على بريدو مغفل في التوقيع عنوانه (ماهومت (محمد) غير محتال، أو دفاع عن ماهومت. (محمد))، وموه الرد بأنه رسالة لمؤلف مسلم. وظهر مؤلف هنري بولنفيليه (حياة محمد.) فقط عام 1730 بعد وفاة المؤلف وترجم إلى الألمانية عام 1768. وهذا العمل هوجم بشدة حيث أن محمدا ظهر فيه كأداة إلهية عن طريقها كان يجب أن تنشر المعرفة بوحدة الإله، وظهر الإسلام كدين تتفق تعاليمه مع العقل. إن مثالا آخر مثيرا للاهتمام قدمته مخطوطة هنري ستب (توفي عام 1676 وهو طبيب إنجليزي لم تطبع مخطوطته  (تقرير عن  صعود وتقدم الماهومتانية. (المحمدية)) إلا سنة 1911.

ولو بعد حين

                 إن الكثير من الأبحاث والدراسات المنصفة لا يتاح لها أن ترى النور الا بعد موت أصحابها ولكنها تظهر وتظهر معها الحقيقة ولو بعد حين.

وهو أيضا يصف تعاليم الإسلام بأنها على وجه الخصوص عقلانية ومتطابقة مع القانون الطبيعي. إن الظرف المصاحب لهذه التعاليم المتمثل في أنها جميعا إما ظهرت بعد وفاة أصحابها أو كانت مغفلة من التوقيع يجعل من الوضوح بمكان حقيقة ان النظرة الإيجابية للإسلام ما كانت مقبولة اجتماعيا، وهو أمر تجب إعادته بصورة رئيسية إلى ميلها الناقد للمسيحية. ليست هناك أيضا أدلة على أن لسنغ قرأ هذه الكتابات. لقد كان مطلعا أكثر على منظور آخر يرى في الإسلام تعبيرا عن التعصب. 

رمتنى بدائها

وإذا كان هذا الذي تعرضت له الكاتبة في بحثها ليس جديدا في تاريخ تناول علاقة الإسلام بالغرب، وموقف بعض من ينتسبون إلى الفكر أو حرية الفكر من الإسلام ورسوله، فان إشارته في هذا الوقت بالذات، يعطي فرصة للذين لا يعرفون من واقع هذه العلاقات إلا ما نشرته الصحف الغربية وما تدعيه من حرية وتسامح تجاه الآخر، رامية غيرها وبصفة خاصة الإسلام بمعاداة الغير. ويصدق على ذلك المثل العربي القائل ومتى بدا......

سياق الرسوم

وقد أردت من خلال الإشارة  إلى هذا البحث والذي نشرت (جريدة القدس العربي) كما أشرت عرضا وافيا حوله أن أبين السياق الذي جاءت فيه رسومات الإساءة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فالأبحاث والدراسات لم تكن متاحة للجميع ليطلع عليها، نظرا لطبيعة التخصص الذي تمتاز بها هذه الدراسات والأبحاث.

الخلفية الفكرية والدينية للصحافة الغربية

إن المتتبعين لن يجدوا جديدا في الموضوع من حيث المضمون والمحتوى ولكن العرض وطريقة التناول تضفي على كل ذلك ميزة خاصة وأود في آخر هذا الحديث أن أشير إلى ما كتبته كذلك السيدة الدكتورة زينب عبد العزيز في كتبها المختلفة ولكنني أشير هنا بصفة خاصة إلى كتابها بعنوان: "محاصرة وإبادة" إذ تضمن كتابها هذا كثيرا من المعطيات حول النظرة الأوروبية إلى الإسلام والمسلمين، والتي تعتبر الخلفية الفكرية والعلمية للساسة والصحفيين وغيرهم لأن التطبيق العملي للسياسة الأوروبية يسير وفق هذا المنهج.

خلاصة النظرة

 ولا بأس ونحن في غمرة هذه الفورة العارمة ضد سياسة وأسلوب الإساءة للإسلام والمسلمين، من إيراد فقرة ختمت بها الكاتبة أحد فصول كتابها الذي استعرضت فيه تطور النظرة الأوروبية إلى آخر كتاب علقت عليه للأب (جان كلود بارو) بعنوان (عن الإسلام عامة والعصر الحديث بصفة خاصة) تقول الكاتبة بعد عرض موجز لبعض أفكار الكتاب الذي صدر عام 1991 والمؤلف يشغل منصب "رئيس مكتب الهجرات الدولية" ورئيس المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية إلى جانب وظيفته الرئيسة كمفتش عام للتعليم القومي بفرنسا:

افتراء ليس جديدا

تقول الكاتبة:

إن هذه الفريات –كما رأينا- ليست بجديدة، وإنما تمثل مددا متواصلا يمتد منذ بداية انتشار الإسلام في حقبه الأولى حتى يومنا هذا.. لكنه إلى جانب هذا يكشف يقينا عن ذلك المخطط الذي لا تمثل فيه الحرب الدائرة (بين الإسلام وخصومه) إلا حلقة صغيرة في سلسلة طويلة.. نقرأ مداها في ذلك التعبير الذي قاله يبير جوزيف برودون المشرّع الاشتراكي الفرنسي في مذكراته عام 1846: « ما أن يتم تحرير أفريقيا من محمد وكل الهمج ـ على أيدي الشعوب المسيحية ـ حتى تصبح حرة ومستقلة؛ ونفس الحال بالنسبة للهند والصين: إن ذلك لهو حق الشعوب الجديدة».

بشرط نشر الحضارة

ويزيد (آرنست رينان) الأب المستشرق الفرنسي من وضوح هذا المخطط قائلا في كتاب له عام 1863 عن : حياة يسوع: « إن الشرط الأساسي لكي تنتشر الحضارة الأوروبية، هو هدم ذلك الشيء الشديد السامية، أي هدم السلطة الإلهية للإسلام» هنا تكمن الحرب الخالدة، الحرب التي لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أبناء إسماعيل من الفقر أو أن يتم دفعه رعبا إلى أعماق الصحراء»!!

الهدف تنحية القرءان من حياة المسلمين

كما قال وليم جيفورد:« متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه».

فإلى كل من لا يزال منساقا وراء الغرب ـ جهلا أو عن عمد ـ أهدي ما تقدم من شذرات علها تعاونهم على اتخاذ الطريق الصحيح.. وهي شذرات أو قطرات من بحر لجّى آسن، أو هي بمثابة حبيبات رمل وسط صحارى من الأكاذيب والفريات والمخططات المبيتة.. فهل نستيقظ ونعي؟ ! 

سؤال لا أظنه بحاجة إلى تعقيب ..

ومع ذلك نعقب مستأذنين الكاتبة بالقول:

هذه هي الخلفية، والغاية هي سحب القرءان من حياة المسلمين والبداية من التعليم وما يدرس لأبنائنا من آيات قرآنية على قلتها في المؤسسات التربوية، وإذا كانوا قد أخفقوا إلى حد ما وهم يتحكمون حكما مباشرا في العالم الإسلامي، فإنهم اليوم يعيدون الكرة وهدفهم واضح إبعاد القرآن من الساحة ليخلوا الجو للصليب وأتباعه.

 

مرة أخرى نطرح السؤال مع الكاتبة –فهل نستيقظ ونعي؟ آملين أن نستيقظ ونعي بالفعل

مجموع المشاهدات: 1298 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة