الرئيسية | أقلام حرة | ما أحوج الوطن إلى تحصين جهاز الأمن..

ما أحوج الوطن إلى تحصين جهاز الأمن..

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ما أحوج الوطن إلى تحصين جهاز الأمن..
 

 

 

     لا أعتقد أن أحدا منا بمقدوره التشكيك في ما يلعبه الأمن من دور طلائعي، في حياة الشعوب والأمم. وتكمن أهميته في كونه أحد أبرز المكتسبات الحضارية، المميزة للمجتمعات الإنسانية الراقية. والمغرب من بين البلدان العريقة، التي حرصت على إيلاء جهازها الأمني العناية اللازمة، وفق مواصفات حديثة، غايته الكبرى الحفاظ على سلامة الأفراد والمجتمع، ودعم الاستقرار...

     ويعد رجال الأمن عيون الدولة المتقدة على الدوام، الساهرة على استتباب الأمن وإنفاذ القانون. يبذلون قصارى جهودهم من أجل إسعاد الآخرين، يضحون بالنفس فداء للوطن وحماية أرواح المواطنين، ويسعون مخلصين إلى تهييء شروط السكينة والاطمئنان وكافة وسائل الراحة والاستجمام. في حالة استنفار دائمة، ورهن إشارة مؤسستهم الأمنية في كل لحظة وحين، حتى خارج أوقات العمل وإبان العطل الرسمية، ولا يتلكأون في الاستجابة لنداء الوطن مهما كانت الصعاب. من بين وظائفهم التقليدية وواجباتهم المهنية نجد: منع الجريمة بمختلف أشكالها، الحد من تفاقمها والقبض على مرتكبيها، محاربة الإرهاب وتفكيك خلاياه وفق خطط استباقية ذكية، السهر على تنظيم حركة المرور والجولان، احترام قانون السير واحتواء بؤر الانحراف. يصارعون قساوة الطبيعة وأحوال الطقس صيفا وشتاء، آناء الليل وخلال النهار، لمطاردة اللصوص والمجرمين ومروجي المخدرات، عبر دوريات تمشيطية. يقدمون خدمات إنسانية عند النكبات والكوارث الطبيعية، وفي المجالات الاجتماعية بإغاثة المرضى ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين عند الطوارئ وعبور الطريق أو استقلال وسائل النقل. ناهيكم عن مكافحة الشغب في الملاعب الرياضية وما يتعرضون له من اعتداءات وأخطار.

     ولا يمكن لأي مجتمع ينشد الرخاء والازدهار، اكتساب قوته وبناء حضارته في أجواء من الاحترام، إلا بوجود جهاز أمن قوي برجاله، قادر على تحصينهم ضد كل اختراق أو انحراف، يمكن أن تكلف تداعياتهما البلاد غاليا، ما يتحتم معه توفير كافة الإمكانات المادية واللوجستية الضرورية، التي من شأنها تحفيزهم على البذل والعطاء بمنتهى الحيطة والحيوية.

     ذلك أن الدولة وفرت للإدارة العامة للأمن الوطني ووزارة الداخلية، معهدا ملكيا للشرطة بمدينة القنيطرة، وهي مؤسسة عمومية تعنى بتأطير رجال الأمن من مختلف الدرجات، الذين اجتازوا بنجاح مباريات ولوج سلك الشرطة، ومن المتوفرين على الشروط النظامية الواردة في القانون الأساسي، عبر تكوين عصري في الدراسات القانونية وغيرها، وتدريب مكثف على حمل السلاح وحسن استعماله. وتحرص كذلك على أدائهم قسم التخرج للتفاني والإخلاص في العمل وعدم إفشاء السر المهني، وتزويدهم بأحدث الآليات والوسائل المساعدة على تذليل الصعاب، والارتقاء بمستوى رسالتهم الأمنية، دون تقصير أو زوغان...

     بيد أن الرياح تجري أحيانا بما لا تشتهي السفن، حيث ما انفك المواطنون يسجلون بتذمر واستياء عميقين مظاهر الفساد والرشوة، وارتفاع وتيرة الخروقات الصادرة عن بعض رجال الشرطة ورؤساء مفوضيات الأمن، في التعاطي مع قضاياهم اليومية، جراء ما يتعرضون إليه من ابتزاز ومضايقات، تسببت في إصابتهم بالإحباط وأفقدت الكثيرين منهم الثقة في مصداقية وهيبة جهاز الأمن، الذي من المفروض أن يشكل ملاذهم الآمن ضد العابثين بسلامتهم وحقوقهم.

     فأمام تعسف وتجاوزات بعض رجال الشرطة، الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، ظهرت فئة من الناس أطلق عليها لقب "القناصة"، تسلحت بكاميرات دقيقة الصنع، إما في شكل أقلام أو ساعات يدوية أو أي طراز آخر، وصار همها الوحيد هو ترصد حركات وسكنات رجال الأمن، في أي مكان وأي حاجز أمني مروري، وبحركة بسيطة تشرع الكاميرا في التصوير لتوثيق الأحداث. وقد يعمل بعض هؤلاء أحيانا على الإطاحة بضحاياهم، عبر استدراجهم للانفعال والسب أو للتفاوض على مبلغ  مالي.

     خلال الأيام القليلة الماضية، وفي ظرف لا يزيد عن أسبوع، تم الإيقاع بما لا يقل عن خمسة أشخاص من رجال أمن في حالات تلبس صارخة، يتلقون رشاوى من مواطنين ارتكبوا مخالفات مرورية، موثقة تفاصيلها في أشرطة فيديو نشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي واليوتوب، وخلفت ردود أفعال قوية بين المواطنين داخل البيوت وفي المقاهي.

     جملة من الفضائح أساءت إلى شرف مهنة الأمن النبيلة وأضرت بصورة الوطن، خصوصا ما شاهده المغاربة من مهزلة، عبر شريط ساخر بطلاه شرطيي حاجز أمني مروري بمدينة طانطان، أوقعهما في "فخه" سائح اسباني يستعمل دراجة نارية، ويحمل كاميرا صغيرة مدسوسة بعناية في خوذته الواقية، تؤكد نيته المبيتة في تحويلهما إلى صيد ثمين، لم تتجاوز كلفته الإجمالية مبلغ خمسين درهما.

     صحيح أن إدارة الأمن الوطني لم تفتأ تعمل جاهدة على تطهير جهازها من العناصر الضالة والمعزولة، باتخاذها إجراءات تأديبية وزجرية  ضد المخلين بالقوانين منها: تنقيل أو توقيف أو إحالة على القضاء، كل من ثبت في حقه جريمة ارتشاء أو شطط في استعمال السلطة، مستعينة بلجن تفتيش وكاميرات عالية الجودة لمراقبة العاملين بالحواجز الأمنية. وأنها طبقا لما نشر مؤخرا من تسجيلات، ووعيا منها بضرورة الحد من مثل هذه الانحرافات، دعت في مذكرة عممتها على كافة مصالحها صباح يوم الجمعة: 17 يناير 2015، إلى تقيد جميع موظفيها بأحكام مدونة قواعد السلوك الخاصة، سيما المتعلق منها بمقتضيات النزاهة والاستقامة والشرف، والقطع مع الممارسات المنافية للقانون والمندرجة في إطار جرائم الفساد الإداري من قبيل الرشوة والابتزاز، مؤكدة على تدعيم التخليق عبر حملات للتوعية في صفوفهم، وتكثيف المراقبات الدورية والمباغتة، وتعزيز برنامج التكوين لتأهيلهم مهنيا، وتحصينهم ضد مختلف أشكال الفساد الإداري...

     وفي هذا الإطار تحضرني رواية عالم المستقبليات المرحوم: المهدي المنجرة في إحدى المناسبات، حيث أفادنا بما معناه: أنه عندما أراد الصينيون القدامى العيش في أمان، فكروا في بناء سور الصين العظيم، اعتقادا منهم أنه لن يجرؤ أحد على تسلقه لشدة علوه، إلا أنه خلال القرن الأول من بنائه، تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات ! وفي كل مرة، لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه، بل كانت تكتفي بتقديم رشوة للحارس، ثم تدخل آمنة وبسلام من الباب. ما يعني ببساطة، أن الصينيين (القدامى طبعا) انشغلوا ببناء السور وأهملوا بناء الحارس/الإنسان...

 

     إن المصلحة العليا للوطن تقتضي بناء مواطن صالح، عبر أسرة مسؤولة، مدرسة قوية ومجتمع متماسك. وفضلا عن كون المسألة الأمنية قضية مجتمعية، تستدعي انخراط جميع فعاليات المجتمع في تخليق الحياة العامة، فإن الشرطة ملزمة بالمزيد من الجدية في تجويد خدماتها، التعجيل باسترداد ثقة المواطنين والتعاون معهم، والحكومة مدعوة إلى إقرار سياسة واضحة المعالم لمكافحة الرشوة، ومساعدة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، للقيام بما أناطها به الدستور من مهام، وإنقاذ البلاد من هذه الآفة الخطيرة، التي تنخر هياكل إداراتنا العمومية وتلوث سمعة بلادنا...

مجموع المشاهدات: 1390 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | اسماعيل مغربى قح
الموضوع فى محله ولكن المواطن هو من يتسبب فى المشاكل فمثلا قضية السير فى الطرقات كل سائق الشاحنة والسيارة والدراجة النارية طبق القانون على نفسه كيف للشرطى المرور ان يوقفك الاادا كان هناك حاجز للتفتيش ومراقبة الاوراق هدا واجب فكثير من اصحاب الدراجات النارية لايستعملون الخودة وبدون تامين ولن يقفوا فى الاشارات الضوئية للمرور فى المحاور الطرقية وكثير من الحوادت وبالاخص بالدارالبيضاء سائقو الطاكسيات اتلكبيرة والصغيرة هم من يتسببوا فى الحوادت يقفوا بدون اشعال الضوء على اليمين يقفوا فى وسط الطريق للركوب والنزول لايهمهم من يتبعهم من خلف سيارتهم من دراجات وسيارات هناك من يطلع للرصيف ومن يصدم اناس ابرياء وبسببهم ولما يسمعوا الاصطدام يدهبوا لحالهم كان شيئا لم يقع وما يزيد الطين بلة هو كلما طبقت عليهم شرطة المرور الدعائر والمخالفات والا ووقفت بجانبهم النقابات الموالين لها بالاحتجاجات فالمواطن هو من يجعل الامن فى البلاد ادا طبق القانون على نفسه فكم من عائلة تعرف ابنها يسرق ويعترض الناس ومنهم من يبيع المخدرات على اختلاف انواعها فى منزلهم ولم يبلغوا عليه للامن وهدا سبب الاجرام
مقبول مرفوض
0
2015/01/25 - 09:21
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة