الرئيسية | أقلام حرة | زمن إنقرض فيه الرجال

زمن إنقرض فيه الرجال

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
زمن إنقرض فيه الرجال
 

 

زمن شحب وجهه من الحياء والحشمة ، وغابت عنه الرجولة والمروءة ، وأصبحت فيه الغلبة للماكر  الكاذب، والسافل المحتال، وتضاءلت فيه فرص تواجد الإنسان الرجل والإنسان الإنسان ، فجاء إختياري لهذا المقال المتواضع ، وتحت هذا الإسم لغرضين إثنين .

 

الغرض الأول لتجربتي الشخصية المتواضعة وما صادفته من خيانة ونكران الجميل وأنا أشق عناء الطريق ومرارة المسير في ضل هذا الوقت المرير لعل وعسى يكون نصيبي النجاح بعد الإجتهاد أو على الأقل جزاء الإجتهاد .

 

والغرض الثاني هو أن هذا المقال اعتبره بمثابة برقية رسالة موجهة إلى كل من خولت له نفسه أو سولت له أن يضرب بعرض  الحائط قدسية الصداقة وأن يلعب أدوار طلائعية في مجال المكر والتلاعب .

 

فزمننا هذا يشهد خصاصاً مهولاً في مقاعد الرجولة على عكس مثيلتها الذكورة التي تمتلئ عن اخرها ، وشتان بين هاته وتلك ، فما الذكورة إلا ذاك القاسم المشترك بين الإنسان الذكر والحيوان الذكر ؛ فلو غلب الإنسان العقل على الشهوة إرتقى إلى مصاف الملائكة فحين إذا غلب الشهوة على العقل هوى إلى مصاف الحيوان .

 

أما الرجولة والتي هي مربط الفرس في هذا المقال فهي ليست بإرتداء أجمل الملابس ، وشراء أغلى العطور ، وإستعمال أحدث الكماليات التكنولوجية ، وإمتلاك أفخم البنيان ؛ بل على العكس من ذلك ، الرجولة هي القوامة وما ادراك ما القوامة ، الرجولة هي حمل وتحمل المسؤولية ، هي التجرد من الأنا ونكران الذات في سبيل تحقيق أكبر قدر ممكن من الصالح العام ، هي إحترام الأخر وفهمه وحسن الإنصات إليه بإعتباره شريك له ما له وعليه ما عليه في الحياة ، الرجولة هي الجدية والإتقان  في العمل كيفما كان ، هي الموضوعية والمصداقية في الكلام ، هي الرزانة داخل المحيط المعيش  بشقيه الصغير والكبير ، هي اتخاد الحيطة والحذر ، الرجولة هي الحنكة في الحكم والتحكم ، هي الحكمة والسلطة في صناعة القرار ، هي الثبات وعدم التسرع وقت الشدة .

 

نعم فالرجولة بحر عام وسبح فيه كبار الشخصيات وخاضوا وتحملوا عناء ذلك مضحين بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق المنفعة العامة ، وما يسعنا إلا رفع القبعة والوقوف لهم إجلالا وتعظيماً لإنجازاتهم الشاهد عليها التاريخ .

 

ففي حياتنا هاته والتي ماهي إلا عبارة عن شريط سينمائي تمر صوره ولقطاته متداولة بين الناس وما نحن إلا ممثلين نلعب أدوار البطولة كل حسب نيته بشقيها الخاصة والخاصية ، داخل كواليسها، كي نلمس بجوارحنا ما اقترفناه لتكون شاهدة علينا يوم الحق .

 

في هذه البسيطة القلة القلائل هم من يوصفون بالرجال وما تبقى من الأغلبية ذكور ، وهذا  إن دل فإنما يدل على شيء واحد هو ذكورية المجتمعات ، بالفعل زمن الحاجة ، زمن المنفعة والمصلحة ، مجرد أصدقاء بالمقابل ، وصداقة بلا طعم ، ماهم إلا أقنعة إلى حين قضاء الحاجة وتظهر الحقيقة، تلك الحقيقة المخفية وراء إسم الإنسانية ، فجلهم إستعمل تقنية  الفسخ  على طريقة الثعبان،   الإنسلاخ من الإنسانية بغية تحقيق المنفعة الخاصة ، وإشباع المكبوتات بكل تجلياتها حتى ولو كان ذلك دساً على الكرامة والشرف وما إلى ذلك من أنواع الحرمات ، فكل هذا لايهمهم بقدر ما يهمهم الوصول إلى الهدف المنشود .

 

زمن أصبح فيه الإنسان ذئب لأخيه الإنسان وما الأخر إلا بمثابة الجحيم بالنسبة لأنا ، تأكيداً للجدلية الفلسفية  L'autre est l'enfer 

 

ل جان پول سارتر Jean-Paul Sartre  الفيلسوف والأديب الفرنسي  ،  .

 

فسبحان الله من هاته الغرابة التي تطفو فوق سطح حياتنا أعداء الأمس أصدقاء اليوم والعكس صحيح  فالبشر ميال للشر كما هو ميال للخير، والغريب في الأمر أن هذا الإنسان الذي كرمه الله عزوجل وميزه بنعمة العقل على غرار باقي المخلوقات يهتم بالمظاهر ويتناسى الأهم من المهم ألا وهو دواخل الأخر وما يحمله من تنشئة ومعرفة وثقافة ، إستناداً إلى المقولة الشهيرة لسقراط  تكلم كي أراك. 
عندما وقف رجل وسيم وأنيق أمام الفيلسوف اليوناني (سقراط)، وأخذ يتباهى بملابسه، ويتبختر في مشيته. قال له سقراط: تكلم حتى أراك!!

 

فلو حبذا وإستعمل الإنسان في تعامله مع الحياة نظرية باشلار المعروفة بنظرية الزلزال والجوهر والتي تعني البحت والإهتمام باللب وعدم الإكترات بالقشور المعرفية حيث شبه مستعملها بالرجل المطفئي ، أو على الأقل كان بالإمكان أحسن الأخد بعين الإعتبار للمثل الشعبي المغربي المزوق من برا اش خبارك من الداخل ، فالحقيقة دائماً ما تكون على عكس تلك المرسومة في مخيلتنا مسبقاً ، فاكتر من عاشرنهم كانوا ملثمين أو مقنعين بحقائق مخفية ونوايا سيئة  وراء الإنسانية ، وما ألسنتهم إلا أدوات لزخرفة الكلام ووسيلة للوصول إلى المبتغى ، فحين الإنتهاء وأخد المراد وتحقيق الغاية المرجوة ، تجد نفسك أمام سراب أو ضل اندثر حين سطعت أشعة الشمس ولربما هو مجرد حلم لا غير .

 

زمن إنقرض فيه الرجال ولم يبقى إلا قشور الباذنجال واستسمح على هاته التسمية لكن الواقع يفرض نفسه بإلحاح في حياتنا ، فتواجد أو وجود رجل بما تحمله الكلمة من معنى أصبح نادراً إن لم نقل أنه أيل للزوال اللهم من رحم ربك  .

 

فالحياة حركة وإمتداد توسع وزيادة إلى حين الفناء ، ومن جاراها كان نصيبه الخسارة لا محالة.

مجموع المشاهدات: 6018 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة