إعادة النظر في منهج الأمة
خلال القرن المنصرم بات من الملاحظ أن المسلمين تَخلفوا فكريا أو خُلفوا عمدا عن مسيرة العالم لأسباب مختلف ولا طائل من التباكي على ما قد انتهي زمنه، لكن من الواضح أيضا أن المسلمين خلال قرون طويلة خلت عملوا بجد وإخلاص في حفظ النقل والمنقول وأحدثوا لذالك علوما وفروعا أبدعوا فيها، لكن مياه الأمة الفكرية أمست راكدة خلال القفزة العالمية المنصرمة، والتاريخ يشهد أن هم العربي حين أطلقت الطائرات وصنعت الرادارات كان رَغيف خبز يَأكله وشِبر أرض يُحرره، و العالم الغربي وان أنكر فان له يدا خفية في ذالك.
هذه المؤاخذة لا تمنع النظر في ثرات العالم الإسلامي فكريا على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ابتداء لابد من الخروج من دوامة السؤال البليد "هل أنت مع شريعة أم ضدها ؟" لأننا هنا لا نصنع أكثر من تفرقة بئيسة بين المسلمين تنتهي دائما بخروج كلا الفريقين من أرض الواقع الى مناكفات مريخية لا تعود على الأمة بنفع، والنتيجة اعتزال من ينتظر خلافة ما ستُنزل الأحكام الشرعية دون أن يسأل كيف ومتى وما دوره في ذالك وبين ومن يدعوا لإزالة ما لا يتناسب "كما يدعي البعض" أو تأويل النصوص القطعية لتوافق ما يريد البعض الأخر، وعموما كلا الفريقين يقدم طرحا فقير فكريا وواقعيا.
اليوم نحتاج بدل ذالك لدراسة ليس للإسلام كدين ولكن لنظرة المسلمين للإسلام شموليا وتفصيليا كتطبيق، فللأسف كل فريق يدعي فهما ويتأول النصوص حسب ما تقضي حاجته الشخصية والسياسية بحجة أو بأخرى، اختلاف وغموض يفرض على مفكري الأمة وعلمائها احداث وحدات مستقلة ماليا وسياسيا لدراسة المنهج الاسلامي على مختلف الأصعدة والقضايا والمجالات وتقديم بحوث متكاملة تتضمن رؤية بعيدة المدى ودراسة للحيثيات المحتملة مع تقديم تصور واقعي لما خَلص إليه، بذالك يكون النص المقدس في حفظ تام محاط بفهم عميق يُمكن المسلمين من استيعاب علاقته بواقعهم المعيش، ويصدر للغرب دراسة منطقية لها حججها واستدلالاتها لأن الغرب لا ينتظرون أن تتلو عليهم آيات القرآن بل أن تجادلهم بما يفهمون من لغة عقلانية معمقة، تماما على عكس ما يقع حاليا اذ أن الأمة تنطق بلسانهم وحضارتهم في حين عليها التكلم بطريقتهم و بمبادئها.
من الضروري اخراج الرؤية الاسلامية من جدلية ربط الاسلام بأفعالٍ محددة ثابتة أو ربطه بقيم فارغة المضمون تحلق في السماء كالتسامح والسلام والجمال وتلك الشعارات التي تفرغ الاسلام من منهجه الذي يلتزم به، ومن المخجل أن ينحشر المنهج الاسلامي بين النقاب واللحية والمظاهر أو بين أحكام الحيض والنفاس والوضوء كما نشهد في النقاشات والمناظرات داخل الوطن العربي، التي من المفترض أن تضع على طاولة النقاش مثلا - بديلا اسلاميا للمنظومة المالية العالمية المتصدعة أو حلولا اسلامية لمشاكل الطبقية البرجوازية الحالية في داخليا وخارجيا أو طرحا بهذا الوزن بدل المهاترات هنا وهنالك.
يبدأ هذا الوعي من الاعتراف بأن الاسلام منظومة متكاملة الاركان لها ثوابتها وقيمها، وأن الشريعة اللإسلامية أو القانون الإسلامي ما هو إلا نظرة لمختلف التحديات الانسانية المعاصرة وما نراه اليوم ما هو خطأ المسلمين اولا وأخيرا،هذا الجيل يجب أن يحمل مسؤولية تقديم الاسلام للغرب والعرب لا كنصوص و أوامر لكن كأطروحات اقتصادية وسياسية تنافس الرأسمالية وتتحدى الديمقراطية دون المساس بشئ من ما ثبت قطعيا من المصادر الشرعية.
عدد التعليقات (1 تعليق)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟