الرئيسية | أقلام حرة | فقط بخصوص المصطلح

فقط بخصوص المصطلح

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
فقط بخصوص المصطلح
 

 

الإرهاب هو تعريف مصدر فعل أرهب يرهب إرهابا، بمعنى أخاف يخيف تخويفا، وهو -بهذا المعنى- ليس له حكم شرعي(ولا قانوني) واحد قار، وإنما يخضع لأقسام الحكم الشرعي الخمسة انطلاقا من الواجب، وصولا إلى الحرام، مرورا بالمندوب والمباح والمكروه(وقانونيا يتأرجح(حكمه) بين الإلزام، والمنع، والاختيار).. فهو يأخذ أحد أحكامه هذه انطلاقا من حيثياته وسياقه وظروف إيقاعه..

 

فإرهاب المجرم المعتدي -مثلا- واجب ضروري، كيما يرتدع،، أما إفزاع الآمن البريء فهو جريمة في الشرع قبل القانون، وبينهما لكل حادث حديث، ولكل حدث حكم.. وبصفة عامة فإن التخويف -بغض النظر عن آلياته، ومآلات الإحجام والإقدام بين نتيجتي التعزيز السلبي أو الإيجابي(ثواب/عقاب)، بشكل مباشر وآني، أو موعود وآجل- أقول: مبدأ التخويف لا يغيب من حياة الصانع، ولا من حياة الموظف، ولا من حياة التلميذ، ولا من حياة السائق... ولا من حياة مؤمن(بأي دين)، حيث أنه لكل عمل جزاء سلبي أو إيجابي، مادي أو معنوي، والمرء يسعى بين الثنائيتين، هروبا من الوقوع في أحد الحدين، وطمعا -في المقابل- في الظفر بالحد النقيض.. وفي كل الأحوال، فإنه لم تقم شرائع السماء ولا قوانين الأرض إلا على متلازمتي الترغيب والترهيب..

 

وعليه، فإن التحفظ على مصطلح "الإرهاب" إذن هو أولا بسبب مبنى المصطلح ذاته الذي لا يؤدي -لغة- المعنى المقصود منه بالدقة المطلوبة، وثانيا لأن الإطلاق السائد في نبذه وتجريمه من حيث المبدأ -هكذا كلفظ- يخلق صداما صريحا ومباشرا -وبنفس المنطق اللفظي المقابل- مع أمر صريح ورد في نص قرآني كريم قطعي الثبوت والدلالة، مما يجعل موقف المسلمين من الآية الكريمة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، مرتبكا!!

 

إن الشيء الأكيد هو أن الإصرار والإجبار على اعتماد هذا المصطلح بالضبط(بصيغته العربية)، هي مسألة غير عرضية وغير بريئة.. فقد تم فرضه من طرف معاهد البحوث والدراسات السياسية والفكرية والاستراتيجية، ومؤسسات الابتكار والنحت والتوليد اللغوي الغربية(ملحقات المخابرات، وقاطرات توجيه السياسات الخارجية)، ذلك أن العرب لا يملكون إمكانية الاتفاق على مصطلح واحد بعينه من بين عدة مصطلحات تؤدي كلها نفس الترجمة اللغوية للفظ الغربي، خاصة وأنه يمكن الاستعاضة عن المفردة بمرادفاتها ذات الحمولة غير المحايدة(سلبية)، وهي كثيرة ومتعددة: الترويع، الترعيب، الإرعاب، التفزيع، الإفزاع، الإذعار...، كما وأنه يمكن التعبير عن المفهوم بـ"الجريمة" مضافا إليها نعت أو قيد يخصصها عن باقي أنواع الجرائم الأخرى...

 

فلماذا الإصرار على اختيار واعتماد -بإجماع-، بل وفرض اعتماد مصطلحنا المنهاجي القرآني هذا، دون غيره من بضع مصطلحات أخرى متاحة كترجمة معتمدة، وتؤدي المعنى بأكثر دقة، ولا تصادم أصحاب عقيدة مع مراجع معتقداتهم؟؟!!!

 

إن المنهجية قارة وبسيطة للغاية تتلخص في اعتماد قطبي ثنائية متضادة: من جهة الترويج لمصطلح إسلامي تراثي أصيل، وإرغام الجميع(أولهم العرب) على اعتماده حرفيا، ومن جهة أخرى تحميله دلالة سلبية وشحنه بحمولة قدحية، بواسطة حملة إعلامية دعائية جارفة، ليتم هجرانه ونبذه من طرف أهله قبل الغرباء، وبالتالي نكرانه، ونحن طبعا نطبل ونزمر في مواكبهم،، ومواكبتهم، تبرأً ومجاراة وسعيا للترسيخ!!

 

وللأسف فإن هذه الاستراتيجية قد أضحت سلسلة متعاظمة من التمرير السلبي للفكر المتغلب.. فهم(الغرب المتغلب) قد جرموا وأنكروا(في المدى القريب جدا) "الأصولية"، ثم بعد ذلك مروا لدال ومدلول صريحين، مثبتين في القرآن الكريم: مصطلح "الإرهاب". وبعد تحقق الهدف، تقدم القوم إلى المرحلة الموالية: اعتماد نفس المنهجية والاستراتيجية الناجحة مع لفظة "الاستشهاد". وفي المرحلة الراهنة، ها هم قد وصلوا(راجعوا قنوات أوربا الإخبارية الناطقة بالعربية) إلى كلمة "الجهاد"... والحبل على الجرار،، حتى لن يبقى في بنوك القواميس إلا مفردة "الإسلام" نفسها.. وهي، في غالب الظن، موضوع المرحلة المقبلة..

 

أمَا وأنه من الممكن جدا رفض فعل أو مفهوم -إذا كان مرفوضا شرعا- دون ربطه بمصطلحاتنا المنهاجية، بل باستعمال المصطلحات العديدة التي يمكن أن تؤدي المعنى دون الإضرار -هذه المرة- بالمبنى!!

 

إن الغوص والتدقيق والتأصيل اللغوي والمنطقي يكشف سذاجة وسطحية وببغائية المرددين المتهمين والنافين على حد سواء، بحسن نية، أو بسوء طوية.. غير أن المؤاخذة هنا تطال بالدرجة الأولى، وبحدة، بني جلدتنا(للأسف، من بينهم كثير من الإسلاميين)، ذلك أن عددا كبيرا من علمائنا وفقهائنا وشيوخنا ودعاتنا يجدّون ويكدون في إعطاء الحلول السحرية عندما يتحدثون عن الطرق المثالية لمواجهة "الإرهاب"(بالحرف) والتطرف، كلما حدث حادث نُسب إلى المسلمين ظلما وبهتانا، في تبنّ مجاني مبالغ فيه لهذا المدعو، ملبّسين التهمة لأقوامهم من جهة، مكرسين استعمال المصطلح، بما يرتبط بذلك من مفاسد، من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة قالبين المشهد رأسا على عقب، إذ هم يصورون الوضع وكأن سبب القتل والدمار والتشريد والتنكيل والتعذيب والحبس والتخلف والتجهيل والأمية والفقر والاستبداد والاحتلال... الذي يعرفه العالم، هو بسبب هذا الذي يزعمون، والذي يصدر عن قوة، وليس بسبب الهوان والذلة والضعف و"التسامح"...، الذي تغرق فيه الأمة إلى الأذقان،، وكأن للمسلمين اليد الطولى في صناعة القوة، وكأن لهم اليد العليا في إدارة الصراع!!

مجموع المشاهدات: 1814 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة