الرئيسية | أقلام حرة | من الخيال السياسي...

من الخيال السياسي...

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
من الخيال السياسي...
 

 

رن الهاتف بمقر حزب الشباب الديمقراطي. أخذ عماد – عين الحزب التي لا تنام – السماعة. قبل أن ينبس بكلمة، جاءه صوت عميق  و بارد على الخط:

- أعرف أن معظم أعضاء الحزب يتواجدون بالمقر. سينقطع الماء و خط الهاتف و التيار الكهربائي الخاص  ببنايتكم. آه، باب الحزب مغلق. ليلة طيبة و تحياتي لمرشحكم في الدائرة السابعة. 

قبل أن يسأل علاء عن هوية المتحدث أو يستفسر عن أي أمر، انقطع خط الهاتف. ما إن هم عماد بنقل فحوى الرسالة الهاتفية إلى أعضاء الحزب حتى كان التيار الكهربائي قد انقطع. ، بينما أعضاء الحزب يتساءلون بحيرة فيما بينهم عما حصل ،  استعمل عماد بطارية هاتفه الخلوي ليهبط سلالم الطابق الأول ليفتح باب الحزب. بقلق و خوف شديدين حاول أن يفتح الباب... لكن، الباب لم ينفتح... تأكد عماد أن الرسالة المجهولة ليست بتشويش كاذب. إنهم سجناء في مقر الحزب بلا ماء و لا كهرباء و لا هاتف. 

حاول بعض أعضاء الحزب استعمال الهاتف الخلوي لطلب النجدة، و لكن لدهشة الجميع، " المرجو الاتصال لاحقا" هي الجملة الوحيدة التي كانت ترد على نداء استغاثاتهم.

كانت الساعة العاشرة ليلا. و الفصل شتاء و السماء تمطر بقوة. الظلام الشديد في مقر الحزب لعب على أعصاب الجميع. التوتر و الترقب و الخوف الحذر كانت هي سمة الموقف. من وراء الرسالة الهاتفية؟ و ما هو هدفه؟ و ماذا يريد أن يثبت بتركهم سجناء في مقر حزبهم بلا ماء و لا كهرباء؟  

حزب الشباب الديمقراطي لم يكن يثير حفيظة أو فضول أحد. كان حزبا صغيرا غير قادر على أن يفوز بأي مقعد برلماني. كما أنه لم يكن له حضور بارز في وسائل الأعلام. و لكن مختلف الجهات كانت بطريقة ما  ممتنة بتواجده في الساحة السياسية، فعلى الأقل اسمه كان يبدو لطيفا.

لهذا عندما قرر حزب الشباب الديمقراطي ترشيح "مراد النجار" في الدائرة السابعة، لم يكترث و لم يعارض أحد. الدائرة السابعة كانت معقلا لأحزاب كبيرة و عريقة. و في الواقع، كان يهيمن عليها أباطرة المخدرات. و لهذا الأحزاب الكبيرة لتضمن تواجدها بالدائرة السابعة، قبل أن تزكي أي مرشح كانت تأخذ الإذن من هؤلاء الأباطرة. و كثيرا ما كانوا لا يثقون بأحد و يفضلوا  أن يرشحوا واحدا منهم، فتذعن الأحزاب إلى الأمر  بعد أن يتحرك المال في كل اتجاه.  

بدا واضحا أن "مراد النجار" أثار قلق جهات معينة. و بعد أن كان ترشيحه من طرف حزب الشباب الديمقراطي نكتة تتداولها الأوساط السياسية باستهزاء، أصبح خطرا يهدد الأحزاب الكبيرة و أباطرة المخدرات. لقد دخل إلى مربع العمليات الضيق. 

" مراد النجار" كانت لديه رغبة كبيرة للفوز بالانتخابات. و كان حيويا و يمتاز بالحماس و الصبر. و رغب دوما في كسر الحاجز بين المواطن و السياسة. كان يتحدث مع الشباب و الشيوخ و النساء و الأطفال. يتحدث مع المومسات و المتسولين و المتشردين و اللصوص. يتحدث مع التجار الصغار و الحرفيين و الأجراء.  كان حلو اللسان و يعتقد بإخلاص أن الحزب عليه أن يساعد مختلف شرائح المجتمع دون أن يقصي أحدا. و كان يعتقد أن السياسة وجدت لترقية المجتمعات و ليس لتدهورها و دمارها.

و على ما يبدو، كانت توجد أعين خفية تراقب تحركات " مراد النجار". و لم تكن راضية  مما يحدث و أصبحت متوجسة من المنحى الذي قد تأخذه الانتخابات في الدائرة السابعة هذه المرة.

وسط الأجواء المتوترة و الظلام، تحدث "مراد النجار" بصوت قوي و هادئ مطمئنا باقي الأعضاء:

- ما حصل الليلة يدل أننا في الطريق الصحيح. و لا و لن نتراجع. إنها الحادية عشر ليلا. الله أنعم علينا بالظلام الليلة لنخلد في نوم عميق و لنرتاح قليلا لأننا أجهدنا أنفسنا كثيرا في الأشهر الأخيرة. ليلة طيبة و تأكدوا أن الله يحرسنا. غدا ينتظرنا عمل شاق إنشاء الله.

عندما ذكر مراد أعضاء الحزب بالمجهود الكبير الذي قاموا به في الأشهر الأخيرة، شعر الجميع بالتعب و العياء و برغبتهم الشديدة في الاسترخاء فقرروا النوم.

استيقظ الجميع بذعر على صوت الهاتف و هو يرن. كانت السابعة صباحا. قفز " مراد النجار" ليرد على الهاتف. ففاجأه  صوت من و راء السماعة يقول: " صباح الخير مراد. أليس كذلك؟ لا بد أنك تتأمل الأسقف و الحيطان باحثا عن كاميرا للمراقبة. ( يضحك باستهزاء) الكاميرات اتركوها للمبتدئين...تأكد أننا  نوجد في خلاياك... فهمت أننا جديون و لا نمزح. اسحب ترشيحك اليوم و إلا التهديد سيكون دمويا غدا".

انقطع الاتصال. ظل مراد مذهولا للحظة. شيء ما في أعماقه أخبره أن التهديد جدي. فكر للحظه بإخبار السلطات. و لكنه كان يدرك أن الاغتيالات السياسية فوق القانون و فوق السلطات. مهما حاولت السلطات حمايته، فإنها ستبقى عاجزة. و في السياسة كل شيء مباح. و قد يتحول إلى مادة للتفاوض و هو لا يريد أن يتحول إلى قضية أو ملف. كما أنه يعرف أن المواطنين إذا  أدركوا أنه مهدد قد لا يصوتوا عليه لأنهم لا يريدون الدخول في المشاكل و سيخافون على حياتهم و حياة أسرهم. عليه أن يظل قويا و صامدا. توجد أشياء في الحياة لن يدبرها إلا لله سبحانه. قرر أن يستمر مهما كان الثمن. لن ينسحب من الترشيح. و اتفق مع مختلف أعضاء الحزب أن يتجنبوا الاجتماعات في الحزب لأنه من الواضح أن الحزب مراقب.

في التاسعة مساء، رن هاتفه الخلوي. انقبض قلبه. شعر بالغضب و الحنق. عماد دهسته سيارة كانت تسير بسرعة مجنونة. عماد كان أكثر من أخ في الحزب. فهو كان كاتم لأسراره و يخبره بكل ما يدور في الحزب بغيابه. بينما كان يفكر في المرحوم عماد، رن جرس الهاتف، ليخاطره الصوت البارد المشؤوم : " فهمت أننا لا نمزح. قلنا لك التهديد سيكون دمويا. أخر إنذار، اعتذر على حضور التجمهر الخطابي في سينما الريف و إلا حياتك ستكون الثمن هذه المرة"

حضر مراد جنازة المرحوم عماد. و ازداد إصرارا على المضي قدما. لن يخضع للتهديد و لو كلفته حياته. لن يعتذر و سيحضر المهرجان الخطابي و سيلقي كلمته.

أثناء المهرجان الخطابي، و هو يلقي كلمته أمام ألاف الحشود. توصل برسالة نصية  عبر هاتفه.  " لقد نجحت في الاختبار. مرحبا بك في الدائرة السابعة".

عندما قرأ الرسالة، تذكر مقتل صديقه عماد و شعر بالغثيان من السياسة. و أدرك أنه أبدا لن يستطيع أن يعود كما كان.

 

 

 

 
مجموع المشاهدات: 1139 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة