الرئيسية | أقلام حرة | وماذا من وراء حكومة الربيع المغربي؟

وماذا من وراء حكومة الربيع المغربي؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
وماذا من وراء حكومة الربيع المغربي؟
 

 

مهما صبر المواطن على الحيف الاجتماعي الذي يعيش في كنفه، ومهما أجّل غبنه المتجلي في الفقر والتهميش اللذان يشدّدان الخناق على حياته اليومية، فإنّ رؤيته الفوارق الاجتماعية الصارخة بين الشرائح المكونة للفسيفساء الاجتماعي من جهة ووعيه بعدم قدرة الفاعل الحكومي على الوفاء بوعوده فيما يتعلّق بالشغل والتطبيب والتعليم والسكن من جهة ثانية، قد يسائلنا إلى أين نسير؟ وما هو المصير؟ وهل الدستور الذي أسال بحرا من المداد قد حسّن من المستوى المعيشي للمواطنين وساهم في ترقية الوعي الديمقراطي؟ وهل آلية الانتخابات حلت جل مشاكل الطبقات الشعبية التي تعيش ويلات ارتفاع الأسعار وتعاني من تبعات التدبير الارتجالي للحكومة الحالية بل كل الحكومات التي تعاقبت على تسيير الشأن العام الوطني منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا؟

لا بد أن نشير أولا إلى إشكالية التعليم الذي يظل العائق الرئيسي أمام التنمية البشرية في المغرب نظرا للتمدرس غير المنتج والكافي للناشئة والضعف في اكتساب المهارات واتجاه الفاعل الحكومي إلى خوصصة التعليم، ولا أدلّ على دلك عندما وصف وزير التربية الوطنية بأنّ المدرسة العمومية ببلادنا تعلم أبناءنا " الخرايف ".

كما نسجل غياب مقاربة شمولية فيما يخص الملف الاقتصادي ببلادنا حيث تميزت السنوات الماضية بتأثر النسيج الانتاجي الوطني وبالانكماش الاقتصادي، وباستمرار المستويات المرتفعة لأسعار الموادّ الطاقية وبتساقطات مطرية ضعيفة، وهو ما أفضى إلى تباطؤ وتيرة النموّ الاقتصادي خلال تلك السنوات وانخفاض عدد مناصب الشغل بل واتساع شعاع العطالة ولا سيما ضمن صفوف حاملي الشهادات وذوي الكفاءات.

ومن جهة أخرى، فإن متوسط العجز الذي عرفته السنوات المالية في عهد الحكومة الحالية والذي أدى إلى ارتفاع الدّين الخارجي لتغطيته قد فاقم من الوضعية المالية للخزينة وجعل صندوق النقد الدولي يدخل على الخط، إذ اعتبرته الحكومة كحل سهل وتدبيري من أجل استعادة التوازنات الضرورية لمواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. و لعل  هاجس تأمين التوازنات الماكرو-اقتصادية قد أطلقت العنان لحكومة بنكيران إلى  استهداف ملفي صندوق المقاصة والتقاعد و اتخاذ تدابير لا شعبية في حق الشرائح الاجتماعية و التي مست حتى الطبقة المتوسطة من خلال الزيادات المتتالية  في الأسعار :إن على مستوى المواد الغذائية و المحروقات أو الخدمات  ، و في المقابل تم سد باب الحوار الاجتماعي أمام الفرقاء الاجتماعيين و التماطل في إيجاد الحلول القمينة بإحراج المغرب من مستنقع الفوارق الاجتماعية  عبر التوزيع العادل لخيرات البلاد و الحد من الفوارق الواضحة في الأجور و كذا تنزيل القوانين الدستورية ذات الصلة بالتنمية البشرية  و المسارعة إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية الكفيلة بتقليص العجز وإعادة خلق هامش للفعل والمبادرة لصالح سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ....

دونما شك أن الوضعية التي أمسى يعيشها المغرب حاليا قد أصبح يتطلب منا أكثر من أي وقت مضى تأهيل القضاء وجعله سلطة مستقلة حقيقية وقاطرة للتنمية البشرية المنشودة وكذا تخليق الحياة السياسية والقطع مع التوافقات المبنية على الإرضاءات والولاءات والشروع في التفعيل العملي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ونهج سياسة واضحة المعالم لاسترداد الأموال المهربة إلى الخارج وتفعيل المتابعة القضائية ضد المتورطين في ملفات الفساد ولا سيما في حق " مدبّري الأموال العامة " ...

الآن، نتساءل عن الآلية الدستورية لمعالجة الأوضاع القائمة ببلادنا و كيفية تجاوز الحلقة السياسية المفرغة و المنهجية التدبيرية المجترة التي تعيد إنتاج نفس أسباب  الجمود التي أدت إلى طول مسافة الإنتظارية و عدم الخروج من قوقعة التخلف المنعكسة في مرآة الأوضاع المعيشية المتردية لجل الشرائح المجتمعية ، و تعتبر الأحزاب السياسية  في هذا الصدد من أبرز الآليات و القنوات التي من شأنها الاضطلاع بأدوار مهمة في الحياة العامة : لكن عدم التجذر الاجتماعي للأحزاب و عدم تعبيرها عن مواقف و قناعات و تطلعات المجتمع ،قد يقودنا حتما إلى استمرار تحكم نخب غير متجددة في دواليب الشأن العام و بالتالي إبقاء الوضع " هو كما هو" أو أقل من ذلك بكثير  : و بعبارة أخرى ،فلابد من وجود أحزاب حقيقية و تعددية حزبية  في أبعادها السياسية و الاجتماعية و الثقافية  حتى نوفر و نخلق الشروط الموضوعية لديمقراطية حقيقية قمينة بحل المعضلات المطروحة على جدول الإنتظارات الوطنية و تكون كذلك قناة للارتقاء بالوعي الجماعي إلى الأفضل و فرصة لإدماج الكفاءات البشرية في الدورة التنموية من منطلق تكافؤ الفرص و روح المواطنة، وليس وفق منطق الزبونية والمحسوبية و القرابة الدموية و العائلية...

و عليه،و في غياب إصلاح سياسي مقرون بإعادة النظر في قوانين الأحزاب و إخراج قانون للنقابات يكون في مستوى تطلعات الجماهير و متماشيا مع روح العصر، فإن الولايات التدبيرية للأحزاب السياسية التي ستقود التجارب الحكومية المقبلة قد لا تغيّر قيد أنملة في البناء المؤسساتي الحقيقي النابع من الغيرة الوطنية و المؤطر بروح المصلحة العامة و المسند بإرادة سياسية صادقة يحترم فيه الجميع اختصاصاته الدستورية من  طرف الفرقاء السياسيين و الاجتماعيين و الاقتصادين مع الفصل الحقيقي للسلط كضمانة للاصطفاف في خانة الدول الصاعدة .

مجموع المشاهدات: 1480 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة