الرئيسية | أقلام حرة | السياسة والسفاهة.

السياسة والسفاهة.

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
السياسة والسفاهة.
 

 

 

           السياسة قبل أن تكون مساطر وقرارات وتخطيط وتسيير وحكامة وقوانين وبعد نظر واستباق واستراتيجية وتكتيك ونظرة شمولية ونظرة دقيقة في كل لحظة وزمان ومكان ،  هي  اخلاق وعمل نبيل وفن وعلم ومعرفة ، والأخلاق هي التي تضفي على  السياسة ذلك الوجه المشرق وترفع من ثقة الناس في ممارسيها ، لأن العمل من أجل الرفع من الشأن العام وخدمته هي قمة التنازل عن الأنا وسحقها لترتفع نحو أفق ال "نحن" ، والسياسة ليست مجموعة عواطف ومزاجيات بل هي ترسانة من التأمل وجيش من العقول المفكرة في كل ما يحتمل وما يستبعد من التصور في العقل العادي ولكن العقل السياسي يستحضره ليجعل منه مادة للتحليل والدراسة لينفع في الوقت المناسب وليس العمل بالترقيع وبأسلوب من يترك العمل حتى يحين وقته ولا يستطيع مواجهته في كل تطوراته واحتمالات لم تكن في الحسبان            .                                                                                                                                                       

ومناسبة هذا التوضيح هو ما جرى في البرلمان المغربي يومه الثلاثاء 28أبريل 2015، حيث شاهدنا وسمعنا وقرأنا وكنا شهودا على برلمان خرج منا وصار يخيفنا ونحن الذين وضعنا فيه الثقة الكاملة للحديث بالنيابة عنا في كل الأمور التي تشغلنا من تعليم وشغل وصحة وسكن ، لكنه لم يقم بذلك على أحسن وجه وضمن منظومة أخلاقية ترقى بالذوق السياسي وتراكم تقاليد برلمانية يسوده الاحترام والتقدير للرأي والرأي المعارض. هل العيب فينا نحن الذين صوتنا على أحزاب وأشخاص ليسوا في المستوى المطلوب أم أننا بعنا أنفسنا لهؤلاء السماسرة وكان لهم ما أرادوا حيث عبثوا بكل الشأن العام وصاروا يجعلونه محط الهزل والسب في حضرة المكان الذي كان أن لا ينطق فيه إلا بكلمة الحق   ، فمن التعري والنوم والملاكمة الى السب والقذف الى السفاهة وغدا ماذا تبقى من بذيء الأعمال والأفعال لم تشهده ردهات وقاعات البرلمان بغرفتيه؟                      .                                                                 

 فبين السياسة والسفاهة وجب أن تكون جدران منيعة بحيث لا يمكن تصور أن ينسل السفه لرجال السياسة وإلا بطل العقد السياسي الذي يربط الناخبين بالمنتخبين وصار لاغيا ملغيا ووجب حل البرلمان وإن كان هذا الشرط غير وارد ضمن شروط الحل المنصوص عليه في الدستور ولكن بحكم الواقع السياسي الذي يتسم بالسفاهة وتبادل التهم بها فلا بد من وضع حد لمثل هذا المشهد السياسي الذي يرمينا في دهاليز من الظلام السياسي بلا أفق .  فالسفيه هو ذلك الشخص الذي يعتريه نوع من الخفة فيصير ذاك الذي يقوم بأعمال مخالفة للعقل ويتصرف في ماله بالتبذير فوق الحدود المقبولة، والسفيه ليس معتوها ولا مجنونا لأنه في كامل قواه العقلية ولكن يشبههما في بعض تصرفاته   ، هذا التعريف ينطبق على الشخص المسؤول عن ذاته ورغم ذلك يتدخل القانون ليتم الجحر عليه حتى لا تضيع أمواله وأموال ذويه، فما بالك عن السفيه في السياسة الذي يعمل في ماكينة صنع القوانين بما فيها القانون المدني الذي يضبط كيفية صحة العقود المدنية واستبعاد السفيه من أن يبرم عقودا واسقط عنه الأهلية الكاملة لتصبح ناقصة حتى لا يؤذي الآخرين بتصرفاته السفيهة ، فالسياسي  يتحمل المسؤولية ، مسؤولية الشأن العام ، أما السفه في السياسة فطامة كبرى لأنه سيبذر المال العام في غير موضعه ، وهذا وارد في كثير من الحالات التي نراها في العمل السياسي المغربي سواء على الصعيد الجماعات المحلية أو الصعيد المركزي والوطني لأن لا محاسبة ولا مراقبة غالبا ، مما يشجع على تلك الممارسات البذيئة.   ولكن كلمة  السفاهة المتبادلة في جلسة عامة للبرلمان المغربي تعد نقطة والرجوع للسطر لكتابة صفحة سوداء لبرلمان ليس فيه ما ينبئ بتطور ايجابي للديموقراطية المراد إقامتها ، ومرحلة سياسية غامضة وسط محيط إقليمي ودولي متوتر مليء بالمشاحنات والتهديدات الإرهابية وجبهة داخلية في أمس الحاجة الى التلاحم لمواجهة كل ذلك .         والقول بقدوم مرحلة سياسة غير واضحة الملامح ليس تشاؤما في التحليل بقدر ما هو نقل لواقع سياسي يسير نحو ذلك ويؤسس لها من خلال الممارسة اليومية للبرلمانيين ومكونات المؤسسة التشريعية  السياسية ،فها هي  النقابات الأساسية تقاطع الاحتفال باليوم العالمي للعمال لأنها لم تجد محاورا يفتح لها الأبواب بالرفع من مستوى النقاش وأخذ مطالب العمال والطبقات المسحوقة بعين الحكومة في رسم سياساتها الاجتماعية والاقتصادية. وغدا تدخل الفرق البرلمانية المعارضة في مقاطعة اشغال البرلمان احتجاجا على سلوك رئيس الحكومة الذي كان عليه أن يظهر المرونة الازمة لأنه ضيف على البرلمان كما أن على المعارضة أن تظهر النضج المطلوب من خلال اللجوء الى ما يمنحه الدستور من اختصاصات لمراقبة الحكومة عوض الدخول في صراع يدور في نفس النقطة التي لن تفك المغرب من القيود التي تقيده للإنطلاق نحو التطور والتنمية  . لماذا هذا الموقف الوسط بين طرفي الصراع السياسي ؟ لأننا في مرحلة لا نريد فيه أن نكون من مطعمي التطرف كيفما كان،  لأن من خلال المواقف المتطرفة والقرارات التي تجاري ذلك التطرف بالتطرف تسقط كلها في التطرف الأعمى الذي لا يبقي ولا يذر. والحال اننا في حاجة الى الأمن بمفهومه وتأويله الواسع حيث نأمن في أفكارنا وممارساتنا وقراراتنا ولا نقيم الدريعة على الأخر لنستفزه ولو كان مخطئا في مواقفه علينا أن نبين ونوضح ونشرح بأسلوب الذي يتعلم دائما ولا أحد يملك الحقيقة ولا أحد يتمتع بمواطنة أكثر من الأخر ولا أحد أحق له بالمغرب من الأخر الكل سواسية وكل وفق ما يقدمه من عمل وجهد لهذا البلد العزيز علينا جميعا كل وفق موقعه يعبر عن ذلك او لا يعبر المهم أنه مغربي يطمح الى ريادة بلاده ويتجلى ذلك بوضوح لدى الأحزاب السياسية التي لها منابر عديدة للتعبير والعمل لتبيان مقدار حبها للوطن من خلال برامجها السياسية والاقتصادية التي تسعى الى تطبيقها من خلال تقديم مقترحات قوانين وانتقاد الحكومة وتوجيهها وتوجيه الرأي العام الى أخطائها وتبيان البدائل التي يمكن أن تتخذها لما تصل هي بدورها الى سدة الحكومة  .  أما أن تكون المعارضة عبارة عن صراخ وتطبيل على الطاولة فلا ينفع ذلك شيئا المغاربة ولا يرقى بمستوى نخبنا السياسية الى مصاف الدول الديموقراطية بل سيكون برلماننا محط سخرية ومشهدا من مشاهد التخلف السياسي لا أقل ولا أكثر  .   

مجموع المشاهدات: 1572 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة