الرئيسية | أقلام حرة | لم تسفيه السياسي؟

لم تسفيه السياسي؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
لم تسفيه السياسي؟
 

 

السياسي اليوم أصبح هو تلك الشماعة التي نعلق عليها جبننا و عجزنا و لامبالاتنا. السياسي اليوم هو كبش الفداء الذي نقدمه قربانا لإخفاقات مجتمع بأكمله. السياسي  قد يكون هو ذلك المايسترو الذي يدير فرقة موسيقية. و لكن ماذا لو لم تكن توجد فرقة أصلا؟ فهل سنلوم المايسترو لأنه يقود فرقة بلا جوق؟ أم سنلومه مثلا لأنه يقود فرقة من الكسالى و عديمي الضمير؟ أليس من العبث أن نلوم لصا لأنه سرق لصا أخر؟

إن نواب الأمة و للأسف يمثلوننا. هم جزء منا و نحن جزء منهم. هم نحن و نحن هم. إنهم يعكسون جبننا و ضعفنا و طمعنا و جشعنا و اتكالنا و لا مبالاتنا. يعكسون تواطئنا و سلبيتنا و عجزنا و مستوانا. إنهم يعكسون واقعنا.

إن نواب الأمة " السفهاء" لهم حراس " سفهاء" ينقضون على كل من سولت له نفسه أن يعارضهم ، لهم مديري حملة " سفهاء" يديرون لهم حملاتهم الانتخابية، لهم قاعدة انتخابية " سفيهة" تصوت عليهم، لهم مناضلين " سفهاء" مقتنعون بأطروحاتهم ، لهم رجال أعمال " سفهاء" يدعمونهم، لهم مال " سفيه" يوزعونه بسخاء، لهم لوبي " سفيه" في الإدارات و في مراكز صناعة القرار متواطئون معهم،  لهم خصوم " سفهاء" لا يقوون  على مواجهتمهم فيكتفون بالهمس و اللمز في غيابهم و بطلب الود و تقديم صكوك الولاء و الطاعة  في حضرتهم، لهم إعلام "سفيه " يلمع صورتهم، لهم أحزاب " سفيهة" منحتهم تزكيتها و باركتهم و أقرت ضمنيا بأنهم من خيرة من يمثلون إيديولوجية حزبها و ينفذون برامجه ،  لهم واقع" سفيه" يساعدهم في تبرير و شرعنة " سفاهتمهم".

فكل يرلماني يحتاج على الأقل إلى أكثر من 6 ألاف  صوت، أي على الأقل إلى دعم و مساندة ستة ألاف مواطن ينتمي إلى إقليمه. و هو رقم ليس بالهين إذا نظرنا إلى عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية و في نفس الوقت هو رقم يكاد يكون نكرة إذا نظرنا إلى عدد ساكنة الإقليم.

و قد تكون الإشكالية هنا، فالفاسدون و إن كان عددهم قليل فإنهم يؤمنون بضرورة خوض معارك الحياة، و بأهمية اللعب في جميع الظروف و كيفما كانت الأرضيات. يدركون بأن الإنسان و جد ليعمل سواء عمل الخير أم الشر . أما الآخرون فإنهم يتفرجون على مباراة الحياة، فيبتسمون و يهللون بتفاؤل و ببلاهة عندما تبدو لهم أن الأوضاع قد انفرجت و الفساد قد تلقى ضربة موجعة ، أو يعبسون و ينغمسون في التشاؤم  و اليأس عندما يكتشفون أن تجار المخدرات و تجار السلاح و مافيا العقارات و الأدوية هم من يتحكمون في مصيرهم و مصير أبنائهم.

فيتبنى المتفرجون خطابا تيئيسيا مفاده أن معظم السياسيين مجرد كومبارس في فيلم رديء، و كل شيئ متحكم فيه، و لا فائدة من الانخراط في الأحزاب و في العمل السياسي. و هم بهذا و بلا وعي، ينساقون نحو نظرية المؤامرة و يساهمون في إنجاحها. و هم بهذا يحتقرون روح الإنسان فيهم، فيتخيلون أنفسهم كعبيد ضعاف بلا إرادة و بلا حرية، و حتى العبيد عبر التاريخ استطاعت أن تفك قيودها و تنطلق في بلورة برامج حياتها و تقرير مصيرها و تحقيق ذاتها.

فالله سبحانه و تعالى يقول في كتابه العزيز " و من يعمل مثقال ذرة"، و هذا يعني أنه في هذا الكون الشاسع الفسيح، عمل ضئيل قد يبدو بلا قيمة و بلا معنى له أجره و له تأثيره و قد يكون هو الفاصل بين العالمين، أي الجنة و الجحيم.  

فللأسف، لا توجد حلول سحرية و جاهزة لتنمية المجتمعات، إلا عبر و عيها و إرادتها و مشاركتها الفعلية في معركة الحياة بكل حلاوتها و ألمها. أما التفرج و الشكوى فلن يجلب سعادة و ازدهار لا الفرد و لا المجتمع.

 
مجموع المشاهدات: 1406 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة