الرئيسية | أقلام حرة | ماذا بعد الإقرار بالفشل، السيد الوزير؟

ماذا بعد الإقرار بالفشل، السيد الوزير؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ماذا بعد الإقرار بالفشل، السيد الوزير؟
 

 

     بمجرد اطلاعه على آخر تقرير حول الوضع الكارثي لقطاع التربية والتعليم، الذي احتلت بموجبه بلادنا المرتبة 73 إلى جانب دول عربية وإفريقية فقيرة، من بين 76 دولة عبر العالم شملها مؤشر جودة البرامج التعليمية، سارع وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بلمختار، إلى الإقرار صراحة بأن مضامين التقارير الدولية "تجعلنا نفهم ونعترف كم نحن فاشلون".

     ما كنا نعتقد أنه في حاجة إلى تقارير أجنبية، لاكتشاف الفشل الكبير في تدبير ملف التعليم، وهو الخبير بأسرار الوزارة العائمة في بحر الأوهام، بعدما حمل حقيبتها مدة أربع سنوات من عام 1995 إلى 1998 في عهد المرحومين الملك الحسن الثاني والوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي، دون أن يترك أبسط اللمسات من بصماته. ومن المخجل، ألا يكون على علم بالميزانيات الخيالية، التي أنفقت على استيراد برامج الإصلاح العادية والاستعجالية، التي لم تخلف عدا الإحباط. وإذ نهنئه على "جرأة" الاعتراف بالفشل، ولو بعد مرور عامين على ركوبه "سفينة البركة"، فإننا ندعوه إلى تقديم استقالته ل"الربان" بنكيران، والنفاذ بجلده قبل أن تصيبه لعنة الطرد، فيلتحق بزملائه المغضوب عليهم: بطل "الكراطة" أوزين وصاحب "الشكلاطة" الكروج و"الكوبل" الشوباني/بنخلدون. 

     وبديهي أنكم –السيد الوزير- فاشلون كسابقيكم، من الذين لا تتجاوز مهامهم حدود التشخيص والتمحيص والتنظير، وإلهاء المواطنين بترديد شعارات: الجودة، وتخليق الحياة المدرسية وإرساء دعائم القيم، والنزاهة والحكامة ومدرسة النجاح... إذ مازلنا نذكر حماس البداية ودعوتكم إلى إحداث ثورة عارمة في حقل التعليم، بتعاون مع مختلف القطاعات والمنتخبين والمفتشين والأساتذة والمديرين والأسر وجمعيات المجتمع المدني، بحثا عن حلول ناجعة لمشاكل المدرسة المتعددة والمعقدة. بيد أنكم لم تلبثوا أن عدتم لتحميل مسؤولية تردي الأوضاع وتراجع مستوى التحصيل المدرسي لدى ناشئتنا إلى المعلمين، الذين حسب رأيكم يدرسون "الخرايف" ويستنزفون مالية الدولة بدون فائدة، بل لم تشعروا لحظة بوخز الضمير، وأنتم تعزون أزمة المنظومة التعليمية إلى ضعف تكويناتهم وتراخيهم في القيام بواجباتهم. 

     وللتذكير ببعض مكامن الخلل الثاوية وراء هذا التدهور المقلق، والتي أدت إلى حلول بلادنا بمؤخرة الترتيب الدولي، فإننا بغير كثير من الجهد الفكري والاستدلال الطويل، نجد أن الدولة استمرت في تقاعسها منذ الجهاد الأصغر وطرد المستعمر الغاشم، ولم تبادر إلى صياغة سياسة تعليمية ذات أبعاد تنموية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. ذاك الشخص الذي بإمكانه الاضطلاع بواجباته وتقدير المسؤوليات، والسهر على تحديث البرامج والمناهج وربطها بسوق الشغل، والحرص على التدبير الجيد للموارد البشرية والمالية، وحسن التخطيط والشفافية والنزاهة والتشاور الإيجابي، في إطار مقاربات تشاركية حقيقية والتحلي بروح المواطنة والاعتزاز بالانتماء للوطن.

     إنكم فعلا فاشلون، لعدم رغبتكم جميعا في النهوض بالمدرسة العمومية، مادامت غالبيتكم لا يحركها إلا عقد الصفقات العمومية في عملية الإصلاح، التي غالبا ما يفرضها الملك محمد السادس والتقارير الدولية وضغط الرأي العام، الذي لم يفتأ ينادي بتخليص النظام التعليمي من الهيمنة الأجنبية. فضلا عن غياب الإرادة السياسية، وتضارب المصالح بين مختلف الحساسيات الوطنية، وعدم التوافق حول أهم الوسائل والأهداف والاختيارات الضرورية،  وإهمال التكوين المستمر وظاهرة الهدر المدرسي المتنامي بشكل فظيع، وإغفال العناية بجودة التعليم في انتقاء النماذج البيداغوجية والتحكم في تعلم اللغات والإعداد الجيد للاندماج في الحياة المهنية ونظام التقييم والإشهاد...

     فكلكم فاشلون السيد الوزير، برفضكم المتواصل العمل على دمقرطة التعليم على مستوى الاختيارات البيداغوجية والتنظيمية والتدبيرية والعلائقية، والتهرب من إقامة أسس العدالة ونشر حرية الرأي، وتحديد لغة التدريس بين العربية والفرنسية، وممارسة الحكامة الجيدة عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتكريس الجودة والنزاهة وتأمين تكافؤ الفرص. وتنحازون بشكل مكشوف إلى التعليم الخصوصي، الذي يحظى بجودة عالية في المدارس الخاصة والبعثات الأجنبية على حساب التعليم العام في المدرسة العمومية، مما ساهم في خلق تمييز مدرسي طبقي. علاوة على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأطر التعليمية والمتعلمين أبناء الطبقات الفقيرة والمعوزة...

     وفاشلون بمعية زملائكم، لأنكم لم تهتموا بالفوارق الاجتماعية وبين ما هو حضري وقروي في البرامج والمناهج، والحسم في الاختيارات الديداكتيكية ونوعية التقويم والتأطير التربويين. وتسعون إلى خلق مواطن الغد من رحم الإهمال، المتجلي في بنيات تحتية هشة وتجهيزات مهترئة، ومناخ معتل لتطبيق مقتضيات "الإصلاح"، وتنفيذ آليات تطوير المناهج على أرض الواقع. علما أن هناك من البحوث والمشاريع التربوية، ما يكفي لإثراء المناهج وتطويرها، ودعم أساليب وطرق التدريس للارتقاء بالمدرسة العمومية وجعلها قادرة على التنافسية. وفاشلون لعدم توفير الموارد البشرية الكافية، والتأهيل التربوي والبيداغوجي، وتعميم الروض والتعليم الأولي العصري على كافة المناطق، ولجوئكم إلى سد الخصاص في هيئة التدريس، بضم مستويات متعددة في فصل واحد بالتعليم الأساسي، تشجيع الاكتظاظ، التقليص من الحصص الأسبوعية لبعض المواد الدراسية وإلغاء تفويج المواد العلمية...

     وفاشلون في تحديث وتجويد منظومة التربية والتكوين، باستنادكم إلى آليات متجاوزة في اختيار القيادات المناسبة، ومعايير تفتقد الدقة والموضوعية في تقييم أداء المسؤولين بمختلف الإدارات المركزية والمحلية والإقليمية وأطر الإدارة التربوية، وتراجع الاهتمام بالكفاءات الفكرية والمهنية أمام الزبونية والولاءات الشخصية والحزبية والنقابية، استشراء الفساد وسيطرة اللوبيات الإدارية وطغيان البيروقراطية... والأفظع من ذلك، نهج سياسة الترقيع في مواجهة الإشكاليات المطروحة، بدل تنزيل استراتيجية تربوية متكاملة ومتجانسة، تنطلق من مقاربات إصلاحية واقعية، وتستحضر أهم العوامل الذاتية والموضوعية المرتبطة بمعضلة التعليم، كما أنه لا يمكن معالجة الاختلالات القائمة بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي...

     عموما، هناك فشل صارخ في عديد المستويات، وضعف في استشراف آفاق منظومة تربوية أكثر جودة وفعالية، وبلورة سياسة تعليمية مواطنة. مما يؤكد على عجز المسؤولين المتعاقبين أو تعاميهم عن تأسيس مدرسة جديدة ذات جاذبية، بمناهج وبرامج تتلاءم مع مجتمعنا وهويتنا ولغتنا وحضارتنا، تساهم في التوزيع المنصف للمعرفة، وتتفاعل بنيويا ووظيفيا مع مختلف الأنماط السوسيو اقتصادية والمهنية والثقافية والسياسية، وبمقدورها استيعاب مختلف التحولات المجتمعية والمستجدات العصرية. مدرسة تركز على القيم والمبادئ العليا للوطن، والتأهيل للانفتاح على المستقبل، والإسهام في تعميق الوعي وغرس بذور التسامح واحترام حقوق الإنسان ونبذ العنف. مدرسة لصقل المواهب الفنية وإعمال الفكر والتحصين ضد لغة العنف والتطرف ومعاداة الحداثة. مدرسة تعنى ببناء مواطن صالح، ينهض بمجتمعه ويخدم وطنه بفخر ومسؤولية، حتى تكون جديرة بثقة الأسر المغربية، ورافعة أساسية للتنمية البشرية...

     ترى هل فقد المغرب خصوبته، ولم يعد بإمكانه إنجاب نخبة قادرة على إخراج منظوماتنا التعليمية من غرفة الإنعاش؟ فقد سئم المغاربة لعبة الإصلاح وإصلاح الإصلاح، وتحويل القطاع إلى منجم يتقاسم ثرواته الكبار، في الوزارة الوصية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين بدون طائل.

 
مجموع المشاهدات: 2348 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | ابو يوسف
للاسف
التعليم العمومي قطاع غير منتج من منضور الحكومات المتعااقبة على البلاد منذ الاستقلال و التي لاتؤمن الا بالربح السريع ولو على حساب القيم , لذا سيبقى حقلا لتجريب بيداغوجية فلان وعلان.
مقبول مرفوض
0
2015/05/24 - 12:22
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة