الرئيسية | أقلام حرة | شرود "النخب" بين الترغيب في قوانين الأرض، والتشنيع لشرائع السماء

شرود "النخب" بين الترغيب في قوانين الأرض، والتشنيع لشرائع السماء

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
شرود "النخب" بين الترغيب في قوانين الأرض، والتشنيع لشرائع السماء
 

 

رغم أن جل سكان الكوكب يؤمنون بدين معين(...)، إلا أن تطبيقهم لشعائره التعبدية، والتزامهم بمقتضيات عقيدته وشريعته وتعاليمه، غالبا ما يعتريه الكثير من الفتور، بل والتناقض، في انفصام شخصاني بيّن بين المعتقد من جهة، والسلوك والتطبيق والممارسة من جهة أخرى..

ولربما يكون الأمر طبيعيا،تقتضيه طبيعة تكوين الإنسان من مادة وروح، لتتنازعه وزّاع الخير و"الضمير"المضبوطة بتعاليم المعتقد، والتي تخاطب الروح، رغبة في الظفر بالجائزة الكبرى، ونوازع الشرالموجهة بتوجيهات النفس والهوى ووساوس الشيطان، والتي تناجي المادة لتخْلدها إلى الحضيض..

ويظهر الانفصام جليا في خضوع أولئك "المؤمنين" لأحكام القوانين الوضعية الوطنية الجاري بها العمل، بعضهم بتلقائية وأريحية، والبعض الآخر رهبا من العقوبة الزجرية، ما دام هناك واقف على الحدود،، ويتنافسون في الظهور بمظهر الملتزم بها الحريص على تطبيقها، ويكرَّمون.

وتجتهد "النخب" المجتمعية لكل الأمم، وكذا الأجهزة الرسمية لدولها، في الدعوة إلى ذلك الانقياد "الوضعي" والحث عليه.. بل إن هذا الزخم من الحرص على الانضباط من جانب، والدعوة إليه من جانب آخر يطال حتى قوانين الهيئات المدنية التي يعتبر الانتماء إليها اختياريا..

إلى هنا قد يكون الأمر إيجابيا بما يساهم في تربيةالناس وتعويدهم على احترام القوانين، وتعزيز ذلك السلوك حتى يصبح عادة وقدوة..

لكن المفارقة الخرقاء أن تلك "النخب الخشبية" ذاتها تقوم بحملات مضادة منفّرة تجاه كل "القوانين" ذات الأصل أو المنحى الديني، فقط بناء على المصدر، ولو كان مضمون ذلك "القانون" أو "القيمة" يطابق مضامين القوانين والقيم المجتمعية الوضعية، حتى أنه إذا أريدَ لـ"شرع" أن يمر دون "ثورة" من تلك "النخب"، وجب تمويه مصدره، والادعاء أنه "بشري" وليس "سماويا".. وهذا في جل الديانات، وفي معظم بقاع العالم، وإن كانت حصة الأسد تختص بمتعلقات الدين الإسلامي!!

ويزداد الإلغاز حدة عند استحضار دعوة فصائل من تلك الكتائب "الدعوية" إلى العتو الجزئي على مقتضيات أصلية لشرائع تلك الملل، دون الجرأة والانسجام والتواضح في طرح البديل المنطقي، ألا وهو رفضها والكفر بها، ما دامت هي وحدة لا تتجزأ، وما دام الأمر متعلقا بمسألة غيبية إيمانية تحتمل الإيمان أو الكفر، ولا يمكن مراجعة مصدرها من أجل "المساومة" أو المراجعة، كما لا يملك أي عاقل محترم حق"التصرف" في شيء لم يصْدره، وما دام -أخيرا- الانتماء لأي دين ابتداء ليس إجباريا، بل هو أمر اختياري!!

فاعتناق دين معين يعتبر مسألة اختيارية في جل دول المعمور، وعليه -كما هو شأن قوانين الأحزاب مثلا-، لا يستساغ اعتقاد معتقد طوعا،ثم التمرد على حدوده وضوابطه، إذ الأولى خلع ربقته، أو استبداله!!

كما أنه بالنسبة للمؤمنين بدين معين، ونظرا لقداسة مصدره وسمو مقصده(كما يؤمنون به)، فإن مقتضياتهتُعتبر أعلى صيغة مفترضة تنظم علاقات أفراد المجتمع فيما بينهم، ومع الدولة، ومع خالقهم(كما هو شأن الدول التي تصدر "دستورها" بـ:{الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.})، وبهذا،عمليا،لا يكون الخضوع للقوانين الإجرائية التفصيلية التي تنظم حياة المجتمع،إلا تطبيقا للقانون الأسمى..

من ناحية أخرى، فإنه فلا يستقيم منطقا أن تؤمن بإله له الخلق والأمر، والفضل والمنة،والعلم والخبر، والحول والقدرة، والأوب والمصير... وكل صفات الكمال والتفضل والقدرة والإحاطة... ثم تضيق ذرعا بأوامره ونواهيه، وتبحث عن بديل بشري لها، وتُجاوز وتتحدى شرائعه، وتتذمر منها،، وهو معبودك عن اختيار ويقين وقناعة!!! فقد ورد في الأثر الشعبي:{اللي دعبدو طيعو، واللي درهنو بيعو}(وهناك رواية مشهورة:{اللي دخدمو طيعو، واللي درهنو بيعو})..

أما بالنسبة للعوام، فإن الحرص على تجنب اقتراف الجرائم التي يعاقب عليها القانون ما دام هناك مراقب، و"التطبيع" مع ارتكاب تلك التي يعاقب عليها الشرع في "غياب" القائم، مرده(بالنسبة للمسلمين خاصة) الاغترار بحلم الله تعالى، وأمن مكره جل وعلا، وطول الأمل في الدنيا، وأساسا غياب اليقين المنافي لوجه من أوجه العلم.

فعلى سبيل المثال، وبالنسبة للدول التي تحاول الموائمة(طبعا صوريا فقط) بين القوانين الوطنية وشرائع الدين المعتنق من طرف المواطنين، في اتجاه جعل الممنوع قانونا غير جائز شرعا، والمحرّم شرعا غير مسموح به قانونا، بالنسبة لهؤلاء يعتبر انتهاك إشارة الضوء الأحمر شيئا ممنوعا، وبالتالي محرما(لأن نفس السبب الذي جعله ممنوعا قانونا، وهو المحافظة على النفس، حاضر في مقاصد الشريعة، ليجعله أيضا حراما)، ومع هذا فإذا حضر المكلف بالسهر على تطبيق القانون(الشرطي) في الملتقى، احترم المواطنون الإشارات، وإذا غاب غاب الورع عن المؤمنين فانتهكوها، مع "يقينهم" أن مراقبة المعبود لا تنقطع!!!

وقد يتم الإنكار على من لا يحترم عرف الوقوف في طابور من أجل قضاء مصلحة، أو معاقبة مخالف لبند جزئي في عقدة التأمين متعلق بوجود راكب زائد عن عدد المؤمن عليهم في العربة، أو تغريم صائد يمارس هواية الصيد بصنارة تقليدية دون رخصة...وفي نفس الوقت لا يُلتفت بتاتا إلى استنكار بيع خمر أو لعب ميسر أو تعرية جسد... مما يحرمه الشرع، ويمنعه بالتالي القانون بالقوة الضمنية، ما دام الدستور ينص على أن الإسلام -مثلا- هو الدين(في أغلب الدول الإسلامية)، والإسلام يحرم مثل تلك الممارسات..

من جانب آخر، وإذا ما حصرنا النقاش مرحليا في النفس المجال أو البنية التشريعية، ولتكن مقتضيات تعاليم الدين الإسلامي مثلا، فإن وجه التناقض في سلوك وتصورات معتنقيه يأبى الزوال، حيث تظهر مفارقة من مستوى آخر.. فقد يُعاب مثلا، بل يجرم، الإفطار في نهار رمضان، ولا يُنكر ترك الصلاة، وهي الركن الأساس والأولى والأسبق، حيث أن التغليظ في مجرد التهاون فيها أقوى وأعمق!! كما لا يُقدح التبرج والسفور(بنفس استنكار الإفطار)، وأذاهما أكبر،ومفاسدهما أعظم، وأثرهما أنفذ وأبين وأبقى!!,.. وكأن الأمر تصور وتوهم وتقليد وعادة، وليس دينا وعبادة!!!

 
مجموع المشاهدات: 1631 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة