الرئيسية | أقلام حرة | بين مهرجان موازين وفلم الزين اللي فيك، رمزية عري الجسدين الأمريكي والمغربي

بين مهرجان موازين وفلم الزين اللي فيك، رمزية عري الجسدين الأمريكي والمغربي

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بين مهرجان موازين وفلم الزين اللي فيك، رمزية عري الجسدين الأمريكي والمغربي
 

 

عالجت روايات عربية شهيرة العلاقة بين الأنا والآخر/ الشرق والغرب، من وجهة نظر جنسية انتصرت فيها لقيم الفحولة العربية، عبر شخصيات استطاعت أن تخترق حاجز الفقر والتهميش والإقصاء الذي مورس عليها في بلدها، حينما هاجرت في اتجاه الغرب لتجد هناك ذاتها المسلوبة، وترد الصاع صاعين للغرب الاستعماري الذي صفع الشرق على خديه الأيمن والأيسر معا بسلاح العلم والتكنولوجيا والتقدم، فتطوعت لترد "تحيته" بأحسن منها، وتصفعه على قفاه بسلاح الفحولة الجنسية من خلال غزوات متكررة لأجساد بنات الأشقر، والأمثلة على هذا التوجه الروائي كثيرة نذكر منها رواية المرأة والوردة لمحمد زفزاف، حيث يفرض البطل ذاته وذات مجتمعه المسلوب من خلال شخصية "روز" الدنماركية، ورواية قنديل أم هاشم للكاتب يحيى حقي التي عمل بطلها اسماعيل حينما هاجر إلى لندن إلى الارتباط ب "ماري"  "ففتحت له باب التمتع بالحياة شاسعا"..، ورواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس التي غادر بطلها الإنونيما (مجهول الهوية) بلده لبنان إلى باريس بحثا عن النساء الشقراوات، اعتقادا منه أنه "يكفيك أن تسير في الطريق ليتهافتن عليك ويحدثنك حديث الهوى"، ورواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح التي عمل بطلها مصطفى سعيد بعد أن هاجر إلى لندن، وتمتع هناك بشهرة واسعة امتدت إلى النساء، حتى أصبح زيرهن، محاولا بذلك، وهو يتنقل بين أحضانهن رد الاعتبار لشرقه، بعدما أدرك أنه معتدى عليه من لدن غرب غاز، فقلب المعادلة حينما أطلق صيحته قائلا: "إنني جئتكم غازيا"، وطبعا سلاح المواجهة هنا هو الفحولة الجنسية، حيث تتحدد المرأة كطرف مقابل ممثل للغرب في صدامه مع الذات (الشرق).

لم أجد غير استدعاء هذا الجزء من التاريخ الروائي العربي، لأنه ربما قد يسعفنا في فهم الإشكالية المستعصية التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب التي تحضر من خلال ثنائية الرفض والقبول، رفض فلم "الزين اللي فيك" والزج به خلف القضبان، وإغلاق أبواب القاعات السينمائية المغربية في وجهه، والتهافت على جلب جسد أنثوي عار من وراء الحدود، مكتوب عليه "صنع في بلد العام سام"، والتملي باستعراضيته البورنوغرافية، لأن الجسد الأول مغربي أثار عريه حميتنا، وألحق بنا العار بعدما بصم عليه أحد بدو الخليج، مجسدا عقدة مغرب/ مشرق المثيرة للجدل، أما الثاني فهو جسد غربي سقطت بانخلاع ثيابه ورقة توت القوة والصولة والصولجان عن رمز الإمبريالية والاستعمار والاستغلال الذي يمثله، فاستحال عاريا مجردا من كيانه، مما جعل جيوش النخبة المغربية المقدرة بمئتي ألف تغزوه غزوا بمختلف أشكال الهجوم البصري وتلاوينه، رمقا وتحديقا وتحديجا واستكفافا وشخوصا وبرقا، ببسالة قل نظيرها، حيث ظلوا ماسكين في استماتة على زندهم البصري، دون أن تفتر همتهم، ودون أن يوليه أحد منهم دبره، بل استمروا في غزوتهم هذه  لمدة ساعتين، ردوا من خلالها، كأبطال أشاوس، الصاع صاعين لأمريكا، والاعتبار للعرب وللذات العربية المكلومة، ساعتان تعادلان أو تتفوقان على عقود من الاستغلال والاحتلال والسيطرة الأمريكية على الذات العربية، جاد بها منظمو المهرجان على ألحاظ زودت بشتى أنواع الدمار الشامل البصري، ومارست مهمتها "الحربية" بلا هوادة، لتسترجع بعضا من الكرامة المهدورة، وتزف بشرى الانتصار إلى العرب قاطبة بتمريغ أمريكا في التراب عبر اختراق جسد سفيرها اختراقا غير ذي عوج.

حتى الحكومة التي اعتبر ناطقها الرسمي ووزير اتصالها في وقت سابق منع فلم "الزين اللي فيك" قرارا سياديا، بارك هذه الغزوة بصمت مطبق وصوم عن الكلام أثناءها وقبلها، ولم يبد أي اعتراض على استضافة هذا الجسد الأمريكي في مهرجان موازين، رغم أن صاحبته معروفة بملابسها الجريئة ورقصاتها الساخنة التي حولتها لرمز جنسي (sex symbol)، ولم ينفجر غاضبا إلا بعد أن دخلت القناة الثانية على الخط، واستدعت جنود الاحتياط والشهود إلى هذه الغزوة، التي كان يراد لها أن تبقى نخبوية، ولذاك فقد قرع القناة الناقلة للمبارزة، ولم ينبس ببنت شفة في حق منظمها، يقول السيد الخلفي بهذا الصدد: "إن ما جرى بثه مرفوض وغير مقبول ومخالف لقانون الاتصال السمعي البصري ولدفاتر التحملات"، وكأن النقل كان من الإكوادور أو الشيلي، وليس من عاصمة بلد حكومته، على بعد خطوات من مبنى وزارته.

ولا غرو أن يعد فريق الوزير البرلماني سؤالا شفويا آنيا صاغه على جناح السرعة، ليسائل السيد الوزير عن جريمة النقل، لا عن "فضيلة المبارزة"، وأن يثني على حجب عار الجسد المغربي عن الأنظار، ونص السؤال هو كالآتي: "في الوقت الذي تفاعل فيه المغاربة بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية مع منع شريط سينمائي إباحي يهين كرامة المرأة المغربية، تسير القناة الثانية عكس التيار بإذاعة سهرة ماجنة ليل الجمعة 29 ماي الأخيرة، ماهي الإجراءات الآنية والمستقبلية التي ستتخذها ضد هذا السلوك غير المسؤول لهذه القناة التي تتحدى المجتمع المغربي؟ وماهي الضمانات بعدم تكرار هذا السلوك المستفز؟".

إننا، والحالة هذه، أمام لخبطة لا أول لها ولا آخر، فمغاربة منصة السويسي، حيث أقيم الحفل المثير للجدل، لا تثريب عليهم، ولا حرج، أما مغاربة الشاشة، فإقحامهم في هذه الغزوة استفزاز غير مغفور يتطلب اتخاذ إجراءات صارمة في حق مقترفيه، حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر..، حقا إنها السوريالية السياسية المغربية في أبشع صورها، التي جعلت من المشهد السياسي ببلدنا مفتوحا على مصراعيه للامعقول والعبث، فهنيئا لنا ولجنودنا المغاوير على دورهم البطولي، وشكرا للمنظمين على جمع شمل هذا الجمهور الغفير بجسد جينيفر لوبيز وراقصاتها، وتبا للقناة الثانية المتطفلة على المعركة، التي كان أولى بها أن تلزم حدودها حتى لا تغضب وزيرنا الخلفي وصحبه.

مجموع المشاهدات: 2630 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة