الرئيسية | أقلام حرة | الرأسمال اللامادي دعامة أساسية في هندسة السياسات العمومية‏

الرأسمال اللامادي دعامة أساسية في هندسة السياسات العمومية‏

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الرأسمال اللامادي دعامة أساسية في هندسة السياسات العمومية‏
 

 

منذ تولي جلالة الملك محمد السادس نصره الله للعرش سنة 1999، تحدث في أولى خطاباته عن المفهوم الجديد للسلطة، و الذي يتجسد بدرجة أولى حول الرفع من قيمة المورد البشري و إشراكه في تدبير الشأن العام و المحلي و الوطني، ليتبنى المغرب رؤية إستراتيجية و استشرافية للنهوض بالتنمية البشرية باعتبارها ركيزة أساسية لبناء الدولة بمفهومها الحديث، و في هذا السياق فقد تحدث جلالته في سنة 2014 عن مفهوم الرأسمال اللاماديتثمينا منه للمسار الديمقراطي الذي نهجه المغرب.

إن العديد من التسميات و المصطلحات تستعمل اليوم للدلالة على الرأسمال اللامادي، ومنها الرأسمال المعرفي والرأسمال اللاملموس أو الأصول غير المادية، فما هو الرأسمال اللامادي ؟

يعتبر الرأسمال اللامادي من المفاهيم المتداولة بكثرة عند الاقتصاديين والساسة، فنحن اليوم أمام تصور جديد في عالم الاقتصاديات، بحيث أن مفهوم الرأسمال اللامادي يعتبر من المفاهيم حديثة النشأة، فحسب العديد من الخبراء المتخصصين في المجال، كون الرأسمال اللامادي يتجاوز دوره في قياس قوة و ضعف اقتصاديات الدول بل يتعدى ذلك من خلال موقعه في هندسة السياسات العمومية، لكن رغم ذلك لا زال مفهومه يفتقد إلى الكثير من الدقة إرتباطا بمدى فعاليته في قياس حجم النمو الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و البيئي بجميع الدول.

إن مفهوم الرأسمال اللامادي مرتبط بالأساس بالمعرفة الإنسانية والإبداع البشري والخبرات التي توضع موضع الإستخدام لخلق قيمة مادية،وبالتالي فالرأسمال اللامادي يرتبط بدرجة أولى بالقدرات الإبداعية التي يمتلكها الرأسمال البشري داخل المنظومة المجتمعية. 

لقدكان الاعتقاد الرائج حول قيمة ثروات الدول يتمحور على فكرة واحدة، تتلخص في مجمل الثروات المادية، لكن سرعان ما تحول النظر إلى طريقة قياس الثروات بدخول عالم التكنولوجيا الحديثة التي دفعت بالتركيز على قيمة الرأسمال اللا مادي كمؤشر أساسي و ضروري لقياس إقتصاديات البلدان و المصدر الحقيقي لثرواتها.

وحسب خبراء البنك الدولي الذين قدموا تقرير في سنة 2006 حول علاقة "الثروة بالرأسمال اللا مادي"، و الذي تم تعريفه حسب نفس الدراسة من خلال أربع مرتكزات:

الرأسمال البشري الذي يركز على الطبقة العاملة الأولية ذات المهارة و الاحترافية، أيضا الرأسمال الاجتماعي المرتبط بالمؤسسات العمومية الرسمية وغير الرسمية، كذلك الأصول المالية الاجنبية التي يتلقّى عنها فائدة أو يدفع  البلد عنها دخلا، ثم الرأسمال الطبيعي ورأسمال المتعلق بالإنتاج، لتعرض الدراسة أن الرأسمال اللامادي يشمل مجمل آليات الحكامة التي تساهم في تعزيز التطوير القطاعي، من خلال العدالة الإجتماعية و القضاء العادل، و الحكم الديمقراطي.

 

كما أنه يقاس من خلال دراسة وتحليل المؤشرات الاجتماعية والديمغرافية والمؤسسساتية والبيئية والطبيعية للبلاد. و يقاس أيضا بجودة العديد من القطاعات كالتعليم والتكوين و الصحة و الأمن و العدالة و الإستقرار لدى المواطن.. و غيرها من المؤشرات التي يصعب حصرها و تحديدها.  

من خلال ما تقدم، نستشف رؤية البنك الدولي حول موقع المغرب من الثروة الذي اعتبره ضمن البلدان التي تمتع بمؤهلات وإمكانات بشرية وجغرافية تؤهلها لتحقيق نمو اقتصادي عالي وتنمية اجتماعية شاملة الأبعاد، بإعتماد مجموعة من الآليات لتعزيز الفعل العمومي، وتجويد الأداء السياسي والارتقاء بالمؤسسات الوطنية، وترسيخ ثقافة الحكامة الجيدة في شتى المجالات المالية والاجتماعية و الثقافية و البيئية، وكذا تحسين مناخ الأعمال وسيادة دولة الحق و القانون، وأيضا تطوير منظومة التربية و التعليم، والارتقاء بالخدمات الاجتماعية إلى أوسع القطاعات ليتسنى تعميمها على كافة المواطنين.

 

لقد صنف صندوق النقد الدولي المغرب من بين الدول التي حافظت طيلة العقد الماضي على تحقيق نمو اقتصادي بين أربعة وخمسة في المئة، ونجح نسبيا في رفع الدخل الفردي سنوياً بمعدل بلغ في المتوسط نحو سبعة في المئة، و هي نسبة تضاهي باقي الدول الصاعدة.

لكن رغم موقع الرأسمال اللامادي من الثروة و أهميته الكبيرة لا زال يطرح الإشكال حول الكيفية الدقيقة التي يتم من خلالها إحصاء ثروة الرأسمال اللاملموس في غياب تحديد متفق عليه حول المؤشرات المعتمدة لقياسه؟ بالإظافة إلى التقاطع الحاصل بين مفاهيم و مبادئ التنمية البشرية و الرأسمال اللا مادي، حيث يطرح هذا التقابل صعوبة في التفريق و التمييز بينهما على الاقل من حيث المؤشرات العامة؟ 

خلصت التجارب الدولية على أن  معظم المؤشرات المرتبطة بالعناصر المادية غير كافية لإحتساب الثروة الحقيقية للبلاد، كما انه بالنظر للوضعية التي يعيشها إقتصادنا، سنجد مجموعة من المعيقات تحول دون التصنيف الإيجابي للرأسمال اللامادي، لكن و رغم ذلك فيمكن أن ينظر إليه من زاويتين تحققان في جوهرهما ميزيتين أساسيتين: 

 الميزة الأولى: إيجابية ينظر من خلالها للرأسمال اللامادي كدعامة أساسية في صياغة السياسات العمومية بصورة فعالة تستجيب لتطلعات و حاجيات المواطنين بدرجة أولى، و بالتالي يمكن من خلالها الرفع من جودة الخدمات المقدمة من طرف المؤسسات للمرتفقين، وكذا مساهمتها في تحقيق الحكامة الجيدة بشتى القطاعات و فعالية المخططات و الأوراش التي تنهجها الدولة. 

الميزة التانية:  تقدم كشفا واضحا للواقع الإجتماعي بالدولة و ما يعرفه من فوارق إجتماعية، أو ما يتخبط فيه المجال الاقتصادي على وجه التحديد من إكراهات وتحديات كثيرة في مقدمتها محاربة تفشي الفساد المالي وارتفاع النفقات العمومية، إضافة إلى استراتيجية محاربة اقتصاد الريع، وبذلك تساهم دراسة الرأسمال اللامادي في تحديد النواقص و الاكراهات التي تعرفها العديد من القطاعات وبالتالي نصبح أمام تصور جديد للسياسات العمومية في بلد لازال يفتقر لوسائل دقيقة و معتمدة في تقييم السياسات العمومية بحيث نجد تفاوتا واضحا في مجمل تقارير العديد من المؤسسات التي تصنف بعض السياسات العامة بين الفاشلة و الناجحة و المتعثرة و تصنيفها أيضا للمجالات التي حقق فيها المغرب تقدما على مستوى الحكامة المؤسساتية، و المجالات التي لا زالت تعرف معيقات تحتاج التخطيط لها من أجل معالجتها في المستقبل.

 

أما ما يعاب على الرأسمال اللامادي كآلية تجعل التركيز ينصب في إتجاه واحد يتمثل في إحتساب الرأسمال المادي بطريقة مفرطة تقلص من قيم التضامن و التعاون الإجتماعي الذان يعتبران مبدأين دستوريين، كما أن التفريط في اعتبار المورد البشري كمورد مادي محض يفقده جوهره الإنساني، كون أهمية رأسمال البشري تتلخص في مدى إشراكه و تمكينه و تفاعله في مختلف مراحل السياسة العمومية.

ومما لا شك فيه، فإن قياس وتقييم الرأسمال البشري بشكل خاص و الرأسمال اللامادي بشكل عام يعتبر مجال  يكتسي أهمية بالغة خلال السنوات القليلة الماضية. فقد اهتمت معظم الدول المتقدمة بهذا المجال ولازالت تستأثر بإجتهادات العديد من الباحثين والمهتمين، 

و رغم أهمية هذه الطرق المتنوعة و الجديدة نوعا ما في تقديم محاولات جدية من أجل فهم الرأسمال اللامادي ومكوناته وكيفية إحتسابه، لا زال يشكل قاعدة ضعيفة من المبررات الغير دقيقة التي ترتبط بشموله و كيفية التحليل والتقييم القطاعي للبلدان، و لازالت هذه الطرق بحاجة إلى المزيد من التأصيل من جهة، والمزيد من الدراسة العلمية لحساب الأصول الامادية وخاصة ما يتعلق بحساب القيمة اللامادية ودقة تقييمها من جهة أخرى

 
مجموع المشاهدات: 2997 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة