الرئيسية | أقلام حرة | مذكرات فار من الواقع

مذكرات فار من الواقع

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
مذكرات فار من الواقع
 

 

عاد لصمته المعتاد وعزلته الدائمة وسط غيمة من التناقضات، 

أنا بخير .. يخفف على نفسه من ألم زلات حياته الدائمة ..

ماذا عساني أقول عن الحياة وكلها جمال وروعة، أستيقظ وقتما شئت وأنام أنى شئت ووقتما أردت ..

لا أعمل و لا أبذل أي مجهود، أتابع الرياضة بكل أخبارها الصغيرة والكبيرة، ولحسن حظي لم أمارسها من سنوات المدرسة، تفاديت الاحتكاك وحافظت على صحة عظامي الهشة من عنف أقراني الذين يملأ داخلهم حماس زائد .. يفرغونه في الركض وراء كرة ليس لها ذنب إلا كونها من صنع اليد .. 

يلعبون وحين ينتهون من مقابلاتهم المملة، يلتحقون بي في مقهى الحي ورائحة العرق النتنة تفوح من أجسادهم الضخمة  فتبدأ المحادثات التي لم يصل حجمها يوما الى حجم الصغير بيننا ..

يقول أحدهم ماذا عن اليمن وسورية ؟ ماذا عن العراق وداعش ؟

يجيب آخر بكل ثقة .. دماء ودماء كالماء يموت الاطفال والنساء  ولا احد يسمع ولا صوت يسمع الا صوت المدفع ..  

يتدخل آخر انها مؤامرة ضد الشعب وتمثيلية هدفها  التحكم في مصير الشعوب .. 

 يقول آخر لا أعلم هل فعلا ما نراه من  صحيح ام لا !! اختلطت الحقيقة بالخيال وزاد من صعوبة التأكد عوالم التكنولوجية غير البريئة.. رأينا الكثير من هذا في أفلام الخيال منذ الثمانينات والتسعينات والآن يظهر لنا على هيئة حقيقة !

ألتزم صمتى الواسع والعب دور المتلقي لأنني لا اتقن فن الخطابة ، ولا تستهويني السياسة ..

ابكي حين تسفك الدماء في افلام الخيال ولكن لا اريد لعقلي ان يقبل سفك الدماء في الحقيقة .. أرفع رأسي نحو التلفاز والقنوات تتغير والمحتوى يتحلون. تمر لقطة مسلسل مدبلج، فيبدأ حوار آخر وكأننا في برنامج تلفزيون الواقع.. 

يسأل احدهم : هذا هو جديد قنواتنا غزو اعلامي قادم من تركيا والهند ، ماذا نستفيد من كل هذا. الا ننتج نحن ام ان انتاجاتنا لا معنى فيها ؟ .. يجيبه آخر لا عليك يا صاحبي نحن في عصر العولمة إما ان تساير او يمر عليك القطار ونحن تابعون في اعلامنا وحتى سياستنا .. يسكت الاول وعلى وجهه علامات عدم الرضى.. 

أضغط على صمتي انا ايضا وكلي ثقة من انهم يشاهدون تلك الرداءة رغم كثرة الكلام والنقد بدون معنى..  

اجيب في نفسي وكيف نطور اعلامنا ونحن مستلبون فكريا وهموم الشعب هي آخر ما نفكر فيه . كيف نتقدم وعلم شعبنا هو ما يستفزنا.. أصمت لأنني بخير ولا حاجة للنقاش ولكن عيني تستمر في تتبع تغيير قنوات الصرف التي امتلأت بها الاقمار الاصطناعية. 

 جاءني الملل من جديد وهو الذي لم اعتاد عليه فوقتي لا يضيع مادمت مع اناس لا يصمتون  ولا احد منهم وجد الوقت لمناقشة همومه الخاصة يوما ، يثيرون جميع المواضيع الا المواضيع الخاصة بهم وهو الامر الذي ينطبق علي انا أيضا اكره من يناقش معي واقعي لأنني اعيش المثالية ولا اريد ان الطخها ببضع كلمات لا معنى لها ..

هكذا يمر صباحي ومسائي في نفس الطقوس وإن فكرت في التغيير صمدت في غرفتي وحدي لعدة أيام. تمر في صمت مريب فأشتاق الى النقاش وسماع النقاش والأخذ والرد ..

أخرج بحثا عن أحدهم كي لا تظهر علي علامات العزلة والكآبة فألتقي برجل ستيني ..

ألقي عليه التحية فيردها بعدما قام بمسح ملامح وجهي وسجل عينات صوتي. يفتح قلبه لي ويسرد عن حياته..

يستغرب بشدة من التغيير الذي شهدته "الدنيا" بمفهومه أي العالم ويرى أنها من علامات قيام الساعة. يعطي بعض المبررات الروحانية التي يشفي بها ألمه ..

يسكت لمدة حتى أعتقد أنه لم يعد يفكر في الكلام فيعود مرة أخرى ويتحدث، بنبرة تظهر المعاناة والألم الدفين..

لم تكن لدينا كل هذه الإمكانيات من قبل وكنا فقط نبحث عن الحياة ولقمة العيش. لا ملابس ولا أغذية كافية ولا نأكل بانتظام مثل الجمل. أبناءنا تعلموا وتتلمذوا وفي وقتنا كان التعليم حكرا على أبناء النخب ممن لديهم المال أما نحن فرعي وجوع معاناة.

أستمع للحكاية وهي التي زادت الكآبة ولم تنقصها فأطمئنه بالتفاؤل والأمل في الاجيال القادمة ..

لكنه لا يقتنع بأقوالي التافهة وأنا من لا يتقن فن الخطابة. لا أجد الحلول في مثل هذه المواقف فأجد في صمتي الملاذ الأخير منتظرا تحية الوداع..

 
مجموع المشاهدات: 2190 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة