الرئيسية | أقلام حرة | رسائل آل عيوش إلى المغاربة

رسائل آل عيوش إلى المغاربة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
رسائل آل عيوش إلى المغاربة
 

 

يبدو أن آل عيوش منخرطون في سلسلة مشاريع وأعمال قيل عنها أنها ثقافية وفنية ما فتأت تسيل الكثير من المداد وتثير الكثير من الجدل، وما الفيلم الأخير للمخرج عيوش الابن سوى حلقة من حلقات هذا المشروع الذي يمكن وصفه بإعادة انتاج للظاهرة النيوكولونيالية الفرنسية، والتي اتخذت هذه المرة بعدا ناعما لكنه أكثر تأثيرا على والوعي الجمعي للمغاربة. الفن أو الفنون كما عرفته موسوعة ويكيبيديا هي لغة استخدمها الإنسان لترجمة التعابير التي ترد في ذاته الجوهرية وليس تعبيرا عن حاجة الإنسان لمتطلبات حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرونالفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام.

فالفن هو موهبة إبداع وهبها الخالق لكل إنسان لكن بدرجات تختلف بين الفرد والآخر. لكن لا نستطيع أن نصف كل هؤلاء الناس بفنانين إلا الذين يتميزون عن غيرهم بالقدرة الإبداعية الهائلة. فكلمة الفن هي دلالة على المهارات المستخدمة لإنتاج أشياء تحمل قيمة جمالية على تعريفة فمن ضمن التعريفات أن الفن مهارة – حرفة – خبرة – إبداع – حدس –محاكاة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة، هو هل يمكن اعتبار أعمال عيوش المخرج السينمائي اعمالا فنية تنتظم في هذه العناصر السالفة الذكر؟ وماهي القيم الإبداعية التي تحملها؟ وهل يمكن تصنيف الفيلم ضمن الأفلام الوثائقية أم الأفلام الإيحائية التخيلية؟ أم يتعلق الأمر بصنف جديد من الأفلام خاص بنبيل عيوش، يجب ترك هذه الأسئلة لدوي الاختصاص والنقاد السينمائيين للإجابة عليها.

 لكن من الواضح أن معظم الأعمال السينمائية لعيوش وبالطبع الفيلم الأخير "الزين اللي فيك" the Mostloved ومن خلال التسريبات التي يبدو أنها مقصودة بهدف إثارة ضجة وتحقيق دعاية سابقة لأوانها  وبالتالي الترويج له على نطاق واسع أنه لا يمت للإبداع الفني بأي صلة ولا يحمل في طياته أي قيم إنسانية أو إبداعية أو فنية يمكن للمخرج وطاقمه الفني أن يفتخر بها أو أن يستحق من خلالها نيل جوائز فنية، غير أننا قد لا نستبعد ذلك في المناسبات السينمائية الدولية المستقبلية، بالنظر إلى ما يحمله الفيلم المثير للجدل من رسائل تمس في الصميم كرامة المغاربة وكبرياءهم و بالطبع سمعتهم بين الأمم، وما يولده من صورة نمطية عن المرأة المغربية حيث يود المخرج من خلال عمله "الفني" أن يربطها للأسف الشديد بالدعارة والعهر و الانحطاط الأخلاقي وغياب خطوط حمراء في مقابل إرضاء نزوات السائح الخليجي المتعطش لإشباع نزواته وغرائزه المكبوتة والتي لا تخلو من نزعة سادو-مازوشية، واستعدادهلدفع أي شيء في مقابلها ، بالإضافة إلى السائحالأوروبي، كما يريد أن يسوق  للمغرب كقبلة مفضلة لهوات الممارسة الجنسية الخارجة عن نطاق مؤسسة الزواج.

إن الفيلم المثير للجدل وما يخلفه من آثار سلبية على المتلقي وما يحمل في طياته من رسائل مبطنة وناعمة لكنها فتاكة للمجتمع وما تمليه من ضرورة التطبيع مع مثل الممارسات والكلام الساقط والمخل بالحياء، وعلى الرغم من أنه يثير موضوعا موجود بالفعل في الواقع المغربي المعيش  كسائر الدول و المجتمعات وليس محض خيال، لكن استثمار ذلك والترويج له  ومحاولة تقديمه على أنه عمل فني سينمائي، من شأنه الإضرار ليس فقط بحاضر المغرب بل أساء لتاريخه ومجده الذي يشكل مصدر فخر لكل المغاربة، وأما التركيز الغير بريء على مدينة مراكش في الفيلم و التي بناها يوسف بن تاشفين سنة 1062م والتي اعتبرت عاصمة لكل من المرابطين و الموحدين والسعديين والتي طالما ارتبط اسمها بالمغرب وبقوته ، ومحاولة ربطها بمدينة السياحة الجنسية والدعارة وحرية الممارسة الجنسية يسيء كثيرا للذاكرة التاريخية للمغاربة ويحمل بعدا ابستمولوجيا أكثر من الجانب الفني المتعارف عليه عند النقاد.

الرسائل التي يبعثها الفيلم المثير للجدل لا تخرج بالطبع عن مضمون رسالة سابقةلعيوش الأب و التي حاول من خلالها أن يرسم للمغاربة خطة إصلاح منظومتهم التربوية ومعالجة الاختلالات التي تعتريها، ليس من خلال اعتماد مقاربة علمية أكاديمية متعددة الأبعاد أو اعتماد طرائق بيداغوجية عصرية كما هو معمول به في الدول المتقدمة و ليس من خلال الحث على ترسيخ قيم المواطنة والتفاني في حب الوطن وليس من خلال تشخيص تشاركي يعالج مكمن الخلل ، لكن من خلال حثهم  ببساطة على ضرورة التخلي عن اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد وما تحمله من رصيد ثقافي كبير في المناهج التعليمية وإدراج ما وصفها باللغة الدارجة المغربية كبديل عنها، وهو مشروع لم يجرأ حتى المستعمر الفرنسي على تبنيه، في مقابل حث أبناءه على التعلم بجامعات أجنبية  بالاعتماد على اللغة الفرنسية التي يدافع عنها بكل طاقتهوليس الدارجة، لكن عائلة عيوش تحمل الآن مشروعا يبدو جليا أنه يحاول القيام بدور الوكيل الفرنكفوني الوفي و تمرير وتحقيق ما أخفق فيه ذلك المستعمر الفرنسي من خلال العديد من المحاولات المتكررة، المباشرة منها وغير المباشرة. هذا المشروع الذي يخدم أجندة غير مغربية بالتأكيد ولا يخدم مصالح الوطن والذي يهدف إلى تفكيك منظومة القيم لدى المغاربة وضرب بنيتهم المعرفية والثقافية وموروثهم الحضاري ومحاولة تشبيه الشعب المغربي المحافظ والأصيل بنظرائه في التايلاند والبرازيل، حيث السياحة الجنسية منتعشة ورخيصة، ونسب الأمراض المنقولة جنسيا مرتفعة. يريدون التسويق له داخل المغرب على الرغم من أن المشروع الفرنكفوني برمته يعاني الآن من الكثير من التعثر حتى في صفوف الفرنسيين أنفسهم في ظل إكراهات العولمة وزحف اللغة الإنجليزية كلغة للعلم والمعرفة وانفتاح الكثير من الفرنسيين على الثقافات الأجنبية.

بالتأكيد آل عيوش سيستمرون في مشروعهم بدون كلل أو ملل وسيخرجون بين الفينة و الأخرى بإطلالات جديدة تحت مسمى الفن والسينما والإبداع وحرية التعبير والممارسة الجنسية ... الخ على الرغم من المقاومة وسلسلة الانتقادات الحادة التي   يلاقيها من خلال مختلف الأروقة والمنابر لاسيما الصحفية والأدبية منها، باعتباره يحمل بعدا دخيلا عن الثقافة المغربية النابعة من موروث حضاري-عربي إسلامي أمازيغي، ولا يمكن أن يوصف سوى بالزوبعة في فنجان والتي حتى وإن حاولت يائسة ضرب منظومة القيم لدى المغاربة والتأثير على لا وعيهم الجمعي، فإنها لن تفلح بالتأكيد في سلخهم عن هويتهم الثقافية و وطنيتهم،  كما لن تفلح في محاولة التطبيع مع مثل هذه الممارسات الشاذة ،غير أن ذلك لا يعني الاستسلام و الركون واستسهال خطورة الرسائل التي يحملها، كما أن الوسط الفني المغربي مطالب أكثر من غيره بالتبرؤ من مثل هذه الأعمال التي لا تمت للإبداع الفني بصلة والتي تضر سمعته أكثر مما تنفعه .

 
مجموع المشاهدات: 2822 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة