الرئيسية | أقلام حرة | إلى متى تظل سنة التدافع جائزة في بحور الدماء التي نعيشها؟.

إلى متى تظل سنة التدافع جائزة في بحور الدماء التي نعيشها؟.

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
إلى متى تظل سنة التدافع جائزة في بحور الدماء التي نعيشها؟.
 

 

شاهدت عبر التلفاز تفجيران أحدهما بالكويت والآخر بتونس، الأول يهدف ضرب النسيج الاجتماعي والثاني يهدف ضرب النسيج الاقتصادي. فقلت مع نفسي هل ما يحدث يمثل سنة التدافع بين الناس؟ وهل شي وأكل أطفال المسلمين من طرف البوذيين يعتبرتدافعا؟ وكيف يتيقن الفاعل من أن إغراق الأسرى وقطع الرؤوس وإحراق الخصوم يؤدي إلى الجنة؟.

 

في أحد الأحياء الشعبية بمدينتي كان الشاب عمرو وأخيه طارق يعيشان في كنف أسرتهما، لهما طموح جامح وقلبان جميلان، وكان لهما جاران يقال إن أحدهما علماني، وآخر ملتح يبدو أن له توجها إسلاميا، يعيشان بينهما في أمن وأمان. 

 

يتلقى عمرو فكرة، ويؤمن بها إيمانا عميقا، تقول هذه الفكرة: إننا معشر المسلمين سدنا العالم، وأنشأنا حضارة قوية وجميلة، ولنا خيرات تجعلنا نعود لقيادة الدنيا، وأن ما وصلنا له من هوان سببه تكالب الأعداء واستعمارهم لنا، وبعد خروج هذا الاستعمار السياسي غزانا فكريا من خلال غزو ثقافي لا ينقطع، وما هذا الإنخلال الأخلاقي الذي وصلنا إليه سوى تحصيل حاصل، ومن خلال مؤامرات حيكت وأخرى ما تزال تحاك وما هذا الهجوم الذي يتعرض له المسلمون سوى حروبا صليبية إلا تجليات للعدوان وما هذه الأقطار والأنظمة الاستبدادية إلا كراكيز تسبح بحمد الغرب الليبرالي، المسيحي، الكافر، والشرق الشيوعي الملحد. وعلينا فعل شيئ ما، علينا بتغيير المنكر بالقلب وباللسان وباليد، وعلينا بالدين الحقيقي والمحجة البيضاء، وعلينا أن نعضّ عليها بالنواجذ، فديننا منظومة واحدة، فالعقيدة تترجم إلى عبادات وهي علاقة الإنسان بربه ومنهج في الحياة له فهم واحد فطوبى لمن فهم فهم السلف الصالح، وعليننا بتحكيم شرع الله في الأرض، فمحمد كان قائد الجيش وداعية ورجل سياسة يراسل الملوك.

يتلقى طارق فكرة مخالفة تما لفكرة أخيه فيقتنع بها، تقول الفكرة: إن المسلمين ليسوا أمة واحدة، فهم أعراق وطوائف، ولم يكونوا أبدا على قلب رجل واحد، بل تاريخهم كله يحكي عن حروب دائمة بين المسلمين من نفس الدين، بل من نفس المذهب، ولنا خير مثال في الأندلس القريبة منا  وما فعله ملوك الطوائف بها، وأن مقدار عطاء المسلمين للحضارة الإنسانية لا يمثل إلا القليل جدا، وعلينا أن نعترف وأن لا ندفن رؤوسنا في الرمال عن قول الحقيقة، وأن الدين قيم وليس طقوس فقط، والقيم قابلة للتطوير، أما خيراتنا فلا قيمة لها لو لم تروضها العقول، فلا معنى لبترول لو لم يصنع الغرب المحركات،ولا معنى لسيليكون لو لو يصنع الغرب الشرائح الالكترونية، وبالتالي فالحداثة تنادي بالعقل قبل النقل، وبالمادة الرمادية التي أُّوقفت وحجرت، فتحجر معها كل حركة، اكتشفوا البنادق وبقينا ننادي بالبطل العربي الهمام، وبالبنادق استعمرونا، لكنهم فعلوا خيرا بنا عندما أحدثوا قطيعة مع تاريخ أسود مضى، وكونوا وأهلوا لنا أطرا تحمل علوما وتقود سفينة البلدان، وإن كنا نريد المزيد من الانفتاح والحرية واحترام خصوصيات الناس، نريد دينا لا يقترب من الحكم والإدارة، وحكما لا علاقته بالدين، فالسياسة أمر دنيوي، والدين أمر روحي. أما الحروب الحالية فسببها غباء العرب لأنهم يقاتلون ويتقاتلون باسم الدين شيعتهم وسنتهم، ولو بنوا دولا علمانية حديثة لما قاتلهم الغرب.

حينئذ سيبدأ التطرف عند كليهما، سيقوم عمرو بمقاطعة جارهما العلماني، ويقوم طارق بمقاطعة جارهما الإسلامي، ويستمر الأمر لمدة.

يعتقدا أن سلاح المقاطعة غير مجد، يقرر عمرو إيذاء جارهما العلماني لدفعه نحو الرحيل، نفس الفعل يمارسه طارق لدفع جارهما الإسلامي نحو الرحيل، يفشل سلاح الإيذاء، يبدوا بالنسبة إليهما أنه لم يجدي نفعا.

يقرر عمرو رفع السلاح بوجه جارهما مهدد إياه بالإسلام أو الرحيل عن حيه، ويمارس طارق نفس الفعل المشين، لكن سلاح التهديد لم ينجح.

يبدءا مرحلة تنفيذ الجريمة، يقتل عمرو جارهما العلماني، ويقتل طارق جارهما الإسلامي، في منظر مأساوي مخلفين يتامى وأرامل، يفرا من العدالة.

 

يسمع عمرو عن حروب طاحنة تدور في سوريا بين فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان، فيذهب إلى هناك ويختار الفصيل الأكثر تشددا ليشفي غليله، فقد جاء من مجتمع عمت فيه الفاحشة و المنكر، وهو مثقل بالحقد تجاه ذلك المنكر، ينفذ عملية كبيرة عبر شاحنة في حق المقاتلين الشيعة وجنود النظام السوري.

 

ويذهب طارق لنصرة النظام السوري لأنه نظام علماني وإن كان مستبدا فعلمانيته تعفو عنه وتعطيه صكوك البراءة والغفران أمام الجرائم التي ارتكبها، فالغربان السود يجب إبادتها لأنها تريد أن تسافر بنا إلى الوراء، وبحكم أنه من المغرب يرتابون من أمره، يرتابون من أن يكون مخبرا لاسرائيل، فيدفعون به إلى الصفوف الأمامية في فرقة الانغماسيين التي تستعمل للهجوم والإقتحام، حيث سيلقى حتفه عند انفجار شاحنة مفخخة، يتبين بعدها أن منفذ الهجوم مغربي إسمه عمرو.

 

تنقل وكالات الأنباء الخبر، شاحنة مفخخة تقتل خمسون جنديا ومقاتلا من الحشد الشعبي.

 

ترفع الأم سماعة الهاتف، تسمع صوت رجل ينعي إبنها عمرو الملقب بأبو المقداد، ويقول لها طوبى لك فابنك تتلاقفه الحور العين وهو في جنة الفردوس الأعلى،تبكي بحرقة شديدة وتتنهد عساها تسمع خبرا سارا عن طارق، وما إن تستفيق حتى يرن الهاتف للمرة الثانية، فتسمع تحية إجلال وإكبار من الجيش العربي السوري، ينعيها الضابط في مقتل إبنها على ساحة وغى الشرف والسمو للأمة العربية من بغداد إلى الشام إلى مصر فتطوان، تسقط الأم مغشية عليها، كيف لا تقع فقد كانت تفضل أن تزورهما في السجن على أن تفقدهما،حدثها الأول عن الحور العين وحدثها الثاني عن الأمة العربية،حور وأمة لم ترى منهما الأم المكلومة سوى فقدان فلذتا كبدها.

 

يقتل الأخ أخاه، وكأن عمرو صار قابلا، وأصبح طارق هابيلا، تعلمهم الغربان السود أين وكيف يتم الدفن، في مشهد الصراع بين الخير والشر، مع اختلاف أننا نميز هذه المرة بين قابيلنا وهابيلنا، فكلهم في غيهم يعمهون. صراع خلف ما بين سوريا والعراق وأفغانستان واليمن والصومال أكثر من مليون قتيل مسلم وليس كافر، علما أن كل إنسان يحوي خمس لترات من الدم، فقد أهدر المسلمون ببعضهم البعض خمس مليون لترا من الدماء.

 

 إنه صراع مرير وخطير، صراع  لا زال مفكرونا عاجزون عن تقريب المذاهب والأفكار عوض أن يظل كل حزب بما لديهم فرحون، فرحون بأنها سنة التدافع، سنة تأكل الأخضر واليابس في صراع وقوده الناس والديناميت، لتظل الأم حواء والأمة المسلمة دائما في محنتهما.

مجموع المشاهدات: 3059 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة