الرئيسية | أقلام حرة | أحلى شعب في العالم،شعب الخبز والأتاي

أحلى شعب في العالم،شعب الخبز والأتاي

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أحلى شعب في العالم،شعب الخبز والأتاي
 

 

 

تصريح مهم ذلك الذي أطلقه الرئيس التونسي السابق الدكتور منصف المرزوقي ، والذي قال فيه للمغاربة "تمسكوا بملكيتكم وبملككم، لسبب بسيط، وهي أنها ترمز للوحدة الوطنية"، مضيفا "بقدر ما أتمنى للمغرب مزيدا من الرقي، بقدر ما أتمنى له الاستقرار والتمسك بنظامه، وهذا ما سيعين على بناء المغرب العربي". وهذا الرجل السياسي المحنك يدرك جيدا نعمة الاستقرار في ظل النظام الملكي المغربي أمام ما يشهده العالم العربي اليوم من صراعات سياسية وفتن طائفية ومذهبية دموية

وأعود إلى تصريح مثير آخر لسياسي مغربي محنك أيضا جاء فيه

سألته أمريكية ، كيف ستعملون مع شعبكم وأنتم فقراء ، فرد عليها بالقول "الحكيم" إن شعبنا لا يشكو من الفقر ، لأنه اعتاد عليه وتعايش معه وهو الشعب الذي يتغذى على الخبز والأتاي

بالفعل ، إنه شعب ملقح ضد الرفاهية في العيش ، ولا يحب أن يعيش الحياة الدنيا في زينتها ، لأنه مؤمن بزوالها يوما ما ، ولا تهمه السيارة الفارهة ولا اليخت الفاخر ولا الفيلا الواسعةولا ساعات سويسرا الثمينة ولا اكسسوارات التزيين العالمية ولا عطور باريس الرفيعة ولا السفر بالطائرة إلى البلاد التي لا تغرب عنها الشمس ولا 140 نوع من أسماك محيطه وبحره الشمالي ، قانعا بالسردين الغني بالأوميجا 3 وما شابهه سعرا ، إنه الشعب المتعايش مع فقره ولا يحب من ينعته بهذه الصفة ، لأن الفقر ليس عيبا ، و يكره من يؤمن بأن الفقر أخو الكفر وأن الفقر كلما حل ببلد إلا وقال له الكفر خذني معك ، ولأنه متعايش مع فقره ، لا يرضى بمن يذكره بالقولة الشهيرة : لو كان الفقر رجلا لقتلته

تكفيه بغلته وبلغته لقضاء مآربه أو للقيام بأسفاره أو دراجته الهوائية أو النارية أو يركب التريبورتور منتشيا بنسمات عليلة

على الهواء مباشرة في سباق مع الريح أو حتى استعمال سيارة متهالكة موديل 1981 ، أو سيارة 207 للنقل المزدوج

وإذا مرض، فالدواء متوفر بأشكال مختلفة عند أقرب عطار أو عشاب أو زيارة مستوصف الحي أو الدوار أو مستشفى الإقليم

les bons de nourriture  ومنها جاء اشتقاق كوميرا في زمن  la queue au mur 

والانتظار طويلا في طوابير تكون فرصة للتعارف أكثر بين المرضى صغارهم وكبارهم ومواساة بعضهم بعضا في لحظات ترقب عصيبة لكنها سعيدة بحضور الطبيب أوالماجور الذي يظهر ويختفي من أجل معرفة الخبر اليقين حول موعد الاستشفاء

لباسه المفضل مستورد خصيصا من أجله بأسعار لا تناقش من مخلفات سكان بلاد الإفرنجة ، وإذا ماغلبته الوردية لزهدها

واحتاج إلى شم ورقة زرقاء أو ورقتين أو أكثر من نفس اللون ،عليه انتظار أيام الحسم الانتخابي

ليهب صوته لمن يدفع أكثر ، هو يعلم أن صوته يساوي حياته وحياة المشتري ، لكنه يقول في قرارة نفسه ، هي فرصة واحدة

 لاجهد فيها ولا إجهاد و لا تأتي كل يوم ، لو ضيعتها ، لا زرقاء ترقد بجيبي إلا بعد جهد مرير وتعرق كبير، والنهوض باكرا من أجل ضمان لقمة العيش لي ولأهلي ، لأنني أعيش يومي ولا أنتظر الغد أو راتب الشهر أو الفوائد  البنكية أو أرباح متحصلة من البورصة أو من مضاربات عقارية أو من كراء مأذونية نقل جماعي أو من ريع خيرات البلاد برا وبحرا

هذا الشعب لم ينس حكاية المال لا يصنع السعادة ، والتي تدور أطوارها حول ذلك الإسكافي البسيط الذي كان يأكل ويشرب وأهله هنيئا مريئا من مصدر رزقه اليومي ، سعيدا بحياته البسيطة وينام مرتاح البال ، حتى جاءه يوما رجل غني ، فأودع عنده مالا كثيرا ، وفي تلك الليلة التي حصل فيها على الوديعة ، لم يذق طعم النوم إطلاقا، وبات يعد المبلغ عدا وهو في توجس مقلق مخافة فقدانه أو نقصانه أو سرقته من قبل أحد ، وما أن تنفس الصبح  حتى ذهب الإسكافي إلى الرجل الغني ، وقال له خذ مالك ورد إلي سعادتي

إنه شعب الخبز والأتاي ، يكفيه الدرهم والدرهمان ولا يعرف عملة أخرى غير عملة بلده ، سعيد بأرضه ودينه ووطنه الأم وتاريخه وجيرانه رغم كل المصائب التي تنزل عليه لإيمانه العميق بالقضاء والقدر خيره وشره ، ويعلم أن هذه الدنيا فانية وكل ما فيها زائل لا محالة ، فلا تهمه الزيادة أو النقصان في معاشات البرلمانيين والوزراء ، وما فعله الرئيس أولاند من تخفيض في أجور كبار المسؤولين ببلده وغيره في بلدان أخرى ، لا يهمه من قريب أو من بعيد ، فلكل رؤيته في السياسة ، ولأن هذا الشعب المسكين تربى على القناعة وتعايش مع الفقر واعتاد عليه ، يكفيه كغذاء يومي الخبز والأتاي ، فالدنيا جيفة ومن أرادها، فليصبر على معاشرة الكلاب

ويبقى السؤال المحير هنا ، لماذا الفقر أو الزلط يطيل العمر و يكثر العيال ويصنع السعادة ؟ فتجد الفقراء يعمرون أطول ويلدون أكثر ويسعدون بلا مال

 يحكى أن عشرة مرضى بالقلب منهم خمسة فقراء ، تقدموا إلى المستشفى  لإجراء أول عملية جراحية لم يسبق أن جربت على جسم أحد من قبل

فكر الأطباء طويلا ثم قالوا لنجرب العملية في أبدان الفقراء أولا، ونترك الأغنياء حتى تكلل بالنجاح ، وبالفعل ، جربت على كل واحد من الفقراء الخمسة فنجحت جميعها ، ثم جاء الدور على الأغنياء الخمسة ، فمات الأول منهم ، ولم ييأس الأطباء ، واستمروا في عملهم حتى توفي الباقون ، وعاش الفقراء

قد تكون حكاية لم تقع أبدا ، لكن لكل حكاية معنى ودرس منها يستخلص 

ومع نقطة النهاية ، لابد من الإشارة إلى أن هذا الرأي المتواضع لا يمثل جهة غيري ولست مسخرا ولا مأجورا من أحد ولست تمساحا ولا عفريتا ، وإنما هي صرخة يمليها علي ضميري ومقتطعة من رحم المعاناة ،فاللهم ارزقنا الكفاف والعفاف والغنى عن الناس،واحفظ اللهم هذا البلد الآمن بما حفظت به الذكر الحكيم ، وارزق عاهله الكريم البطانة الصالحة في تدبير الأمور .

مجموع المشاهدات: 2582 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة