الرئيسية | أقلام حرة | خطاب الملك أمام البرلمان: استكمال لمسار بناء دولة المؤسسات

خطاب الملك أمام البرلمان: استكمال لمسار بناء دولة المؤسسات

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
خطاب الملك أمام البرلمان: استكمال لمسار بناء دولة المؤسسات
 

 

يعتبر الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس، اليوم الجمعة في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة بمقر البرلمان، خطاب الجيل الثاني من الخطب الملكية، فيه توجيهات للمؤسسات، فليس هناك انفصام ما بين ما يروج أمام الرأي العام وما تتبناه الدولة. فمن خلال اللغة المعتمدة في الخطاب فهي لغة مباشرة بسيطة وواضحة، فيها جوانب موجهة إلى نخبة البرلمان، فهو لم يخرج عن مجال اختصاص المؤسسة البرلمانية، هو خطاب فيه نوع من العتاب للطبقة السياسية، على اعتبار أنها لم ترقى بسلوكها وخطابها السياسي لما هو متوقع ومأمول، وإلى البرلمان باعتباره أصبح أداة لتعطيل المؤسسات الدستورية. 

فالقراءة المعمقة لهذا الخطاب، هو أنه لم يخرج عن السياق المعتاد للخطب الملكية، تفاعل المؤسسة الملكية مع المؤسسة التشريعية من جهة، ومكمل لخطاب ثورة الملك والشعب من جهة ثانية. اليوم هذا الخطاب يحدد معالم التطور الإيجابي ما بعد الانتخابات المحلية والجهوية، ويحمل المسؤولية للفاعلين، وكأنه يقول بأن المؤسسة البرلمانية أضاعت الزمن التشريعي في سلوكيات غير مرغوبة، ويتساءل عاهل البلاد في الآن ذاته لماذا لم تنزل العديد من القوانين التنظيمية. كذلك الملك عرج على الأقاليم الجنوبية انطلاقا من الانتخابات، والتي عرفت مشاركة واسعة ومكثفة، معتبرا أن ذلك يثبت أن أبناء الصحراء متشبتين بالوحدة الترابية للأقاليم الجنوبية. فهذا الخطاب يحمل في مضمونه عدة رسائل موجهة إلى الفاعل السياسي والمؤسسة التشريعية، وكان خطابا مصرا على منح الشرعية اللازمة للمؤسسة المنتخبة، رغم وجود ممارسات معزولة للفساد الانتخابي لا ترقى إلى المس بنزاهة العملية الانتخابية برمتها، لكن لا يمكن التشكيك في شرعية هذه المؤسسة الانتخابية على اعتبار أنها مؤسسة لاستكمال مسار بناء دولة المؤسسات، وأكد الملك على أن مؤسسة البرلمان يجب أن تكون مهمتها الأساسية تجويد المنتوج التشريعي.

محوران أساسيان تطرق إليهما الخطاب الملكي أمام البرلمان، المحور الأول تكلم خلاله عاهل البلاد عن مرحلة ما بعد الانتخابات المحلية والجهوية، حيث قام الملك بتقديم التهاني لأعضاء مجلس المستشارين ولرؤساء المجالس الجهوية والمحلية وكافة المنتخبين، على الثقة التي حظوا بها، لكنه في الآن ذاته أكد بأن على هؤلاء العمل على الوفاء بالوعود التي أعطوها للمواطنين والاستجابة لانشغالاتهم، والعمل على إقامة مؤسسات جهوية ناجعة حتى لا تخلف البلاد هذه اللحظة التاريخية التي تمر منها، وهو ما جاء على لسان جلالته "ولكن لا يجب أن نعتبر أن الأمر قد انتهى. إن الانتخابات ليست غاية في ذاتها، وإنما هي البداية الحقيقية لمسار طويل ينطلق من إقامة المؤسسات وإضفاء الشرعية عليها. بل أكثر من ذلك، فإن تمثيل المواطنين أمانة عظمى على المنتخبين والأحزاب أداءها، سواء بالوفاء بوعودهم تجاه الناخبين أو من خلال العمل على الاستجابة لانشغالاتهم الملحة. وهي مسؤولية وطنية تقتضي من الجميع الارتفاع إلى مستوى اللحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا. فليس أمامنا إلا خيار واحد هو إقامة مؤسسات جهوية ناجعة حتى لا يخلف المغرب هذا الموعد الهام مع التاريخ".

النقطة الثانية التي جاء بها خطاب الملك أمام البرلمان، وهي ضرورة نكران الذات والرغبات الشخصية في مسار بناء دولة المؤسسات، لأن الأشخاص كيفما كانوا فهم راحلون، وضرورة الرقي بالخطاب السياسي والابتعاد عن الصراعات السياسوية والقذف والسب الذي أصبحنا نشاهده داخل البرلمان أحيانا، وفي بعض التجمعات الحزبية وحتى في وسائل الإعلام. وفيما يخص الأشخاص الذين لم يوفقوا في الانتخابات، فقد وجه إليهم عاهل البلاد كلمة جاء فيها " لقد قال المواطنون كلمتهم، ولكني أريد من هذا المنبر أن أوجه رسالة للذين لم يتوفقوا في هذه الانتخابات، فعليهم ألا يفقدوا الأمل، وأن يرفعوا رؤوسهم لما قدموه من خدمات للوطن والمواطنين، وعليهم أن ينتبهوا إلى أن المغاربة أصبحوا أكثر نضجا في التعامل مع الانتخابات، وأكثر صرامة في محاسبة المنتخبين على حصيلة عملهم"، لذلك فالملك أعطى رسالة واضحة لكل من لم يوفق في الانتخابات بأن عليه أن يجتهد في المرة المقبلة وأن يقوم بعملية النقد الذاتي البناء، لتصحيح الأخطاء وتقويم الاختلالات، ومواصلة العمل الجاد، من الآن، ودون كلل أو ملل من أجل كسب أصوات المواطنين في المراحل القادمة. كما أكد الملك على أنه يرفض بشكل قاطع الاتهامات التي وجهت للسلطات المسؤولة عن الانتخابات واعتبر بأن الضمانات التي تم توفيرها في هذه العملية الوطنية تضاهي مثيلاتها في أكبر الديمقراطيات عبر العالم، بل إنها لا توجد إلا في قليل من الدول، وأشار إلى أنه كل من يعتبر نفسه مظلوما بسبب التجاوزات المعزولة التي عرفتها هذه العملية الانتخابية الديمقراطية فما عليه إلا أن يتوجه إلى مؤسسة وحيدة وهي القضاء.

المحور الثاني والأخير من الخطاب ركز فيه الملك محمد السادس على أن هذه السنة تعتبر حاسمة لاستكمال إقامة المؤسسات، وأكد على ضرورة التسريع بمشاريع النصوص القانونية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وممارسة حق الإضراب ومجلس الوصاية، والمصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة بالسلطة القضائية، إضافة إلى مشروع قانون هيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، وتحيين قوانين عدد من المؤسسات الحقوقية والرقابية، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، لكل هذا تساءل عاهل البلاد، لماذا لم يتم تحيين قوانين عدد من المؤسسات، رغم مرور أربع سنوات على إقرار الدستور؟ وماذا ننتظر لإقامة المؤسسات الجديدة التي أحدثها الدستور؟، وهو الأمر الذي يستدعي العمل على قدم وساق من أجل تحيين وتطبيق والمصادقة على عدد من القوانين التي تشكل ركيزة أساسية ومهمة من أجل بزوغ مؤسسات جديدة نحن في أمس الحاجة إليها من أجل الرقي ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة، ومن أجل استكمال مسار تكريس دولة الحق والقانون، ودولة المؤسسات. لذلك فقد ختم الملك بأنه:" لذا، ندعو لاعتماد التوافق الإيجابي، في كل القضايا الكبرى للأمة. غير أننا نرفض التوافقات السلبية التي تحاول إرضاء الرغبات الشخصية والأغراض الفئوية على حساب مصالح الوطن والمواطنين، فالوطن يجب أن يظل فوق الجميع."

الملك يعتبر على أن ورش بناء دولة المؤسسات هو ورش مركزي وأساسي في بناء الدولة وضمان استمراريتها، لأن الأفراد يزولون ويموتون وتبقى المؤسسات. فهل سيلتقط من يهمه الأمر هذا الخطاب؟ .

مجموع المشاهدات: 1916 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة