الرئيسية | أقلام حرة | ثورة الملك والشعب، مستقبل الديمقراطية بالمغرب، ومآل دور عائلات الخونة؟

ثورة الملك والشعب، مستقبل الديمقراطية بالمغرب، ومآل دور عائلات الخونة؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ثورة الملك والشعب، مستقبل الديمقراطية بالمغرب، ومآل دور عائلات الخونة؟
 

 

بعد قراءتنا لأربع كتب حديثة العهد هامة جدا حول السياسة بالمغرب وأحداثها التاريخية المتتالية وهما: كتاب للصحافي مصطفى العلوي المعنون "الحسن الثاني الملك المظلوم"، وكتاب الصحافي محمد مطيع تحت عنوان "عبد الرحمان اليوسفي: التناوب "المجهض""، وكتاب للمحامي الفرنسي موريس بوتان المعنون "الحسن الثاني...ديغول، بن بركة، ماذا أعرفه عنهم"، وكتاب لحكيم الغساسي تحت عنوان "نظرة على مغرب محمد السادس"، وجدنا أنفسنا أمام إشكالية معقدة، يمكن تقسيمها إلى إشكاليات فرعية، وبالتالي إلى مقالات تحليلية متعددة، جوهر محورها الأساسي سؤال في غاية الأهمية : مآل المسلسل الديمقراطي بالمغرب وآليات ومنطق قيادته وتفعيله؟. فبعد قراءتنا للكتب السالفة الذكر، لاحظنا أنها تشكل استمرارية في التحليل للكتب السياسية المشهورة حول المغرب المستقل والتي ألفها كتاب وباحثون كبار أمثال الفرنسيان ووتر بوري ولوفو، والأستاذ الجامعي محمد الطوزي (عين الشق)، والأساتذة عزيز عبد المولى العراقي وعبد الغاني أبو هاني ومحمد تميم الذين ناقشوا بعمق إشكالية الارتباط المتفاعل ما بين المنطق السياسي والمجال الترابي (المعهد الوطني للتهيئة والتعمير)، وآخرون.

ما من شك، وهذا بحكم التاريخ، لقد عرف المغرب أكبر خيانة في العصر الحديث كان روادها القياد والباشوات في الأربعينات والخمسينات. لقد عرف كذلك، ولاعتبارات معينة، لا داعي للدخول في تفاصيلها لجهلنا منطقها بالدقة المتناهية، عودة الخونة وعائلاتهم إلى المشهد السياسي من النافذة بعدما تم إخراجهم منه من الباب، وتقوى نفوذهم ما بعد ذلك إلى درجة إدخال اليأس في نفوس أبناء المغرب الأحرار بسبب حرصهم الشديد على إغلاق فضاء إنتاج النخب ترابيا واحتكاره، ليدخلوا بعد ذلك، كما تتبعنا جميعا، مرحلة التراجع النسبي خصوصا بعد نجاح الدولة المغربية نسبيا في بناء التعددية، ليطرح السؤال من جديد حول متى ستفتح، بدون أي اعتبار يذكر، أبواب المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية على مصراعيها في وجه كل أبناء هذا الوطن الأحرار؟. لقد صرح محمد اليازغي، بعد عزل وزير الداخلية القوي إدريس البصري أن المخزن قد "مات"، وصرحت لنا فتيحة سداس في اجتماع رسمي في مرحلة الإعداد الحزبي للانتخابات الجماعية أن واقع الاتحاد الاشتراكي اليوم لا علاقة له بما يشاع في شأن احتمال وجود دور للدولة العميقة في إضعافه، وأن واقعه يؤكد أن ما ينعت ب"الدولة العميقة" يوجد داخل الاتحاد (وهذا واقع تطرقت لبعض معالمه ترابيا في مقالات سابقة)، وقرءنا بالتمعن الدقيق ما كتبه محمد مطيع في شأن معاناة المقاوم اليوسفي (كان قدر هذا الرجل المغامرة من أجل الوطن بدون اعتبارات ذاتية، ولعب دورا حاسما في مقاومة الاستعمار ومقاومة جيوب المقاومة في عدة واجهات، ومنح للمغاربة، بدعم من المرحوم الحسن الثاني وجلالة الملك محمد السادس، الاستقرار، وتحفيزهم بالفعل الملموس على توجيه انتباههم نحو المستقبل). وبعد قراءتنا لكتاب الغساسي "نظرة على مغرب محمد السادس"، تولدت لدينا الرغبة في إعادة قراءة كتب عبد العروي المعبرة عن خواطره خصوصا كتابه الأخير، لعلنا نكون في مستوى استنتاج بعض الدروس والعبر، التي نسعى أن تؤكد لنا أننا لم نسئ التقدير عندما دافعنا، منذ سنوات مرت، عن الخصوصية المغربية، بشقيها السياسي والثقافي والاقتصادي.

الوقوف على حدث الخيانة العظمى للوطن والشعب المغربي

لقد تطرقت عدة كتابات تاريخية لهذه الخيانة، الخيانة التي أعاد الحديث عنها الفرنسي موريس بوتان، القريب من الأحداث مغربيا وفرنسيا، في كتابه السالف الذكر. وعودة الخونة وعائلاتهم عبر النوافذ إلى التأثير سلبا على الحياة السياسية المغربية سماها المرجوم محمد عابد الجابري بإسم "عودة القوة الثالثة" (ولهذا المفكر الهرم كذلك حفريات في الذاكرة في شأن السياسة بالمغرب). لقد جاء في هذه الكتابات أن أغلب رجال السلطة في الأربعينات خونة ومرتزقة أيدوا تنحية السلطان محمد الخامس من العرش. ولتجسيد هذا الواقع ترابيا، أي واقع الخيانة، ارتأينا التعبير عن ذلك من خلال واقع المنطقة التي ننتمي إليها وهي قبائل بني احسن. لقد كان هناك من القياد وعائلاتهم وأصهارهم من لبوا نداء الكلاوي، وهناك من المغرر بهم من يبذل اليوم كل الجهد لمناصرتهم بالرغم من الأذى الذي ألحقوه بالأمة المغربية ومستقبلها السياسي والاقتصادي والثقافي. لقد ثبت كذلك، ونحن نتابع مجريات الأحداث السياسية ببلادنا أن المغاربة الأحرار كانوا ولا زالوا يشكلون جدارا منيعا أمام الطامعين في السيطرة على الحياة السياسية كمنفذ للتحكم في مصادر القرار في البلاد، وبالتالي الاستمرار في خدمة مصالحهم ومصالح أبنائهم. نقدم هذه الحقيقة المرة لنؤكد أمرا واحدا هو كون من يستمر في تأييد، أو بدأ في تأييد، هاته العائلات بدوافع انتهازية لن يكون مصيره إلا "الاحتراق" السياسي عاجلا أم آجلا.

على المغرر بهم اليوم أن يعلموا أن سنة 1953 كانت سنة الخيانة العظمى للوطن والشعب المغربي. لقد أفلح الفرنسيون في الإقامة العامة في تحريض كل من الباشا الكلاوي والشريف الكتاني ودفعهما إلى تحريك القبائل ضد العاهل المغربي وشعبه. لقد اتهمه "الزنادقة" الانتهازيون والمرتزقة ورواد الابتزاز ب"الخروج عن التعاليم الإسلامية"، وطالبوا بعزله. لقد لبى هؤلاء السفلة نداء وحكم الكلاوي القاطع بالإدانة والذي قال بالحرف: " بالنسبة إلي وإلى الباشوات والقياد، فإن السلطان بوصفه أمير المؤمنين فقد شرعيته الدينية" (كتاب موريس بوتان). لقد تمكن الكلاوي، بدعم من النافذين بونيفاص وبلوسون من جمع 350 قائدا وعدد كبير من الأعيان في منزله بمراكش، وبحضور الكتاني، لإتمام إجراءات التنحية (نفس المصدر)... ومن أجل إذلال المغاربة، لقد اتخذ قرار نفي الملك وعائلته إلى مدغشقر والشعب المغربي يستعد للاحتفال بعيد الأضحى. إنه نفي كان المقصود به هو إبعاد القيادة السياسية المجسدة في شخص الملك لتثبيت تعيين بن عرفة، ضعيف الشخصية، في نفس المنصب. وعكس ما كانت تتوقعه سلطة الحماية، وما أكده لها الخونة، تجند المغاربة الأحرار، ولم يتراجعوا إلى الوراء، ولم ينتظروا بعض الشهور لتجريب الوجه الجديد في القيادة السياسية، بل هاج هذا الشعب الأبي المكون من المغاربة الوطنيين الأحرار، ولم يستسلموا قط للسلطات الفرنسية التي كانت متشبثة بإلغاء عقد الحماية وتحويله إلى استعمار رسمي. لقد تفاجأت السلطات الفرنسية أمام حدة هذا الهيجان، بعدما كانت قد أصدرت أحكام قيمة على العاهل المغربي ناعتة إياه ب"سلطان الكاريان سنترال". 

وللإنصاف التاريخي، وليكن في علم المغرر بهم اليوم، لقد كان هناك من الفرنسيين من رفض سياسة فرنسا بالمغرب وعلى رأسهم مندوب الحماية ليون مارشال والاشتراكي فرانسوا ميتران، وأن عدد الشخصيات المغربية النافذة في تلك الفترة (من الباشوات والقياد) التي استقالت من منصبها السامي تنديدا بهذه السياسة كان عددها قليل جدا لا يتجاوز 17 قائدا وباشا فقط وعلى رأسهم الباشا امبارك البكاي (عين أول وزير أول في المغرب المستقل نظرا لوفائه ووطنيته).

في آخر هذه الفقرة، لا يمكن أن لا نختمها بالقول أن اليوم كل من يقف إلى جانب أذناب الاستعمار القديم والجديد، ذووا النيات السيئة الضارة بالمستقبل السياسي الجاد للبلاد، ليس لهم أي مستقبل بين الشعب المغربي، وأن مصيره لن يكون سوى الارتماء في "مزبلة التاريخ". لقد تأكد لنا بعد قراءة الكتب السالفة الذكر أن النخب التي لا قضية لها، وعلى رأسها قضية الديمقراطية الحقيقية والتنمية والعيش الكريم للمغاربة والوحدة الترابية للمملكة، هي اليوم بدون علاقة تذكر مع الرأسمال المادي وغير المادي الذي راكمه الأحرار من أبناء هذا الوطن منذ الاستقلال وتم توطيده والزيادة في قيمته بوثيرة أكبر في العهد الجديد.

مناهضة المغاربة الأحرار للاستعمار ودخول الخونة وعائلاتهم من النوافذ

دائما من خلال الاعتماد على المصادر السالفة الذكر، مباشرة بعد التجرؤ الزائد غير المبرر لسلطة الحماية الفرنسية على السلطان وإلصاق نعت "سلطان الكاريان سنترال" بالمغفور له الملك محمد الخامس، قاصدين بذلك أنه مجرد سلطان للعامة (غير المتحضرة)، تجند المغاربة الأحرار، وازداد حماسهم، وأشعلوا نار المقاومة. وكرد فعل أولي للوطنيين، تم نعت بنعرفة ب"سلطان الفرنسيس"، وتوجت الحركية المجتمعية بالتحام قوي بين الشعب المغربي في شخص الحركة الوطنية والسلطان المنفي ظلما وتعسفا على إرادة شعبه. لقد عرف المغرب غليانا كبيرا لم يتم توقعه من طرف الخونة والفرنسيين، وتبين أن كل من استبعد حقيقة قوة عزيمة المغاربة الأحرار كان يجهل الواقع المغربي جملة وتفصيلا. ومن ضمن الأحداث البارزة التي أدخلت الرعب في قلوب القياد والباشوات الخونة وسلطة الحماية نذكر:

محاولة اختيال بنعرفة بالسلاح الأبيض في ساحة المشور ذهب ضحيتها المقاوم علال بن عبد الله،

تفجير قنبلة بالسوق المركزي بالدار البيضاء من طرف محمد منصور في 24 دجنبر 1953، اليوم الذي صادف عيد ميلاد المسيح حيث اعتبر اختيار هذا اليوم بمثابة رد فعل مغربي ضد نفي السلطان محمد الخامس والمغاربة يحتفلون بعيد الأضحى،

في 20 فبراير من نفس السنة تعرض الكلاوي إلى محاولات اغتيال بقنبلة بأحد المساجد بمراكش نجا منها بأعجوبة،

في 15 مارس من نفس السنة تعرض بنعرفة بدوره إلى إصابات بسيطة على إثر انفجار قنبلة بأحد المساجد بمراكش، الشيء الذي دفعه إلى الانطواء على نفسه والانعزال على الشعب المغربي،

في 24 ماي تعرض الجنرال غيوم لمحاولة اغتيال  وهو في جولة بمدينة مراكش،

في 20 يونيو سيصاب الجنرال هوتفيل بجراح بليغة، وفي 30 من نفس الشهر سيغتال إميل إيرو مدير جريدة "الحرس المغربي"،

......إلخ

وهنا لا بد من الإشارة أن بنبركة، بعد الإفراج عنه، أصبح يعد من الزعماء الكبار صاحب التوجه السياسي الأكثر صرامة في التفاوض مع سلطة الحماية بحيث كان يدافع على ضرورة عودة الملك إلى عرشه وشعبه وأن ينال هذا الشعب كامل حريته من خلال تمتيعه باستقلال حقيقي يمكنه من الاستفادة من خيرات وطنه، وبالتالي قيادته، تحت العرش العلوي، في اتجاه التحديث والعصرنة. لقد كان هذا الرجل قويا في شخصه، وتحرك في كل جهات المملكة، وشكل خلايا قوية لمقاومة طموحات فرنسا في تحويل عقد الحماية إلى استعمار رسمي. وعليه، ونحن على أبواب الاحتفاء بذكرى اختطافه، وإنصافا للتاريخ، لا يجب أن يكون بين تلامذة هذا الرجل (من ضمن المنتمين إلى حزبه) من يدعم عائلات القياد والباشوات القداما الخونة. هؤلاء، إذا كان قدر الشعب المغربي تحمل تلاعباتهم وأطماعهم في عدة مناطق في المملكة بدعم من جهات لا نعلمها منذ 1963 (السنة التي فرض فيها المرحوم الحسن الثاني ربط ممارسة مهام السلطة بالتخرج من المدرسة الإدارية المخصصة لهذا الغرض)، واستعمالهم كل الوسائل لإفساد الاستحقاقات الانتخابية التي يعتبرها الشعب المغربي الخيار الوحيد لبناء مؤسساته القوية المجسدة لحقيقة ذاته وتاريخه، فعليهم أن يعلموا، أن مرحلة العهد الجديد، وما حققته من تراكمات سياسية وحقوقية واقتصادية، قد أكسبت البلاد مناعة قوية ضد الابتزاز السياسي، وأصبحت كل المقومات المؤسساتية في المستوى المطلوب لسد الطريق أمام الممارسات الدنيئة المفرملة للوثيرة الجديدة لمسار تحقيق إرادة الشعب المغربي، إرادة تربط الممارسة الديمقراطية بالتنمية الشاملة.

خاتمة:

من المؤكد أن خروج الخونة من "الباب" وإرجاعهم عبر "النافذة" منذ الاستقلال، وحرصهم الشديد على تسخير ثرواتهم في إفساد الحياة السياسية، قد أدخل المغرب في صراع سياسي دام أكثر من ثلاث عقود إلى أن تم الإعلان رسميا عن تهديد البلاد بالسكتة القلبية. إنها العقود التي مكنت هؤلاء الخونة من الاستمرار في تراكم ثرواتهم المالية وتسخيرها لتعطيل المسار التوافقي لبناء الديمقراطية. 

المؤكد كذلك أن مغرب العهد الجديد، وهو يتقدم في بناء مؤسساته الديمقراطية في إطار تعددية حزبية تضمن توازن القوى والانتقال إلى تحقيق التناوب السياسي المطلوب، أصبح قادرا سياسيا للمضي قدما في اتجاه تضييق الخناق على عائلات الخونة، القداما والجدد، المتربصين بخيرات البلاد والمفرملين لمسارها التنموي في مختلف المجالات. لقد تم إقرار الاعتراف بالاستقلالية التدبيرية للجماعات الترابية من جماعات محلية وإقليمية وجهوية وتم إقرار اعتماد المراقبة البعدية، لكن لا زال مسلسل إنتاج النخب تشوبه عدة عيوب، من المفروض التخلص منها في السنوات القليلة المقبلة بدء من مشروع بناء اللاتمركز الإداري. الشرعية السياسية للنخب في النصف الثاني من العشرية الثانية من العهد الجديد يجب أن يكون أساسها فتح المجال للنخب الوطنية لخدمة الشعب المغربي بصدق وأمانة (الوساطة بالعمل الجاد البناء)

 
مجموع المشاهدات: 2094 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة