الرئيسية | أقلام حرة | معادلات التغيير

معادلات التغيير

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
معادلات التغيير
 

 

 

بٌذِرت بذرة التداعي في الأمة الاسلامية عندما أٌغلِقت أبواب الاجتهاد وانكفأ المسلمون على دراسة العلوم النقلية مغفلين العلوم العقلية،ليبدأ تداعي الأمة بمقدمات التداعي وكان أخطرها كارثة سقوط الأندلس.

 

تمرر السنون والقرون حتى يحل عصر التداعي الحقيقي للأمة والدولة مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين،حيث شهدت بلاد الأناضول تضعضع حكم آل عثمان أرطغرل،تضعضع بدأ مع اضمحلال في أطراف السلطنة العثمانية بسبب عوامل كثيرة، أعقبه فقدان أجزاء من الدولة لصالح الأقوياء الجدد فرنسا وبريطانيا.

 

طالبت القوى الأوروبية الأخرى المنافِسة بنصيبها من تركة السلطنة ومن باقي العالم، مما شكل قاعدة معارضة قوية، أرغمت فرنسا وبريطانيا للجلوس إلى طاولة التفاوض في مؤتمر الجزيرة الخضراء،مؤتمر أدى لتقسيم العالم العربي تقسيما هندسيا بالمسطرة والقلم بين هؤلاء المفترسين، وهم لهذه القصعة لآكلون،ولبطونهم الجائعة لخيرات هذه الأوطان لمالئون.

 

لم يُرضي اتفاق الجزيرة الخضراء ألمانيا تماما، فاعتبرت ذلك الاتفاق إجحافا في حقها لتشن حربين عالميتين كبيرتين أدت إلى انبثاق عصر جديد،عصر له أقوياؤه الجدد،إنهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.رفضتا هاتان القوتان الاستعمار بمفهومه القديم فألزمت المستعمرين إعطاء الاستقلال الجغرافي لمستعمراتهم.

 

لذلك عمل النظام الدولي الجديد على تقسيم العالم العربي وفق اتفاقيات تقسيم جديدة (سايكس -بيكو)،فمنحو كل بلد جديد مصطنع استقلالا مشروطا بنظام راض مرضي عنه، يحافظ على مصالحهم.

 

جعلوا على رأس كل الأنظمة حكاما تابعين،يخشون انفلات السلطة منهم أمام شعوبهم لأنهم لا يفتقدون الشرعية الحقيقية أي شرعية الشعب،خشية تدفعهم نحو ممارسة الاستبداد ضد الشعب.

 

يظل الشعب لغيظه يكظيم لأسباب شتى، فتحصل انقلابات عسكرية في إطار الصراع حول توزيع الثروة والقوة بين أركان النظام بتدبير خارجي في إطار الحرب الباردة التي كانت مستعرة، بعيدا عما يريده الشعب.

 

تعيد هذه الانقلابات إنتاج نفس منظومة الفساد،كما تعيد استبدادا أقوى من سابقه،استبداد ينتهي إلى انتفاض الشعب ووقوع الثورات بعد نفاذ الصبر ووصول الآلام لحد العظام جراء السياسات الاقتصادية والتعليمية والصحية الفاشلة، وجراء انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة الضعف في إنتاج الثروة واللاعدالة في توزيعها.

 

مباشرة بعد سقوط الحكام من خلال الثورات،يبدأ مسلسل وضع العصي في عجلة الثائرين من أجل إفشال غاياتهم في الحرية والعدالة والكرامة وذلك عبر تدخل أياد داخلية متضررة وخارجية داعمة تخشى وصول نيران الهشيم إليها،كيف لا يخشى من كانت بيته كبيت العنكبوت،وإن أهون البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.

 

أدى التدخل إلى قمع الثوار بالحديد والنار، لينتهي مسلسل القمع إلى ردة فعل عنيف من خلال عسكرة الثورات،عسكرة أدت لتشكيل تنظيمات تقاتل دفاعا عن المظلومين ضد المستبدين الظلمة .

 

تمعن الأنظمة في  سفك الدماء، كما تعارض الحلول الوسطى التي تترك البلد، في السلم إلى الأبد،ضدا على إرادة الواحد الأحد، مما يؤدي إلى تكون البيئة الحاضنة لداعش صنيعة الاستخبارات العالمية التي لها مصلحة في وجودها.

 

تمارس داعش داخليا القمع المقدس باسم الدين ودولة الخلافة، فيما تمارس خارجيا التفجير باسم نشر الدين والانتقام من الكفار وتسمي ذلك غزوات، غزوات تؤدي إلى تدخل خارجي باسم محاربة الإرهاب،تدخل يؤدي إلى احتلال مباشر،احتلال يؤدي إلى تقسيم البلد،تقسيم يؤدي لظهور حكام جدد موالين ومذعنين لمن عينهم حماية لسلطتهم ولمصالحهم،إذعان يؤدي إلى ممارسة إستبداد جديد.

 

يبدو للحكيم وكأن الأسطوانة ستعاد من جديد في تقسيم المقسم وتجزيء المجزء،فيجزم إنه عصر التداعي،عصر له بداية لكن يؤكد أن له نهاية في حال توفر شروط معينة.

 

يسأل الحكيم أحدهم وهو يجلس بجواره: ما سبب تداعي الأمة إلى هذا الحد؟

 

يجيب الحكيم: إن الجواب في حديث رسول الله(ص) عندما قال بأن المسلمون سيصبحون غثاء كغثاء السيل برغم كثرة عددهم،تشبيه بالغثاء دليل على أنهم سيكونون مهزومين نفسيا وفكريا وعلميا واجتماعيا وحضاريا،سيصبحون غير قادرين على إحداث التغيير الحقيقي لأنهم لا يملكون الإرادة الحقيقة والفكرة الصحيحة للتغيير المأمول.

 

يسأل الحكيم الجالس أمامه:هل يستطيع الواحد منا دفع السيارة وهو بداخلها؟

 

يجيب الرجل القاعد أمامه:لا.

 

يسأله:لماذا لا يقدر على دفعها؟.

 

يجيب:لا أدري.

 

يقول له الحكيم:عندما تدفع السيارة وأنت بداخلها فلن تستطيع لأن قوتك مؤطرة داخل السيارة،ولأجل تحريكها يلزمك مد أرجلك بالأرض التي ستستمد منها قوة خارجية ضاغطة تجعلك تأسس لقوة محركة للسيارة أو تشغل محرك السيارة بعد شحنها بالبنزين.إن السيارة هي الحالة العامة التي تحيط بنا،ومن أجل رفع هذه المصائب يلزمنا الاستعانة بقوة داخلية هي قوة التغيير النفسي والفكري،فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم،وخارجيا من خلال فهم القرآن فهما سليما مع التمسك بتعاليمه الصحيحة.

 

لذلك وأمام فشلنا في إحداث التغيير بقينا تابعين لكوننا لا نملك ناصية الصلاح والقوة والمعرفة والإنتاج في عالم لا يحترم الضعيف والمتخلف،حتى صرنا تابعين لا متبوعين.

 

يسأل الجالس: وما إسم هذا السبب الذي جعلنا على هذه الحالة المأزومة؟ 

 

أجاب الحكيم:إنه الوهن أي الضعف الفكري والنفسي والحضاري والعلمي وو.....

 

يسأل الجالس:وما سببه؟

 

يجيب الحكيم:إنه حب الدنيا وكراهية الموت،حب الحاكم والمحكوم للملذات وزخرف الحياة، فيما يكرهون الموت كرمز للتضحية،تضحية من أجل عالم بلا فقر ولا أمية ولاجوع،تضحية من أجل عالم بلا فساد،تضحية من أجل عالم بتنمية حقيقية،تضحية من أجل خلق مؤسسات تنتج المعرقة،تضحية من أجل المقاومة والممانعة من أجل القضاء على الوهن،وبالقضاء على الوهن،سنتحول إلى سيل جارف،وبتحولنا إلى سيل جارف،تخشانا الدول ذات الأطماع،فتقيم لنا حسابا ووزنا لنودع حالة التداعي وهذا أعظم جهاد عند الله.

مجموع المشاهدات: 1204 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة