الرئيسية | أقلام حرة | في المجلس الوطني لحزب الاستقلال...

في المجلس الوطني لحزب الاستقلال...

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
في المجلس الوطني لحزب الاستقلال...
 

 

- إننا ننفذ فقط التعليمات. الاستدعاء و البطاقة الوطنية من فضلك.

هكذا كان يتحدث الأمن الخاص  مع  أعضاء المجلس الوطني الراغبين في ولوج حزب الاستقلال لحضور أشغال المجلس الوطني.   هذا الإجراء الغير المعهود خلف تذمرا  لدى بعض الاستقلاليين. فبعضهم كان يردد لم البطاقة الوطنية؟ و لم بودي جارد؟ إنني سألج  إلى حزبي الذي تربيت فيه و ليس إلى مخفر شرطة... 

كان واضحا أن هناك تعليمات مشددة لضبط أعضاء المجلس الوطني. في المجالس السابقة، عدد كبير من الحاضرين لم تكن لهم صفة عضوية المجلس الوطني. و لكن المجلس الوطني هذه المرة كان حاسما و مصيريا في تاريخ الحزب. معظم الاستقلاليين كانوا متوترين و يقظين. كثيرة هي  الأخبار التي  تسربت. و كانت هناك سيناريوهات متعددة محتملة. أسوؤها بالنسبة للعديدين هو  انتخاب أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر السابع عشر. هذا الأمر كان يبدو كارثيا بالنسبة للكثيرين ليس حبا في الأمين العام الحالي. و لكن لأن حزب الاستقلال لم يكن ملتئما. و التحضير لمؤتمر جديد في ظروف غير ملائمة سيأزم وضع الحزب أكثر.

سررت برؤية وجوه استقلالية لم أرها منذ زمن. ربما منذ مشاركتنا في الحملات الانتخابية للتصويت على الدكتور عبد الواحد الفاسي في المؤتمر السادس عشر. في الحقيقة نجاح حميد شباط كأمين عام للحزب بفارق إحدى عشر صوتا خلف شرخا في حزب الاستقلال. بعبارة أدق ليس نجاحه و لكن ما تلاه. لقد رفض تماما تأجيل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية.  الدكتور عبد الواحد الفاسي كان قد أسر لنا في إحدى التجمعات بأنه سيؤجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية إذا نجح كأمين عام لأنه لا يريد أن ينقسم الحزب و أنصار شباط هم إخوة لنا و لا يمكن إقصاؤهم في اللجنة التنفيذية. لهذا السبب معظم من صوتوا للدكتور عبد الواحد الفاسي غادروا إلى أقاليمهم. الأستاذ حميد شباط استغل الوضع. و افتتح أمانته العامة بخطاب من التهديد و الوعيد و بأنه لن يؤجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية و بأن زمن "الفشوش" انتهى. فلم يكن بد من الانسحاب لأنه كان واضحا بأن القاعة موجهة. بعض القيادات من أنصار عبد الواحد الفاسي التي لم توافق على الانسحاب و ترشحت منيت بهزيمة ذريعة. منذ المؤتمر السادس عشر الأستاذ حميد شباط لم يتغير. ظل دائما يستعمل خطاب التهديد و الوعيد و السلطوية. اقتنعت بأن أسوأ ديكتاتورية هي ديكتاتورية صناديق الاقتراع. حزب الاستقلال في عهد السيد عباس الفاسي كان يعتمد على التوافق و هو بهذا كان يستمع لجميع الأصوات. في ذلك الوقت كل الاستقلاليين بطريقة أو بأخرى كانوا يشاركون في الحكم و في اتخاذ القرار. و معظم الأطياف كانت ممثلة. كانت لدي قناعتي بأن الاستاذ حميد شباط ليس بأمين عام جيد لأنه كان يعتمد على  الاصطدام و لا يؤمن إلا بالقوة. أسلوبه كان يذكرني بنابليون بونابرت و كنت متأكدة أنه سينتهي وحيدا أو معزولا مثله.

قاعة الحزب كانت ممتلئة عن أخرها.  ما إن دخل الأمين العام حميد شباط و أعضاء اللجنة التنفيذية، حتى أخذت القاعة تردد شعارات تأكد على وحدة الحزب و بأن مصلحة الحزب فوق كل اعتبار. رددت القاعة نشيد حزب الاستقلال بحماس و قوة. أجمل ما في حزب الاستقلال نشيده. فهو رمز يوحد معظم الاستقلاليين و يستعمل في مناسبات عدة. إذا احتد الخلاف في القاعة  يردد نشيد الحزب لطيه. إذا انتشى الاستقلاليون بالنصر يرددون نشيد الحزب بفخر و اعتزاز، و إذا أصابتهم مصيبة يرددون نشيد الحزب ليصبروا و يرابطوا.

كان الأستاذ حمدي ولد الرشيد يجلس على يمين الأمين العام و رئيس المجلس الوطني توفيق حجيرة يجلس على يساره. ربما أراد الأمين العام أن يوصل لأعضاء المجلس الوطني بأن أعضاء اللجنة التنفيذية على اتفاق كامل فيما بينهم. خاصة أننا كنا نقرأ و نسمع من هنا و هناك بأن تمة صراع محتدم بين الأمين العام و أعضاء اللجنة التنفيذية.

ما إن هم الامين العام بأخذ الكلمة، حتى أخذ بعض المتواجدين في القاعة تردد شعارات تمجده، كان واضحا أن القاعة اليوم يقظة و تتكون من أطياف مختلفة و كل جهة تريد أن تمرر شعاراتها و رسالتها بدون أن تخدم الجهة الأخرى. فلم يكن الإجماع في القاعة لتمجيد الأمين العام و لكن في نفس الوقت لم يردد أحدهم شعارات ضده,

قبل بدأ الاجتماع و قبل تناول الكلمة من طرف الأمين العام أو رئيس المجلس الوطني، القاعة مررت كل الرسائل لكل من يهمه الأمر. فابتسمت عندما سمعت أحد المناضلين خلفي يعلق على الأمر مازحا مع زميله بأن الاجتماع انتهى. ليقرؤوا البيان الختامي إذن.

هذه المرة، المجلس الوطني كان مختلفا. رئيس المجلس الوطني توفيق حجيرة أكد بأنه لن يسمح بالسب و الشتم. و كل التدخلات يجب أن تحترم الآخر  مهما اختلفنا معه. خطاب الأمين العام هو الأخر كان لينا و لبقا. كان واضحا أن الأستاذ حميد شباط قام بنقد ذاتي و غير أسلوبه بالكامل. 

طلب بعض الأعضاء نقطة نظام. فأكدوا بأن إدراج انتخاب أعضاء اللجنة التحضيرية في جدول الأعمال غير قانوني و يخالف قانون الحزب و يطالبون بإسقاطها. فاشتد الصراع في القاعة بين مؤيد و معارض. و لكن كان واضحا أن عدد المؤيدين أكثر بكثير من المعارضين. فتم إسقاطها في نهاية المطاف من جدول الأعمال.

معظم التدخلات انصبت نحو وحدة الحزب و المطالبة بالمصالحة مع كل الغاضبين و المطرودين  مستنكرين كيف يطرد الحزب نجل مؤسسه و زعيمه علال الفاسي.

رئيس المجلس الوطني و الأمين العام في إدارتهم لاجتماع المجلس الوطني، أكدوا هذه المرة بأنهم لا يريدون أن ينتصر طرف على طرف أخر. و لكنهم يريدون أن ينتصر الحزب.

و أنا أتتبع أشغال المجلس الوطني لحزب الاستقلال، فكرت بجدية بأنه لو كان لسوريا و ليبيا و مصر حزب كحزب الاستقلال، ما كانت هذه الدول ستبلى بالفتن و سفك الدماء. فقوة حزب الاستقلال ليست في عدد المنخرطين فيه و لا في امتداده و لا في أنه حزب له مرجعية ثابتة مستمدة من المجتمع المغربي، و لكن قوته في دهائه السياسي و رزانته و في قدرته على تدبير الاختلاف. فهو لا يسمح لطرف خارجي باستغلال ضعفه. و لا يبني قراراته على الأحقاد الشخصية أو حمية الجاهلية. فهو حزب لا يجد حرجا في مراجعة ذاته و الاعتراف بأخطائه و المضي قدما دون التحسر على الماضي. كما أنه حزب يؤمن بانصر أخاك ظالما أم مظلوما فلا يتخلى على أمينه العام لأنه حزب يؤمن بالمؤسسات و يؤمن بأن الأمين العام مهما أخطأ يبقى واجهة للحزب. فماذا استفادت ليبيا عندما أهانت رئيسها السابق و مزقته إربا  بهمجية سوى أنها أصبحت لقمة صائغة في أيدي الأعداء؟

  

 
مجموع المشاهدات: 982 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة