الرئيسية | أقلام حرة | اضطراب أدوار جمعيات المجتمع المدني بين الاختلالات والاستقلالية

اضطراب أدوار جمعيات المجتمع المدني بين الاختلالات والاستقلالية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
اضطراب أدوار جمعيات المجتمع المدني بين الاختلالات والاستقلالية
 

 

يندرج موضوع جمعيات المجتمع المدني ضمن إطار الديمقراطية التشاركية، وهي تقوم بدور مكمل لدور الأحزاب التي تندرج مهامها ضمن الديمقراطية التمثيلية التي تهدف للوصول الى السلطة، كما نص على ذلك دستور 2011، والرابط بينها يكمن في طبيعة المواطنة بحيث أن جمعيات المجتمع المدني تنشأفي واقع سوسيو تنموي وثقافي، إما بدافع المعاناة أو رغبة في توفير وتقنين منفعة عامة، وتمثيليتها تبقى ارتجاليةتطوعية لارتباطها بحاجات مدنية واجتماعية واقتصادية متنوعة أفقيا أو عموديا، وتدخل سلطة جمعيات المجتمع المدني في مجال السلطة الخامسةفي ترتيب السلط، ومن مميزاتها أنها حديثة وفتية وما يزال مستوى تفاعلها مبهما سواء من حيث التوازن أو التعاون أو الفصل، أي الاستقلالية،  كما جاء ذلك في الفصل الأول من الدستور.

ولتقييم ومساءلة  بنية جمعيات المجتمع المدني  بعد التراكم المتواضع لإسهاماتها الوطنية والترابية نجدها ما تزال تتخبط وتتمرغ في جملة من الإكراهات والصعوبات، منها أنها تعاني نقصا وخللا سواء في الجانب البشري أو المالي أو زمكان الإسهام والحضورالجاد والفعلي  ضمن المعادلات التنموية، و باتباع التحليل الذي يراعي أو يميل الى تطبيق المنهج النسقي، يمكن  التساؤل عن مآل مقترحات ومطالب جمعيات المجتمع المدني بدءا من مدخلات نسق المجتمع المؤسساتي المركب ومصيرها داخل العلب السوداء، ومآلهاكمخرجات للنسق وربطها بنوع التغذية الاسترجاعية، كما تثير مسألة نوع الاستقلالية إشكالا حقيقيا ضمن ماكينة التفاعل الوطني والجهوي والجماعي، لأن النسق يؤمن بتكامل الأدوار وتناسبها وتناغمها كبنية واحدة وليس الفصل القطعي.

إن مغرب العمل المدني ظهر لتدارك النقص الحاصل في مهام الأحزاب السياسية والعمل العمومي بصفة عامة، وما تتميز به البيئة المجتمعية من تعقيدات وصعوبات في تحقيق الحاجات العامة المختلفة التي استعصت على الأحزاب والسلطات معا، مما فرض العمل بالمقاربة التشاركية كمدخل للديمقراطية التشاركية أو النسق التشاركي، وعليه أصبح من المفروض تقييم ماضي وحاضر المغرب التنموي للانتقال من مغرب تدبير الأزمات المختلفة إلى مغرب تقوية المعطيات والرفع من منسوب ضخ طاقات تنموية جديدة في البنية الدولتية ككل، وذلك بتوفير المناخ وتأطير المواطن الحر والواعي وتقوية الانصات والقرب ودمقرطة مستويات التمثيل التشاركي والعمل الجمعوي وأيضا توفير ومراقبة الموارد المالية الكافية،  وتفادي ما سقطت فيه الأحزاب من تقصير في تأطيرها وحضورها وتمثيليتها للمواطنين عبر سنين، والتي تحتاج هي الأخرى الى تهيئة الصرف الصحي الحزبي بسبب المخلفات الضارة بالتطور السياسي، وتطهير بنيةالأحزاب  والبرلمان والحكومة. 

وتبقى السياسات العمومية الوطنية والجهوية سؤال تتقاسمه كل الفعاليات والمكونات الجمعوية الى جانب الدولة والمؤسسات العمومية وطنيا و ترابيا، وإبراز أدوار الجهة والمؤسسات العمومية الجهوية  التي تؤطرها الجهوية المتقدمة، والتمييز بين دور نخب التراب التي تعد أساس نجاح التحول وما يتطلب منها من مراقبة وتأهيل للنوع الجمعوي وإدماجه  في سيرورة التدبير الترابي والحياة العامة، وضرورة النهوض بأدوار باقي الفعاليات الأخرى، ذلك أن تقديم العرائض والمساهمة في المجال التشريعي ومنهجية العمل وإعادة هيكلة الحقل الجمعوي وإخراج مهامه من دائرة عمل من لا عمل له أصبح أمرا ملحا، لكون المنتوج التشريعي مسؤولية والهندسة التشريعية أيضا تحتاج الى تبرير و توضيح، وتغيير دائرة الصراع وآلياته بما يعزز علاقات التكامل لتفادي تكرار سلبيات تجربة الأحزاب، وتشبيب وعقلنة العمل الجمعوي وتعزيز تكافؤ الفرص وتجنب جعل الدولة مطرح للأفكار العدمية دون ذكر لإيجابياتها أمر له الأولوية على الاستقلالية .

و عليه يبقى  دور جمعيات المجتمع المدني رافد من روافد العمل العمومي والسياسات العمومية، لكن لابد من معرفة بابي الدمقراطية المغربية دستورياوالمتمثلين في باب الأمة وباب الشعب لنبقى ضمن ديمقراطية بخصوصية مغربية بدلا من مقاربة الأفكاروالافعال والسلوكات بنماذج  غربية لا تكترث ببراديكم نظام الحياة  الوطنية السياسية والمجتمعية، والتي تستلزم حكامة من نوع خاص تعيد المفاهيم والمبادئ الى مكانها بدءا بالتشخيص و البحث عن مكامن الخلل ضمن التركيبة الغير منسجمة مع القوانين ومنها ظواهر الفقر والبطالة والبنية القروية لغالبية التراب الوطني وغيرها من مشاكل مترتبة عن التصدعات التي لحقت المكونات الثقافية للمجتمع، وما نتج عنها من إتلاف لمنظومة قيم وأخلاق وروابط وصلات و فقدان للتوازن الأسري....الخ، مما يجعل من عمل جمعيات المجتمع المدني عملا شاقا ومتعبا يتعاطى له المواطن  بالصبر والتحمل، أما أن تكون ثقافة وتكوين موارده البشرية ناقصة وإمكانياته المادية ضعيفة أومنعدمة أحيانا، وضعفالمعرفة بالقوانين والمساطر، فتلك عوامل قد تعيق التحول والتعاطي الجيد للعمل الجمعوي، ومنه استمرار الدوران في دوامة الأزمة.

   الدكتور أحمد درداري أستاذ السياسات العمومية بالكلية المتعددة التخصصات بتطوان 

ورئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات

 

مجموع المشاهدات: 1304 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة