الرئيسية | أقلام حرة | ليس دفاعا عن الحركة الاسلامية

ليس دفاعا عن الحركة الاسلامية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ليس دفاعا عن الحركة الاسلامية
 

 

تحل الذكرى السابعة و الستين لاستشهاد أحد أبناء هذه الأمة البررة (12 فبراير 1949). تحل هذه الذكرى ومشروع هذا الابن البار الذي جعل عمره القصير (حوالي 42 عاما) فداء له؛ يتعرض لحملات هنا وهناك، شعارها الأوحد: أصل كل الشرور ومنبع كل الحرائق والتفجيرات ومصدر كل العنف والإرهاب ومبعث كل التطرف والتخلف هو هذا المشروع القروسطوي اللعين والماضوي السحيق: مشروع الحركة الإسلامية.. ومشروع أم الحركات: الإخوان المسلمون. كل من بدأ واجدا قلمه مائلا إلى الكتابة والتحرير يسمي نفسه باحثا في حركات الإسلام السياسي ويختزل كل مطبات المجتمعات والحكومات في العالم العربي، على الأقل، في مشروع أحفاد حسن البنا. بل هناك منهم من يصر، استبلادا للقراء والمتلقين، على أن أحفاد حسن البنا تحالفوا مع أمريكا ودوائر الامبريالية العالمية لإحداث ما سُمي بالربيع الديمقراطي (في 2011-2012-2013) للانقضاض على السلطة والحكومات.

استكثروا على أحفاد حسن البنا أن يكونوا في السلطة في عقر دارهم سنة غير مكتملة: قالوا عنهم ما لم يقَل في الشيطان. بل حتى الشيطان؛ أمهله الله جل في علاه إلى يوم القيامة وأتاح له الحرية الكاملة ليقيم مشروعه على الأرض القائم على الإغواء والوسوسة والإغراء. لكن الإخوان الكرماء (والناس يشهدون بخدماتهم الاجتماعية التي يقل نظيرها في العالم) ربما لا يستحقون من أبناء وطنهم ما استحق الشيطان من الله العلي الكريم (وإن كنت أنسى فلن أنسى معطى هاما يؤشر على مقدار الحقد الذي يكنه البعض للإخوان والشماتة التي يستشعرها وهو يرى الانقلاب الدموي الظالم على التجربة الديمقراطية الفتية؛ فغداة يوم الانقلاب حوالي مستهل يوليوز 2013 ذهبتُ إلى الثانوية بهدف رؤية النتائج فإذا بي أصادف أحد أساتذتي الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي يخاطب أحدهم بكلام يتقطر شماتة وحقدا وبأسلوب ساخر ويخبره بسقوط طائرة الإخوان). حتى أقرباؤهم في تونس الصغيرة (النهضة)، عز عليهم أن يستمروا في قيادة حكومة بتراء فراحوا ينسفون ويٌفجرون ويؤلبون لتستقيل الحكومة مرات ومرات. وجاءت داعش بجرائمها النكراء في حق الإنسانية فراحوا يبحثون لها عن جذور ولم يفهموا أبدا أن التضييق المستمر على الإخوان كحركة اجتماعية وطنية مسالمة  تخترق مجموعة من المجتمعات في العالم لن يفرز سوى داعش بل أسوأ من داعش لا قدر الله.

دعونا نتساءل، أين كان هناك مشروع ناضج لدى حزب من الأحزاب أو حركة من الحركات في أوطاننا لنحاسب الإخوان وعموم الحركة الإسلامية على محدودية فهمها لطبيعة الدولة والسلطة وأسئلتهما والأجوبة الملائمة لإشكالاتهما؟ أين كان هذا؟

هل عند الحركة الاتحادية –التي طالما عبرنا عن تقديرنا غير المحدود لمدرستها وفكرتها النبيلة- التي تورطت في بداياتها، في الستينات بالخصوص، في أحداث عنف وأحلام من هذا القبيل.. هل هناك من يعتبر الحركة الاتحادية حركة سياسية رجعية وهل هناك من يتهمها بالعقم على مستوى النظر السياسي (من حيث إدراكها لطبيعة تناقضات الدولة ومآلات العنف والثورة)؟ لا طبعا، لأنها قامت بنقد ذاتي جريء ومشهود في منتصف السبعينات وقدمت للوطن من مدخل النضال الديمقراطي الشيء الكثير.

هل هناك من تجرأ مثلا وقال إن حركة أقصى اليسار (اليسار الجديد) التي تنحدر منها أغلب الأحزاب اليسارية المبدئية القابضة على جمر الوفاء للديمقراطية كمبدأ وممارسة؛ لا تُجيد السياسة وتملك مشروعا تدميريا للوطن.. لأنها كانت في نهاية الستينات وبداية السبعينات تعتقد سبيل العنف الثوري كسبيل واحد ووحيد لإحداث التغيير أو أنها كانت ضعيفة من ناحية التحليل السياسي وإدراك مآلات المواقف غير المحسوبة في القضايا الرمزية الحساسة كقضية الوحدة الترابية. لا أحد، بإمكانه أن يقول هذا. ولا أحد بإمكانه أن يشير إلى أن هذه الأحزاب اليسارية، التي فيها صفوة أساتذة العلوم السياسية، ذات مقدرة تفسيرية أو تحليلية للوضع السياسي تتسم بالقصور؛ لأنه، باختصار، حركة أقصى اليسار  دشنت بدورها مسلسلا هاما من النقد الذاتي: انطلقت به إلى رحابة العمل السياسي الحزبي المدني وشاطئ النضال الديمقراطي والحقوقي.

وقس على هذا، حركات وأحزاب المشرق: لن تجد أكثرها قد بدأ عمله بالنضج اللازم للسياسة بل لن تلفيها إلا وهي غارقة في الطوباويات والأحلام الكبيرة الفاقدة لأي صلة بالواقع الموضوعي الذي تعيش فيه.

إذن، فمن حق الحركة الإسلامية أن تُخطئ كما أخطأ غيرها. ومن واجبها تدشين عصر جديد من النقد الذاتي. ولكن النقد الذاتي لن يكون موجها إلى الوجهة الصحيحة إلا إذا تم السماح لها بممارسة حقوقها المشروعة في التدبير و السلطة، كي تطعم الممارسة النقدية النظرية بدروس التجربة العملية (والحركة الإسلامية في تونس والمغرب رائدتين في مضمار النقد الذاتي: لكن مازالت الحاجة إلى إعادة النظر في مجموعة من الأمور قائمة). متى نؤمن، يا سادة، أن الوطن يحتاج إلى الحركة الإسلامية وإلى الحركة الأمازيغية وإلى حركة اليسار الجديد وإلى روح الحركة الاتحادية. وسائر أوطاننا تحتاج إلى هذه الشراكة.

إن كان من حسنة لربيع 2011 وما خلفه من زهور معدودة، فهي حسنة النقاش بصوت مرتفع في كل الموضوعات التي كان يتعسر الخوض فيها بهذه الجدية في الفترة السابقة.

مجموع المشاهدات: 1009 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة