الرئيسية | أقلام حرة | أمريكا، الفوضى الخلاقة وشعوب منطقة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أمريكا، الفوضى الخلاقة وشعوب منطقة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أمريكا، الفوضى الخلاقة وشعوب منطقة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
 

 

إن تتبع ملفات الشرق الأوسط ما بعد ما سمي تعسفا بالربيع العربي، وما تتعرض له شعوب المنطقة من قتل واقتتال وتفجير وويلات دائمة.... لا يمكن لهذه الفواجع أن لا تثير نوع من الشعور بالاحتقار والذل والمهانة. إن ما تعرفه المنطقة هو "ربيع غربي" بامتياز، تمكنت من خلاله الدول الغربية الكبرى من تجاوز الأزمات المالية والاقتصادية التي كادت أن تعصف بمنظومتها الرأسمالية الليبرالية. لقد أصبح التراب العربي مستباحا للتدخلات الأجنبية ذات المنطق الاستغلالي المفضوح. فبعد التأكد من تعميم الدمار في الدول القوية الإقليمية (العراق، سوريا، اليمن، ليبيا،...)، اتضح، من خلال مجموعة من المؤشرات، أن الانشغال الأساسي للمتحكمين الغربيين في مسار العولمة المتوحشة مرتبط أكثر بحل أزمات بلدانهم والحفاظ على رفاهية عيش شعوبهم. وهذا يعني أن هناك بلا شك مخططات لتجاوز مرحلة هدم مقومات الدولة في البلدان القوية إقليميا للمرور إلى مرحلة زعزعة الدول المستقرة التي تشق طريقها بالوسائل المتوفرة في اتجاه التنمية الدائمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد تتبعنا في هذه النقطة بالذات الإشادة بحكمة العاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس لما أحدثه من تحولات داخلية في بلاده وفي مسار علاقات المغرب الخارجية. لقد فطن المغرب مغزى وعمق منطق تحركات بان كيمون الأخيرة ورد بقوة، شعبا وملكا، على النيات المبيتة. لقد نجح المغرب في تقوية لحمته الوطنية، وأصبح قادرا على حماية نفسه والدفاع على وحدته الترابية. لقد تطور المسار الديمقراطي بهذا البلد المغاربي إلى درجة مكنه من القدرة على المناورة والتأثير على موازين القوى إقليميا ودوليا.

إن ما عرفه العالم ما بعد هدم جدار برلين، بشعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وجعل الانفتاح الاقتصادي آلية للتنمية وتقوية العلاقات ما بين الشمال والجنوب، خلق نوع من الانطباع عند شعوب الجنوب وكأن العالم يتجه إلى تجاوز المنطق الامبريالي العسكري السابق، وشعاراته المتداولة والشائعة وعلى رأسها "أمريكا، أمريكا عدوة الشعوب، يكفينا، يكفينا من الحروب". لكن التأمل فيما حدث ويحدث في الشرق الأوسط منذ سنة 2011، أصبح يصب أكثر في اتجاه اعتبار كون ما حدث هو مجرد جزء من خطة محكمة، شعارها مستنبط من مفهوم الفوضى الخلاقة للفيلسوف الجزائري ديريدا، لإحداث الدمار الشامل لمقومات الدولة في مجموعة البلدان المؤثرة في المنطقة (مصر، العراق، سوريا، ليبيا،...). فبعدما اندلعت الثورات الشعبية في عدد من الدول المحورية الإقليمية تحت شعار "الديمقراطية والكرامة"، اختزلت كل هاته الشعارات اليوم في شعار واحد وهو "تسريع الحلول السياسية وإعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب". أكثر من ذلك، كان حوار أوباما مع مجلة "أتلانتيك" لاذعا جدا. لقد هاجم المملكة العربية السعودية وتركيا، وبخس من القيمة التاريخية والسياسية والاقتصادية لدول منطقة الشرق الأوسط. لقد أعلن بالواضح ضعف انجذابه بهذه المنطقة المتوترة معلنا تفضيله للدول الصاعدة الأسيوية.

أكتفي بهذا القدر مستحضرا التحركات الأخيرة للملكة السعودية (إستراتيجية 2030)، والتقارب الفارسي التركي، ومبادرات تركيا ورفضها إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب في سوريا، وخطاب العاهل المغربي الأخير في الخليج وردود فعل الشعب المغربي المتماسكة، لأذكر بالمثل المشهور القائل "ما حك جلدك مثل ظفرك". سأبقى متمسكا دائما بضرورة استحضار مصلحة الشعوب الإقليمية في تجاوز الصراع الضيق المصطنع الذي يضع الشيعي عدوا للسني، معتبرا دائما الحل يوجد في المنطقة وليس خارجها. المنطقة اليوم في حاجة ماسة إلى دول موحدة ومستقلة وديمقراطية (مصر، العراق، سوريا، اليمن، ليبيا،...)، وإلى الاجتهاد في خلق محفزات التقارب ما بين الدول والشعوب لبناء منطقة اقتصادية تمتد من البحر الأسود شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا. لقد تأكد أن مع تدخل الدول الغربية في الشؤون الداخلية للشعوب والأمم بالمنطقة ازدادت الأمور تعقيدا، وبات من الضروري تقوية تأثير القوى الإقليمية في مسار التسويات في سوريا والعراق واليمن وليبيا (في البلد الأخير لا يمكن أن لا نشيد بالدور المغربي في مساهمته في إعطاء الانطلاقة للتسوية السياسية).... إن تلاحم الشعوب بقياداتها السياسية لتقوية الديمقراطية والدفاع على السيادات الوطنية أصبح مطلبا مستعجلا لمقاومة الخطط الجهنمية الرامية لإحداث الفتن وتكريس التفرقة والتناحر (فرق تسد) ما بين أفراد الشعب الواحد وما بين الشعوب الشقيقة بتاريخها المشترك. فمن باب المسؤولية التاريخية والسياسية، لا يمكن أن تتوج المعارك الطاحنة في سوريا في اختزال دور الأسد في مجرد قائد للفوضى الخلاقة في بلاده.....

 
مجموع المشاهدات: 963 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة