الرئيسية | أقلام حرة | غير "التفعفيع"...ماذا عندكم لتواجهوا أمريكا؟؟ !!

غير "التفعفيع"...ماذا عندكم لتواجهوا أمريكا؟؟ !!

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
غير "التفعفيع"...ماذا عندكم لتواجهوا أمريكا؟؟ !!
 

 

علاقات الرباط بواشنطن تمر حتما بأسوأ أحوالها، الأكثر من ذلك أن الأمور قد لن تعود إلى سابق عهدها –الوردي- حتى لو جاء رئيس جديد بعد انتهاء هذه الأشهر المعدودة المتبقية من ولاية أوباما والتي حتما ينتظر الساسة المغاربة مرورها بمضض، ومن الواضح كذلك أنها ستكون فترة طويلة وعصيبة جدا على المغاربة في انتظار الانفراج وتنفس الصعداء بعد انتخاب الرئيس الجديد.

ضمنيا يمكن القول أن علاقات المغرب وأمريكا انتقلت من صفة "التحالف" إلى مرحلة "البرود والجمود" وربما مع طبيعة الرد المغربي "العنيف" (بالمقارنة مع طبيعة الردود المألوفة في هذا الشأن) على تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الوضعية الحقوقية في البلد، فذلك يعني  أن الساسة في المغرب اتخذوا قرار التصعيد في العلاقات والرفع بها إلى مرحلة الخصومة والمواجهة المباشرة...

من حيث الشكل كل هذا جميل وجميل للغاية، لأن هذا على الأقل يبشرنا بأن بلدنا أخيرا أصبحت بلدا مستقلا فعلا في قراره، وبلدا لم يعد تابعا لأي كان، ولم يعد بذلك البلد المتسول لرضا الدول الكبيرة، أو تلك الدولة المتزلفة لدى القوى المؤثرة في العالم لنيل العطف والأمان ، خاصة وان صفة "حليف" أو "صديق" من قوة كبرى كفيلة لساستنا الكرام بفتح البلد على مصراعيها ومنح ما يشبه شيكا على بياض مقابلا لها..، كل هذا جميل.

لكن هل قام ساستنا الكرام بعملية حسابية ولو بسيطة كما يقتضي حال ذلك، على الأقل لمعرفة إذا كان التوجه والتصعيد الجديد "مخرج حسابيا" لمصالح البلد فعلا؟، وهل الساسة في البلد على وعي فعلا بحجم الخطوات ومدى خطورة التوجه الجديد، والأكثر من ذلك هل  هؤلاء على أتم الاستعداد فعلا لتحمل التبعات والنتائج التي من الممكن أن تترتب عنه، والتي قد تكون كارثية ومؤثرة للغاية على المصالح القومية للبلد ، سواء في الوقت وحتى على الصعيد المستقبلي؟.

في اليابان عندهم مثل جميل يقول "غبية تلك الجزيرة التي تعاند عاصفة المحيط"، المغرب أيضا سيكون من غبيا وساذجا إذا ما عادا دولة (محيط) كأمريكا، ليس لأننا فقط لسنا أهلا ولا ندا لذلك، لكن لأننا لا نملك ولا نستطيع بل ولم نعتد أصلا على تحديد واتخاذ قراراتنا وخياراتنا بشكل حر ومستقل.

بالتالي فأول نصيحة لصانعي القرار السياسي في البلد هي إذا لم يكن باستطاعتهم الذهاب حتى النهاية والاستعداد لتحمل النتائج والعواقب كيفما كانت فمن الأفضل عدم البداية من الأصل.

الكلام هنا ليس من منطق الجبن والتخويف، لكن لأن منطق الرد الانفعالي والاندفاعي في مثل هذه المواقف هو آخر ما يمكن أن يكون حلا مهما يكن حجم الحنق والغضب المغربي من -الطعنة الأمريكية-، ببساطة لأن أمريكا ليست هي فرنسا وأمريكا ليست هي إسبانيا وأمريكا ليس هي أي بلد آخر، أو ببساطة شديدة أننا لا نملك أي خيارات ولا أي أوراق ذات تأثير حاسم  ضد الأخيرة عكس البلدان الأخرى المذكورة، وما يزيد الأمر تعقيدا أن أمريكا هي الشرطي الأول في العالم ولا حركة ولا سكون تتم إلا بأمرها وموافقتها.

فالمطلوب الآن من الساسة في المغرب ليس هو حجم الرد ولا حتى الشكل الذي يجب أن يكون عليه، بل الأكثر من ذلك أحسن رد على السياسة الأمريكية الجديدة هي اللا رد ، وبدل ذلك يجب التعامل بنوع من التعقل وضبط النفس مع ضرورة القيام بعملية تقييم شاملة للعلاقات على أساس العمل على خلق أوراق وملفات تكون هي وسيلة الضغط والسلاح المضاد على أي استفزاز أو تصادم مستقبلي كما الشأن الآن.

يعني أن الرباط مطالبة من الآن على العمل على إعداد خيارات تجعل الطرف الآخر يتعامل معنا كخصم وند جدير بالاحترام فعلا وحقيقة، وبلدا جديرا بأن يتم العمل له ألف حساب وبالتالي إرغام أمريكا أو حتى غيرها على التفكير مليا قبل القيام بأي خطوة أو اتخاذ أي قرار يمكن أن يمس بالمصالح الحيوية للبلد، أو يتخطى إحدى خطوطه الحمراء من التي لا يمكن لأي كان السماح بتجاوزها.

صحيح أنه لسوء الحظ الخيارات قليلة وهامش المناورة ضيق جدا، حيث عكس المتداول في إعلامنا، فالمغرب ليس بتلك الأهمية الإستراتيجية المؤثرة فعلا بالنسبة لأمريكا، لا في شمال أفريقيا ولا في غيرها، ببساطة لأن المنطقة ببساطة لا تشكل أي أولوية إستراتيجية  لها مادامت لا توجد مصالح حيوية كبرى لها، وحتى استثمارات شركاتها فهي قليلة للغاية بالمقارنة مع مناطق أخرى في القارة أو حتى في الشرق الأوسط.

لكن يبقى التعامل بواقعية وبرجماتية هو أول شيء مطلوب من المغرب، مهما كان الرئيس المقبل مهما كانت سياسته، لان أهم شيء يجب تذكره أن السياسة في أمريكا لا يصنعها الرئيس بقدر ما يصنعها أناس لا يتغيرون و يشتغلون وفق أهداف مسطرة ومصالح ثابتة.

بالتالي فمن خلال تغيير الإستراتيجية في السياسة الخارجية للبلد (وليس التكتيكات فقط) على هذا النحو فيمكن إيجاد بدائل عديدة ومختلفة، بل يمكن صنع بدائل وخيارات تجعل من أمريكا تصنف المغرب كبلد ذو تأثير حقيقي بالنسبة لمصالحها الإستراتيجية والقومية وذلك هو المراد.

فمثلا خطوة الملك بالتوجه نحو "الشرق" (روسيا والصين) مهمة ومهمة للغاية، خاصة نحو الأخيرة، حيث إذا ما عرف المغرب كيف يقيم علاقات إستراتيجية بشكل هادئ ودون اندفاع أو حماس زائد بما لا يثير استفزاز أي من شركائه الآخرين، فانه سيجد مستقبلا شريكا مؤثرا في العالم يمكن أن يناور ويساوم به في أي "ابتزاز" أو قرار ضده من أي من القوى الكبرى الأخرى كما حصل مع أمريكا.

الخيار الآخر أن المغرب مطالب بلعب أدوار أكبر على الصعيد الإقليمي خاصة ملف  القضية الفلسطينية، إسوة بسياسة الراحل الحسن الثاني والذي جعل من المغرب قوة مؤثرة ورئيسية كانت له عاملا مساعدا بشكل كبير لتلقي دعم ومساعدة أمريكية خاصة في حربه ضد البوليساريو أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، وما يسمح ويساعد المغرب حاليا بلعب ادوار طلائعية  أكبر في هذا المشكل هو رئاسته لما يسمى لجنة القدس، حيث يمكن أن يشكل ذلك ورقة ضغط ذات تأثير على "إسرائيل" التي ستكون هي الأخرى حينذاك مرغمة على الضغط على أمريكا لتليين أو التراجع عن أي موقف أو سياسة عدائية ضد المغرب . 

ورقة أخرى لا يجب الاستهانة بها كذلك، وهي محاربة أمريكا بنفس السلاح الذي تبتز به المغرب، أي الورقة الحقوقية، حيث الأمور رغم ما قد يبدو ظاهريا أن أمريكا تعيش في جوا من الديمقراطية والحرية وما إلى ذلك، فإن  الحقيقية ليست ذلك تماما، إذ أن الانتهاكات المرتكبة خاصة ضد الأجانب، أو العنصرية المتزايد ضد السود خاصة، أو العديد من الانتهاكات كمنع المنظمات الحقوقية من زيارة بعض المؤسسات السجنية مثلا، بل الأكثر والأهم من هذا جرائم الحرب الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الجنود الأمريكيين في مختلف مناطق العالم ... وغيرها، كلها يمكن أن تكون أوراق مضادة بيد الطرف المغربي.

...هذا فقط جزء من البدائل التي يمكن المراهنة عليها في أي علاقة مستقبلية بين المغرب والولايات المتحدة،  الكرة الآن بملعب صناع القرار في البلد، طريقة اتخاذ القرار السياسي المناسب وتوقيته مهم جدا في هذا الجانب، والأهم من كل هذا وذاك أن كل خطوة يجب أن تدرس بالعناية والتروي اللازم والدقيق بما يجعل الأمور تسير بهدوء مع ما يضمن تحقيقا للهدف المنشود.

 
مجموع المشاهدات: 1214 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة