الرئيسية | أقلام حرة | التواصل السياسي للأحزاب المغربية في الانتخابات الأخيرة

التواصل السياسي للأحزاب المغربية في الانتخابات الأخيرة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
التواصل السياسي للأحزاب المغربية في الانتخابات الأخيرة
 

 

إن التواصل السياسي، بالمعنى الحديث، الدال على جملة الممارسات الرامية إلى إقامة روابط بين محترفي السياسة وناخبيهم، وذلك باستعمال خاص للسبل التي تقدمها وسائل الإعلام (من المقال الصحفي إلى الشريط ((Clip ومن النشر البريدي الإلكتروني، ومن السجال المتلفز إلى المنصة والدردشة)، ولد في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن التواصل السياسي خصيصا لم يشهد انطلاقته إلا في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، لما شهدته هذه المرحلة من أحداث جسام (ماي 68، حرب فيتنام وانكسار الإمبريالية الأمريكية وترسانتها العسكرية أمام الطلائع الأولى للمقاتلين الفيتناميين، صعود وانهيار اليسار الجديد، اشتداد وتيرة الحرب الباردة بين الإمبرياليتين الأمريكية والسوفياتية،…الخ). وعلاوة على ذلك، لم يشهد الاهتمام بالتواصل السياسي تطوره النوعي إلا في السنوات العشرين الممتدة من 1970 إلى 1990. وسواء في زمن النشأة والولادة أم في زمن التطور، ارتبط هذا الاهتمام دوما وبكيفية جوهرية باللسانيات ومستجداتها.

لذلك فالأحزاب السياسية، شأنها شأن جميع المؤسسات السياسية في الدولة، تحتاج إلى الدعم الشعبي والمؤازرة الشعبية، حيث يمكن القول أن الاتصال السياسي هو أهم الضروريات التي يجب أن يتبعها الحزب في عمله، ومن المعروف أن هدف أي حزب هو الوصول إلى رئاسة الحكومة أو المشاركة فيها، وهذا لا يمكن أن يوفر له ما لم يتمتع بالتأييد الجماهيري الواسع، وهذا التأييد لابد من توفيره عن طريق التأثير في هذه الجماهير التي تشكل الرأي العام داخل الدولة، وهنا تظهر أهمية الاتصال السياسي الذي يمارسه الحزب في الدولة لبناء أكبر حجم ممكن من التأييد الشعبي له ولبرامجه السياسية. لذلك فعالم السياسة يصعب أن يوجد من دون اتصال، لأنه حلقة الوصل بين الجماهير والنخبة الحاكمة صانعة القرارات، وينطبق ذلك على النظام السياسي أياً كانت طبيعته، فالمواطنون لابد وأن يكونوا قادرين على توصيل رغباتهم ومطالبهم إلى الحكومة، وعلى الحكام أن يكونوا قادرين على توصيل قراراتهم إلى المواطنين، وتبريرها لهم لنيل رضاهم.

ويعتبر التواصل السياسي كذلك، أحد الأدوات الرئيسية والأساسية في اللعبة السياسية والعمل السياسي والحزبي ككل، وهو أداة تمكن الفاعل السياسي من الوصول للرأي العام، وإيصال المحتوى السياسي والإيديولوجية السياسية والبرنامج الحزبي للمواطن، عبر قنوات تواصلية وإعلامية تساهم في نشره، فكما قال العالم Paul Corcoran منذ سنوات عديدة جملة لها وقعها الخاص "السياسة كلام وليس كل الكلام سياسة"، هنا يتبين لنا الدور المهم للتواصل السياسي في المنظومة السياسية، فلا وجود لفعل وفاعل سياسي دون وجود تواصل سياسي هادف وجاد يساهم في بلورة الفعل السياسي وبزوغ الفاعل السياسي، ويساهم في تجويد العمل الحزبي السياسي ببلادنا. وهنا لابد من ذكر مرجعيات مغربية أساسية ساهمت في هذا التجويد والنضج للتواصل السياسي، نذكر منهم كل من عبد الرحيم بوعبيد، علال الفاسي، ومحمد عابد الجابري، هاته الأسماء شكلت مرجعا مهما في مادة التواصل السياسي، وأعطت للفعل السياسي بصفة عامة وللتواصل السياسي بصفة خاصة بريقا جديدا ونموذجا يحتدى به في تجويد المنظومة السياسية والفعل السياسي ببلادنا. لذلك فالفاعل السياسي بالمغرب دخل مرحلة جديدة من التواصل السياسي في الانتخابات المحلية والجهوية التي عرفتها بلادنا مؤخرا، نظرا للمرحلة التاريخية والمهمة والصعبة في الآن ذاته التي تمر منها البلاد في مسار إنشاء دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات. فهل استطاعت الأحزاب السياسية المغربية الرقي بالتواصل السياسي إلى مستوى تطلعات المواطن المغربي في الانتخابات الأخيرة؟

لاشك وأن المغرب يمر بمرحلة حاسمة، تاريخية ومهمة، نظرا لما تم تطويره والمصادقة عليه في السنوات الأخيرة من مؤسسات وقوانين، من بينها دستور 2011 الذي يشهد الجميع على أنه ثورة حقيقية على مستوى الحقوق والحريات التي خولها للمواطن المغربي، وكذلك ما تشهده البلاد من تنظيم ترابي جديد، خصوصا وأننا في مرحلة التطبيق الفعلي لورش الجهوية المتقدمة، هاته الأخيرة التي يعول عليها عاهل البلاد والشعب المغربي من أجل التطوير والنهوض بالوحدات الترابية إلى مرتبة شريك مع الدولة في مسلسل التنمية. لكن هل عرفت الأحزاب السياسية ببلادنا مدى خطورة هذه المرحلة، انطلاقا مما استعملته من تواصل سياسي في مرحلة الانتخابات المحلية والجهوية الأخيرة؟

لقد أكد الملك محمد السادس في خطابه الأخير في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة بمقر البرلمان، بتاريخ 9 أكتوبر 2015، على أنه:" لقد سبق لي أن قلت لكم، من هذا المنبر، بأن الخطاب السياسي لا يرقى دائما إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن. وهنا أنبه إلى أن التوجه نحو الصراعات الهامشية يكون دائما على حساب القضايا الملحة والانشغالات الحقيقية للمواطنين، وهو ما يؤدي إلى عدم الرضى الشعبي على العمل السياسي بصفة عامة، ويجعل المواطن لا يهتم بالدور الحقيقي للبرلمان". لكن هذا لا يمنع من القول بأن بعض الأحزاب السياسية الرائدة بالبلاد استطاعت من خلال تواصلها وخطابها السياسي البناء والجاد استجداب أصوات العديد من المواطنات والمواطنين، وهذا نظرا لاستعمالها العديد من الأدوات التي ساعدتها في ذلك، من جملتها مواقع التواصل الاجتماعي كالفايسبوك وتويتر، وأيضا الإذاعات الخاصة، والإعلام العمومي، والمشهد الفضائي، وقنوات الإعلام المكتوب والإلكتروني، التي استطاعت من خلالها هذه الأحزاب السياسية التواصل بشكل سلس، الشيء الذي سهل عليها مأمورية إيصال محتواها وبرامجها السياسية، وعملت كذلك على تجويد وتطوير فعل التواصل السياسي. وبالمقابل فإن الخطاب السياسي والتواصل السياسي الذي مارسه الطرف الآخر من الأحزاب، من نقذ هدام، وقذف وشتم وتوزيع للاتهامات بلغة ساقطة لغويا ودلاليا، لم يجلب لها في الأخير إلا الخسارة وتضييع أصوات الناخبين، لذلك فالتواصل السياسي الهادف والجاد لاشك وأنه يشكل النواة الحقيقية في بناء الفاعل السياسي الناجح والقادر على الوصول والظفر بأصوات الناخبين، وقادر على تحقيق التغيير الذي يرجوه الناس ويحلمون به ويتطلعون إليه.

إن الخطاب الأخير لجلالة للملك محمد السادس أمام البرلمان، لهو خير دليل على ضرورة الرقي بالتواصل السياسي للأحزاب السياسية المغربية، وهو تأكيد على أن الأحزاب التي لم ترتقي بتواصلها السياسي لم يحالفها الحظ ولم توفق في الانتخابات الأخيرة، لذلك يجب عليها  مراجعة أجنداتها ومحتوى برامجها وكيفية تواصلها السياسي، وأن تقوم بالنقد الذاتي البناء، لتعزيز تواصلها ولتصحيح الأخطاء وتقويم الاختلالات، ومواصلة العمل الجاد، من الآن، ودون كلل أو ملل، من أجل كسب ثقة الناخبين في الاستحقاقات القادمة. 

فالمرحلة التاريخية التي تمر منها البلاد، لا يجب الاستهانة بها واختزالها في تواصل سياسي هدام وغير بناء، يؤدي في الأخير إلى حوار للصم بين الأطراف السياسية والرأي العام، ويهدم المسار التنموي ككل للبلاد. فعلى الأحزاب السياسية اليوم سواء أغلبية أو معارضة، حكومة وبرلمان، أن تتجاوز خلافاتها وصراعاتها الفئوية السياسوية، وتغليب روح التوافق الإيجابي والابتعاد عن المزايدات السياسية، والعمل على تجويد تواصلها السياسي من أجل خدمة مصالح الشعب المغربي، لاستكمال مسار بناء دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات.

فمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مؤطرة للشباب، وتشكل قوة ضاغطة تسمى "شعب الفايسبوك" على المسؤولين السياسيين، بدل الأحزاب السياسية التي لا تلعب دورها في التأطير على النحو المطلوب، وهو ما ينص عليه دستور المملكة لسنة 2011 من خلال الفصل السابع الذي جاء فيه: "تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية"، لذلك على الأحزاب السياسية ببدلانا العمل على تصويب وتطوير خطابها وتواصلها من أجل جذب المواطنين والشباب على وجه الخصوص ودفعهم إلى الانخراط الجاد والفعال في هذه الأحزاب، فما نراه اليوم هو أن هذه الأخيرة همها الأول والأخير هو جذب الأصوات وربح المقاعد والبحث  والدفاع عن المكتسبات الشخصية، وليس التأطير.  

 
مجموع المشاهدات: 2753 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة