الرئيسية | أقلام حرة | مؤسسة المشروع وسؤال إرادة إحياء التفكير في الحداثة والديمقراطية الاجتماعية مغربيا؟

مؤسسة المشروع وسؤال إرادة إحياء التفكير في الحداثة والديمقراطية الاجتماعية مغربيا؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
مؤسسة المشروع وسؤال إرادة إحياء التفكير في الحداثة والديمقراطية الاجتماعية مغربيا؟
 

 

بكل صراحة وصدق، علمتني السياسة بالمغرب أن أحتاط من المبادرات الفكرية والسياسية الجديدة، خصوصا تلك التي يتم إحيائها بعد توقف دام لسنوات. في اعتقادي، الحرص عن اتخاذ المسافات الضرورية عن الأحداث الجديدة هي سمة من سمات محبي هذا الوطن، الوطن المغربي بقواته الحية وتراكماته السياسية والحقوقية. إنه في نفس الوقت حق من حقوق الفاعل الطامح إلى أن يطمئن على مستقبل هذا الوطن بشعبه ومؤسساته، مستقبل تكون فيه البلاد لحمة واحدة قوية غير قابلة للاختراق الأجنبي كيف ما كان نوعه، أي لحمة مقاومة لكل التعبيرات الانتهازية. أقول هذا لأنني كنت دائما مناوئا لما يروج من عبارات فتاكة بالحياة السياسية الحزبية ببلادنا ك"عقدة المركز" وربط الفعل السياسي بما يسمى بالتموقع".... إن ما يسمى بالهوامش، وأعنى بذلك، كل ما هو خارج عن الدائرتين لتراب الرباط والدار البيضاء، شكل دائما مرتعا للعمل السياسي الجاد. فأغلب النخب الوطنية وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل دعم القوات الشعبية في قرى ومدن ما يسمى تعسفا بالهوامش (لا داعي لذكر النماذج العديدة في هذا المجال)... إنها مجالات ترابية تفرض على الدولة والقيادات، المستفيدة من الدعم الشعبي منذ الاستقلال، السعي المستمر للبحث عن نخب جديدة قادرة على إسماع صوت المجتمعات المحلية إلى المؤسسات الترابية والمركزية. إن التنمية الترابية بدون وسطاء، أكفاء معرفيا وتجربة، ومنبثقين من مسلسل لإنتاج النخب بآليات ديمقراطية واضحة المعالم، ستكون نتائجها أو حصيلتها بالطبع محدودة أو ضعيفة......

لن أكثر الكلام في هذا الموضوع بالرغم من أهميته، لأعود لمبادرة عدد كبير من النخب في مختلف المجالات لإحياء مؤسسة المشروع للتفكير والتكوين..... وهنا أجد نفسي مضطرا للاعتراف بقوة هاته الفكرة وحاجة الشعب المغربي إليها.... لقد اشتغلت حزبيا بكل عواطفي وقوتي في العلاقات الخارجية، واستفدت من ذلك كثيرا على مستوى التحليل والتفكير، لكني لا زلت أتأّسف لإيقاف أو وقف الأشغال في ذلك الإطار.... لقد كانت نتائج العمل بداخل هذه اللجنة، والذي دام لأكثر من سنة، جد مشرفة، مكنت عدد من نخبنا من الوصول إلى مواقع هامة في العمل السياسي الدولي، وحققت البلاد، بفعل مجهوداتها، مكتسبات هامة على مستوى القضية الوطنية والعلاقات الدولية.... 

إن السياق الذي أسست فيه مؤسسة المشروع يفرض على كل المعنيين بهذه الفكرة، وعلى كل المؤسسات الإدارية والمجتمعية المؤمنة بقيم التقدم والحداثة، مسؤولية كبيرة. إن تحقيق الديمقراطية على أساس اختيار البرامج والأفكار الإيديولوجية المرتبطة بتحسين مستوى عيش الشعب المغربي هو مطلب لا يحتمل التأجيل. نعم، التذكير بالماضي السياسي المغربي أمر محبذ وضروري لاستنباط الدروس والعبر، لكن لن يجدي في شيء الاقتصار على البكاء على الأطلال... إن إعادة الحياة لأفكار الماضي في الحاضر، وابتكار أخرى جديدة أكثر قوة ومرتبطة بتحسين الحياة المادية للمغاربة في سياق النظام العالمي الجديد، هو من المطالب ذات الأولوية السياسية بالنسبة لأحزابنا ومجتمعنا ومؤسساتنا.

النظام العالمي الجديد جعل العالم يعرف ثورة تكنولوجية واقتصادية وعلمية لم تعرفها الإنسانية لملايين السنين. في ظرف أكثر من عشرين سنة تغيرت حياة الإنسان في المعمور رأسا على عقب، وبات من الضروري التفكير العميق في التداعيات السلبية لهذه التطورات وعواقبها الوخيمة. فإذا كانت هذه السلبيات تشكل بالنسبة لرواد النيوليبرالية الجديدة أعراضا جانبية أو تأثيرات ثانوية للمسار برمته، فإنها بالنسبة لدول الجنوب، خصوصا بالنسبة للدول العربية والمغاربية، تشكل خطرا محدقا على استقرارها وتنميتها.

إن التفكير في العدالة الاجتماعية والديمقراطية التمثيلية، داخل البلد الواحد، وما بين شعوب دول الشمال ودول الجنوب، زمن حرية حركية رؤوس الأموال والسلع والخدمات، أصبح أمرا يطرح نفسه بإلحاح. وعليه، لمسنا في الخطوات الأولى من المسار الجديد لمؤسسة المشروع ما يبشر بالخير ويدعوا إلى المشاركة على أساس الجودة والمردودية.

والحالة هاته، عندما أدعوا إلى تعميق التفكير في هذا الواقع لخدمة مستقبل الشعب المغربي ومؤسساته، أستحضر الحقائق التالية:

المكننة والتكنولوجيا أضعفت النقابات، الشيء التي تسبب في اختلال التوازن ما بين العمل والرأسمال لصالح هذا الأخير،

العالم لم يعرف بعد مفكرا ماركسا جديدا يعري على تناقظات النظام النيوليبرالي الجديد، وتكون إبداعاته العلمية في مستوى تصويب الاعوجاج واختلال التوازنات التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم،

بفعل تنفيذ مخطط "الفوضى الخلاقة" حل محل هدف إشراك شعوب الشرق الأوسط في بناء بلدانها سياسيا واقتصاديا إلى اقتتال دائم جعل هدف إعادة بناء مفهوم الدولة أمرا صعب المنال،

أكثر من 70 بالمائة من جيوش الشغيلة في العالم توجد في القطاع الثالث : التجارة والخدمات، والسوق المالي، والتكنولوجيات الحديثة والقطاع غير المهيكل والسوق السوداء... قطاع يحتاج إلى رواد بآليات فعل جديدة لتقويم العلاقة ما بين التشغيل والسياسة،

إشهار منتوجات وابتكارات الشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات أصبح مجانا تقريبا، الشيء الذي سهل حركية الدخل والفوائد من الجنوب إلى الشمال،

التجارة الالكترونية والبيع عن بعد يتطوران يوما بعد يوم، وقد يؤدي هذا المسار إلى التخلي تدريجيا عن مهن البيع والتجارة في المستقبل القريب،

النقود الافتراضية تكتسح عدد من القطاعات التجارية، الشيء الذي قد يساهم في الزيادة من حدة التهرب الضريبي،

معامل 2000 و 3000 و4000 عامل اندثرت وحلت محلها معامل التقنيين والتقنيين المختصين والروبو،

الإدمان على الانترنيت والقنوات التلفزية الكثيرة والتواصل الافتراضي أفقد عدد كبير من الأطفال والشباب القدرة على القراءة وتطوير المعارف عبر الكتابة والتحليل، وعقد العلاقة ما بين الأجيال (صراع الأجيال) وأضعف أدوار التأطير داخل الأسرة،

ترسيخ ثقافة الاستهلاك والحاجة إلى تقوية شرعية مطالب حماية البيئة والخيرات الطبيعية في البحر والأرض والجو،

مسار ترسيخ ثقافة الإنسان العالمي التي يطمح إلى تحقيقها رواد الفكر النيوليبرالي تعثرت في العشرية الثالثة التي تلت إعلان النظام العالمي الجديد،

.....إلخ.

كل ما ذكرته أعلاه لا يمكن أن لا يكون حافزا على تقوية العزائم لخلق فضاءات التفكير في المؤسسات وفي منظمات المجتمع المدني،... ومؤسسة المشروع في هذا الإطار تشق طريقها لا محالة إلى أن تصبح فضاء قويا للتفكير وملاذا لكل غيور على مصير القوات الشعبية ومستقبلها ومستقبل كل شعوب العالم الطامحة إلى تحقيق عولمة جديدة بقيم التآخي و"الأنسنة" والتسامح والديمقراطية... فبعيدا عن نزعتي "المركز" و"التموقع"، مطروح على هذه المؤسسة إلزامية إشراك الساكنة في هذا النقاش في كل الأحياء والدواوير على صعيد المملكة. ما ينقص المغرب ليس هي الأفكار بل آليات التفعيل والتواصل على أساس لفت انتباه الشباب للحاجة للتفكير والمشاركة السياسية. فما أحوج البلاد إلى تحريك الناخبين العازفين عن التصويت أو غير المبالين بالاستحقاقات الانتخابية وتغيير مواقفهم اتجاه السياسة من خارج فضاءات العبادة والتقرب إلى الله عز وجل. إن تحويل الفضاء العام ومؤسسات التنشئة بمختلف أنواعها، وعلى رأسها المدرسة، إلى فضاءات للممارسة السياسية، سيكون بمثابة مؤشر قوي على مرور المغرب إلى المرحلة النهائية من مسلسل ترسيخ الفكر الديمقراطي الحداثي في أذهان المواطنين.

 
مجموع المشاهدات: 963 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة