الرئيسية | أقلام حرة | تركيا بين هيمنة العسكر والديموقراطية ، أي خيار؟

تركيا بين هيمنة العسكر والديموقراطية ، أي خيار؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
تركيا بين هيمنة العسكر والديموقراطية ، أي خيار؟
 

 

عرفت تركيا منذ الستينات تواتر المحاولات الانقلابية بشكل يشكك في مدى صلابة الديموقراطية بهذا البلد ذي الموقع الجيوستراتيجي ، المتواجد على قارتين آسيا وأروبا وقربه للشرق الأوسط وما يمثله هذا الأخير من صراع دولي بحكم عدة عوامل اقتصادية والنفطية واستراتيجية (قناة السويس)، تواجد الكيان الصهيوني كقوة عسكرية ضاربة تكبح كل تطور في المنطقة بدعوى الدفاع عن تواجدها وعن كيانها الذي يدعي الديموقراطية في الشرق الأوسط، وتركيا في هذا الموقع لها أن تجد مكانتها الاستراتيجية والاقتصادية في اتجاه إيران وإسرائيل وكدولة متقدمة في الحلف الأطلسي لمواجهة روسيا من الجهة الشرقية لأروبا  والانخراط في اقتصاد الاتحاد الأوربي ونيل عضوية كاملة فيه . إلا أن التحول الذي جر تركيا نحو شد وجذب المؤسسة العسكرية نحو السياسة بشكل وثيق هو ارتباطها التاريخي بمزايا مادية ومعنوية يستفيد منها العسكر وعائلاتهم منذ تأسيس دولة مصطفى كمال  الذي منذ البداية خير الجيش بين مهنة العسكر والسياسة ولقد كان اول من انضبط لذلك بحيث لم يلبس البذلة العسكرية من أجل أن يكرس الطابع المدني للدولة التركية. فالجيش التركي ظل هو الحاضنة الوطنية، بل يراه البعض (1)، المرآة التي سوف تكون الأمة مدعوة لتتأمل نفسها فيها.  إن النظام السياسي التركي عبر تطوره التاريخي جعل من الجيش مؤسسة غير قابلة للمس بها لأنها سعت الى جعل صورتها لصيقة في ذهن الشعب بالأمة ذاتها .

إذن من خلال التاريخ السياسي التركي نجد الجيش هو الفاعل الرئيسي الذي لا يمكن أن يغفله أي محلل للنظام ودوره تعاظم مع مرور الزمن وخاصة لما انضمت تركيا للحلف الأطلسي ، أقوى تجمع عسكري يجمع بين أروبا الغربية وأمريكا الشمالية وقريبا ستصبح استراليا عضوة كاملة فيه . غير أن تركيا وبنيانها الديموقراطي والحقوقي مازال يلقى نوعا من التشكك خاصة لما وصل للحكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي سنة 2002، مما يعني لبعض المحللين أنه مؤشر على تراجعها و ابتعادها عن العلمانية والمدنية.  خاصة وأن الدولة مازالت تحت وصاية الجيش ، كل ذلك وقف حاجزا في تسريع وتيرة قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي . إن التدخل المتكرر للجيش في الحياة السياسية خلال السنوات 40 الماضية ، لم يساعد في صلابة الديموقراطية بشكل جدي وهذا ما سمح للجيش بقيامه بانقلاب 15 يوليوز ، ولكنة إرادة الشعب كانت له بالمرصاد ووقفت في مواجهة مع الدبابة وجها لوجه في ملحمة تاريخية تذكرنا بالصيني الذي وقف في وجه الدبابة في ساحة "تيان مان" إثر قمع النظام الصيني لمظاهرة معادية له. لذلك بقي تأثير العسكر على الحياة السياسية كبيرا بالرغم من إعادة ترتيب العلاقات بين السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية .

 والانقلاب العسكري في تركيا جاء في ظرفية سياسة واستراتيجية يمر بها الشرق الأوسط حيث الدول الكبرى هي الآن بصدد إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة كلها ، ولمواجهة ذلك لابد من ضرورة مرور الشعوب العربية ، بما فيها ايران وتركيا بالطبع على الجسر الديموقراطي حتى يصلوا لبر الأمان وتلافي تلك الخريطة الجديدة التي ستشبه اتفاقية "سايكس – بيكو" ومن سخرية التاريخ في هذه المنطقة المتوترة سوف يكرر التاريخ فعله خاصة وأن كل العوامل متوفرة وناضجة لذلك ، فالحرب في كل جهة من الشرق الأوسط بدءا من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الى العراق وسوريا واليمن وغياب الاستقرار في لبنان وصعود موجة الإرهاب وتنظيم" القاعدة" من قبل و"داعش "الآن وشن هذا التنظيم الإرهابي حربا انتقائية على الدول الأوربية( باطاكلان – بروكسيل ، شاري إيبدو ، قطار باريس واخيرا هجوم نيس ) كلما ضاقت به السبل في الميدان ليفتح جبهات أخرى ، وتركيا في كل هذا نظرا لقربها من المنطقة ودورها في قمع الأكراد ودعم الحلف الأطلسي الذي يقوم بالهجوم على مواقع "التنظيم " كانت متأثرة بشكل مباشر مما يقع في المنطقة من الناحية الاقتصادية والسياحية وها هي تقع فريسة انقلاب عسكري زمن تراجع الانقلابات في العالم مما يؤكد عودة المنطقة الى توتر يطول أمده خاصة لتواجد كل القوة العسكرية العالمية(الحلف الأطلسي والولايات المتحدة وروسيا  )بالإضافة الى الحرب اليمنية التي تحركت فيها الجيوش العربية في تحالف عسكري (السعودية دول الخليج الأردن والمغرب ) لم نشهده في الحروب التي كانت في مواجهة إسرائيل في الحروب الخمس التي عرفها الشرق الأوسط بسبب احتلال فلسطين.                                                                                                   وحتى تتفادى تركيا التفكيك وعودة العسكر عليها ان تبني من جديد الديموقراطية بشكل واسع وتتشبث بمبادئ الديموقراطية والطابع العلماني والعمل على فصل الدين عن السياسة، فكل القوى الغربية بما فيها أمريكا هم في وقفة موحدة للانقضاض على ما تمثله تركيا من تاريخ العثمانيين وكيفية تفتيت الإمبراطورية في عهد عبد الحميد . فكل الإشارات والمواقف السابقة للانقلاب والتي جاءت بعده كلها تدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والحلف الأطلسي لهم جميعهم خيوطا مرتبطة فيما وقع من مجريات الانقلاب، وإن حاولوا النفي بشكل أو آخر. ولقد باتت تركيا في موقف لا رجعة عنه ألا وهو المضي قدما في تكريس الديموقراطية وتحرير المؤسسة العسكرية من أطماع الجنيرالات ذوي النزعة الانقلابية والحنين للعهود الدكتاتورية . والعمل على عدم الدخول في مسلسل الانتقام من المشاركين في الانقلاب دون إخضاعهم للمحاكمة العادلة بمواصفات شفافة ومنح كل الحقوق المتعارف عليه في مثل هذه الحالات من دفاع ودلائل لا تقبل الشك أو التأويل، والعمل كذلك على عدم سن عقوبة الإعدام حتى لا يضعوا جدارا بينهم وبين الاتحاد الأوربي الذي يضع الشروط لدخول تركيا هذا التجمع الاقتصادي

 إذن تركيا وبصراحة المنطقة بمجملها في حاجة ماسة وملحة في الشروع في بناء الديموقراطية لأن السبيل الوحيد لتفادي الاضطرابات التي تتلاحق على المنطقة ، والقادم من السنوات القريبة ستثبت هذا القول ونرى أن الذي يكون محصنا بالفعل الديموقراطي الحقيقي وحده من سيجد بلاده من بين الناجين من التوترات والاضطرابات والإرهاب وكل ما يتبع ذلك من تهجير للمواطنين وغلاء المعيشة وانتشار الأمراض. الديموقراطية وضمان حقوق الإنسان والأقليات واخلاف المعتقدات والأمن والعدالة، أي بكلمة تأسيس دولة القانون ودولة الحق. وليس دولة العسكر ودولة القمع..

المرجع.

- JEAN-LOUIS BALANS

ARMEE ET POLITIQUE EN TURQUIE ou  la démocratie hypothéquée

مجموع المشاهدات: 1011 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة