الرئيسية | أقلام حرة | الديمقراطية الصاعدة بتركيا وسؤال الحكمة والتبصر في قيادة التغيير؟؟

الديمقراطية الصاعدة بتركيا وسؤال الحكمة والتبصر في قيادة التغيير؟؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الديمقراطية الصاعدة بتركيا وسؤال الحكمة والتبصر في قيادة التغيير؟؟
 

 

من باب الموضوعية، لا أحد يمكن أن ينفي أو يتجاهل المجهودات المبذولة لبناء الديمقراطية في تركيا، ديمقراطية كان متوقعا أن تفسح المجال في الآجال القريبة للتناوب على أساس تباين البرامج السياسية للأحزاب الوطنية. بالفعل، إنها ديمقراطية صاعدة جعلت السلطة ترتبط بصناديق الاقتراع، لكن أبانت بعض التطورات أن هناك بوادر تؤكد وجود نوع من الإحساس بالخوف على مستقبل التجربة برمتها. إنه الخوف، كل الخوف، من السقوط في وضعية محاولات تملك المكتسبات، وإعداد شروط مؤيدة لتشبث شخص واحد بالسلطة، مكرسا الانطباع أن مصير تركيا مرتبط بشخصه. في اعتقادي، تركيا، بمكتسباتها السياسية والاقتصادية القوية، تحتاج اليوم إلى القائد الوطني الذي يقود الدولة والشعب التركي بكامله بدون تمييز إلى التناوب الديمقراطي الذي يضمن استمرار مسار تقوية المؤسسات بشكل لا يمكن لأي تأثير داخلي أو خارجي زعزعته أو النيل من بنيانه المرصوص. تحتاج تركيا إلى الحكمة والتبصر اللذان يرسخان في أذهان الأتراك الغنى التاريخي والتنوع الثقافي لشعبها ويبين للقوى الدولية قدرة الأجيال على حماية مسلسل المرور إلى ديمومة الديمقراطية وتثبيتها، وأن مستقبلهم مرتبط بقوة بشعوب منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا....

والحالة هاته، يبقى من غير المقبول ترجيح فرضية افتعال "الانقلاب" من طرف القيادة الحالية للدولة لتصفية المعارضين أينما كانوا وأينما حلوا. إذا ثبت الافتعال في هذا الحدث، الخطير على الشعب والديمقراطية والمؤسسات الفتية، لن تكون الغاية منه في نهاية المطاف سوى "صناعة" جيش وطني على المقاس يخرج عن دوائر السلطة العسكرية المعروفة بتجربتها ووطنيتها وحنكتها، أو قد تكون الغاية منه ترويض وتدجين أغلب رموزها. لقد امتد الاعتقال عشرات الألوف من المعارضين في مختلف الميادين بما في ذلك رجال التعليم والصحافة وفي ظرف زمني وجيز اعتبره بعض المحللين بالقياسي. لقد تابعنا في الإعلام تصريحات رئيس الدولة في شأن نجاته بفارق زمني لا يتجاوز 15 دقيقة من الاعتقال أو القتل وهو في منتزه صيفي مع عائلته. لقد صرح أن طائرتين من نوع إف 16 التابعتين للانقلابيين كانتا تحلقان حول "طائرة النجاة".... أما إذا كانت السلطة الحالية لا يد لها في هذا الانقلاب، فإن حدوثه بتلك الطريقة قد لا تخرج أسبابه عن الفرضيتين التاليتين:

هناك نوع من التذمر عند فئة من النخبة المدنية والعسكرية من طمع الحزب الحاكم في احتكار السلطة والتحكم في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية، تذمر من إصرار حزب المصباح على تحويل النظام الديمقراطي البرلماني إلى نظام رئاسي غامض المعالم أو توفير شروط القوة لإضعاف معسكر ما يسمى برواد الدولة العميقة وحماة علمانية أتاتورك التاريخية. إنه التذمر الذي تحول إلى انفعال عسكري غير محسوب العواقب وصفه بعض المتتبعين ب"الغباء". فنجاح الحكومة في ردع المعارضة المدنية أعمى بصيرة "العسكر" الذي تدخل ليرجع الدولة والشعب إلى ساعة الصفر. إنها وضعية "الصفر" التي يرفضها الشعب وحتى الأحزاب المعارضة رأسا على عقب،....

إنها انطلاقة لإستراتيجية جديدة، بقواها الداخلية المعارضة والخارجية التي تعي نقط ضعف النظام السياسي برئيسه (الذي تخاصم مع أعز أصدقائه بعدما اختلفا في ممارسة السلطة)، قد تنجح في فضح مطامع الحزب الحاكم الذي لا يقبل الشريك في الحكم. إن فرضية إقبال الحكومة على تصفية المعارضين قد يتحول إلى شرارة لاندلاع الفتنة الداخلية، فتنة قد تنال من قوة الدولة والشعب التركي ووحدته، القوة التي حولت بلاد أتاتورك إلى فاعل سياسي وثقافي واقتصادي إقليمي ودولي......

في الختام نقول، لقد تحدثت في مقالات سابقة في موضوع الوحدة الاقتصادية للثقافات الثلاث العربية والعثمانية والفارسية. إنه حديث الغاية منه دائما هو تقوية ركائز القيادة الترابية للديمقراطية السياسية في المنطقة من البحر الأسود شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا. لا زلت اعتقد، إلى حين كتابة هذه السطور، أن خروج شعوب المنطقة من الأوضاع الحرجة (إلى بر الأمان) لن يتحقق بالسرعة المطلوبة ما لم يتم الاقتناع بالطابع الاستعجالي لتحقيق التكتل الاقتصادي لدعم الديمقراطيات الصاعدة (تركيا، المغرب، إيران، تونس، الأردن،...) لتكون نماذج يحتدى بها لإحداث التحول السياسي بالتدرج في الأقطار الأخرى. ففي حالة حسن النوايا، تكتل الديمقراطيات الصاعدة مع دول الخليج يمكن أن يشكل دعامة اقتصادية قوية لخلق التحول في الإقليم العربي الفارسي العثماني برمته، تحول يخدم مصلحة شعوب المنطقة ومكانة بلدانهم الدولية....

 
مجموع المشاهدات: 963 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة