الرئيسية | أقلام حرة | إسرائيل: التطبيع التركي والتضبيع العربي

إسرائيل: التطبيع التركي والتضبيع العربي

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
إسرائيل: التطبيع التركي والتضبيع العربي
 

 

         عاد مؤخرا ليطفوا على السطح موضوع العلاقة مع إسرائيل على ضوء ما تناقلته وسائل إعلام عربية وعبرية  من زيارة وفد سعودي بقيادة اللواء المتقاعد أنور عشقي، ومصادقة البرلمان التركي، على عودة العلاقات الرسمية مع تل أبيب السبت الماضي، بعد قطيعة دامت ست سنوات.

        هذه القطيعة جاءت على خلفية اقتحام جنود إسرائيليين لسفينة " مرمرا " التركية سنة 2010، وقتل عشرة أتراك، وهي في طريقها لنقل مساعدات إنسانية لأهالي غزة، وبالتالي كسر الحصار الجائر المفروض عليها من طرف سلطات الاحتلال.

         بعد هذه الحادثة دخلت العلاقات التركية الإسرائيلية نفقا مظلما، هي التي كانت تنعت من طرف الجانبين بالإستراتيجية، رغم أن الطرفين يعتمدان على بعضهما البعض في كثير من الجوانب الاقتصادية؛ فحجم الصادرات التركية إلى إسرائيل بم يتأثر و قفز إلى 2.925 مليار دولار بحلول عام 2014، مسجلا زيادة قدرها 94.34% بعد كان نصف مليار دولار فقط في عام 2009 حسب صحيفة ''ميللي جازته'' التركية.

        بموجب هذا الاتفاق التطبيعي ستؤمن تركيا دخول المواد التي تستخدم لأغراض مدنية إلى قطاع غزة من مساعدات إنسانية، واستثمارات في البنية التحتية ، وبناء مساكن ، وتجهيز مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني؛ الذي تبلغ سعته 200 سرير وغيرها من النقاط التفاهمية، التي ستنفس لا محال عن المواطن الغزاوي، الرقم المهم على الدوام في معادلة العلاقة بين تل أبيب و أنقرة خلا السنوات الأخيرة.

          من ,,منتدى دافوس,, إثر مشادة حادة بين أردوغان وبيريز، اتهم  فيها الأول إسرائيل بقتل الفلسطينيين وغادر اللقاء، بينما دافع الثاني بانفعال عن حملة بلاده، إلى  حادث مرمرة، حتى توقيع اتفاق التطبيع، ضلت الورقة الفلسطينية مطروحة تركيا؛  فبقدر حرصها على التطبيع، تضع ضمن أولوياتها القضية الفلسطينية وتحرص على تخفيف المعاناة على أهل القطاع، في سجنهم الكبير والمكتظ، وهو على كل حال ما يعتبره العديدون مقامرة بالقضية، كما تراه أطراف عدة مواقف بطولية.

           طبيعي أن تعرف هذه العلاقات تبيانا كبيرا في الأوساط العربية بين متفهم وأخر رافض لعدة أسباب؛ لكن ليست هذه النقطة هي المهمة، ف الأهم أن تركيا رجحت كفت الواقعية وانتصرت للغة المال والأعمال، وصريحة في علاقتها مع نفسها ومع شعبها ومع محيطها الإقليمي والدولي، وتحاول جاهدة خدمة مشروعها الاقتصادي والاجتماعي الطموح؛ الذي كان من ركائزه صفر مشكل خارجي، وهاهي أصبحت نتائجه واضحة الأثر في الشارع والتلفاز والمحلات التجارية والصناعية في المغرب كما في العالم العربي وغيره.

          في عالمنا العربي النفاق الاجتماعي، سياسي أيضا؛ فأغلب دوله مطبعة اقتصاديا وثقافيا، منها من ترفرف راية الكيان الصهيوني في عاصمته، ومنها من ترفرف في وجدانه و تصرفاته و في طبيعة علاقته مع هذا الكيان؛ وإن غابت عن خطاباته الرسمية وأمام الكاميرات، لكن حجم المعاملات التي تكشفه الإحصائيات وتبادل الزيارات في السر والعلنية  يدل على عمق العلاقة بينهما .

        الخطير في المسألة أن التطبيع الجاري على قدم وساق بشكل أو بآخر، من الصعب أن تنفيه أي دولة من المحيط إلى الخليج؛ لكن الأخطر أن عواصم عدة مع هذا فهي تسوق بين الفينة والأخرى خطابات هلامية تارة وعدمية أخرى  أدت إلى هزائم عدة، والمزيد من المستوطنات، وأثبت التاريخ أنها عنتريات فارغة خدمت مصالح أنظمة بذاتها ولم تخدم لا القضية الفلسطينية، ولا مشروع بناء الدولة الوطنية، ولا هي من تجليات مشروع اقتصادي ونظرة استشرافية للمستقبل كما يفعل أحفاد العثمانيون.

          ازدواجية الخطاب السياسي في كثير من العواصم العربية يفسره التيه الذي تعيشه بعض الأنظمة التي لا ترتكز على كثير من الديمقراطية، - كما هو حال إخوان أردوغان- والتي تتخبط شعوبها في العديد من المشاكل التي استعصت على الحل، وتنذر بموجة ثانية من ما بات يعرف بالربيع العربي .

       الربيع العربي الذي ناد بالحرية وتوفير العمل والعدالة الاجتماعية والتنمية الحقيقة، وكل متطلبات الحياة الكريمة، في قلبه اعتبرت القضية الفلسطينية قضية وطنية من طنجة إلى بغداد، فلم يتحقق إلا النزر القليل مما بحت من أجله الحناجر، وحده التطبيع ازداد واتسعت دائرته لتشمل دول كانت إلى وقت قريب تجعله مستحيلا .

 

        صعوبة ربح رهان التنمية والانتقال الديمقراطي في العديد من الدول العربية، والحروب الأهلية التي تشهدها مناطق أخرى، وانتقال أنظمة من خذلان الفلسطينيين وتهميش القضية بعدما كانت مركزية، إلى الاصطفاف مع المحتل؛ ينذر باغتيالها لا قدر الله من الذاكرة الجماعية بأنصاف المواقف واللعب على حبل  اللا اعتراف واللا تطبيع، مع استمرار الارتجالية وغياب أي مشاريع واضحة في السياسة الخارجية كما في قطاعات حيوية عديدة.  

مجموع المشاهدات: 826 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة