الرئيسية | أقلام حرة | "الديب حرام والمرقة حلال"

"الديب حرام والمرقة حلال"

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"الديب حرام والمرقة حلال"
 

 

في أغلب المواجهات "الراديكالية" فكرية كانت أو قيمية أو حتى عسكرية، يكون هناك معسكران يمثلان فسطاطين، يمثل أحدهما الحق أو الصواب، ويمثل الآخر الباطل أو الخطأ.. فإذا تعددت الأطراف ظاهريا، فهي إما تكون ضمن تحالف مضمر أخفاه عالِمه، أو دس يدٍ خفية حركه "شيطان" تشويشا وتدليسا ووأرا،، المهم ألا أطراف إلا الطرفين وإن تعددا ظاهرا!!..

ولا يخرج الاستقطاب والاصطفاف والتعبئة والتجييش المواكب للانتخابات عن هذه القواعد..لذا، ولتقييم موقف المعسكرين قصد تمييز الحق من الباطل أو الصواب من الخطأ، علينا إلقاء نظرة ولو مقتضبة سريعة على مكوني الفرقتين وحلفائهم..

وإذا كان ثابتا أن فرقة المشاركة تتكون منالنظام(رأس الحربة، وأكبر المستفيدين، وأصل الداء)، والمتهِمين/المتهَمين بالفساد، والتماسيح والعفاريت، فماذا عساها أن تمثل هذه المكونات في مجال قيم الخير والشر والصواب والخطأ؟ وماذا تمثل بالتالي غرماؤها الذين لن نكون في حاجة إلى تحديدهم؟!..

إن تلك الفرقة المكونة من طبقة سياسية فاسدة تسيطر على البلد -في إطار صفقات معينة- منذ "الاستقلال" هي التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه، فهي المسؤولة بالقوة وبالفعل عن الحالة،، وبالتالي إذا ما أتى حزب يرفع شعار محاربة الفساد(بغض النظر عن نزاهته هو وصدقه)، فمن يكون الفاسدون الذين وجبت محاربتهم غير المشاركين في الجريمة منذ "الاستقلال"؟!..

لكن عندما يصرح هذا الحزب أنه تحالف مع "الأحزاب" المشاركة في الجرائم حتى يقطع الطريق على شخص/هيأةفاسد كي لا يتولى منصبا معينا، وتفويت ذلك لشخص آخر ثابت الفساد بالاسم والصفة،، فإن هذا يصيب بالغثيان، إذ كيف تتحالف مع فاسد "قديم""محترف" قد أوغل في المشاركة في النهب منذ عقود سواء كفرد أو كـ"حزب"، ضد فاسد لم يبلغ مقدار ما بلغ غريمه، مع أنهما فاسدان كلاهما؟؟!!!..

نعم للمشاركة إكراهاتها تبتدئ بالتحالفات المرة، لكن لا يمكن استساغة إعادة الأسطوانة في كل مرة: اتهام مباشر حصري بالفساد،،ثم إعادة التحالف مع المتهَم!! كما لا يمكن أبدا هضم اتهام شخص بالفساد، والتحالف مع من هو أقدم منه في "الحرفة" بعقود!!!.. فإذا ما إذاصفت النية وصلحت العزيمة، لكنحصل العجز وتعذر الالتزام،، فإن الانسحاب أشرف بكثير..

إن من يصرح بوجود الفساد(وهو الواقع الذي لا تخطئه العين)، يلزمه أن ينسبه لفاعله متتبعا هرم المسؤولية، ومن لا يريد أن يسند الفعل للفاعل، فخير له أن ينكر وجود الجريمة من الأصل حتى لا يتورط في مثل هكذا تخبط..أما أن تقر باستشراء الفساد وشيوعه وشموله كل المؤسسات الرسمية والمدنية،وتنزه المسؤولين عنه، بل وتتبجح في نفس الوقت بوجود قوانين ومؤسسات وأجهزة ومسؤوليات،،فهذا لا يستقيم..

هذه القاعدة السائدة عندنا في بلد الاستثناء والخصوصية: "الديب حرام والمرقة حلال"،يمكن إسقاطها حتى على تصور كثير من "المنظرين" للعمل السياسي، حيث نجد الكثير منهم قد سخط على كل الأحزاب، وسفه قيادييها، واتهمهم بمطلق أوصاف الجهل والتنفع والتربح والتكسب والارتزاق والسمسرة والمصلحية والتسلق والانتهازية والديكتاتورية والفساد والاستبداد... حتى أن منهم من لا يفتؤون يرددون أنهم لا يثقون في أي حزب ما عدا "60 حزبا من القرآن الكريم"، وهذا النفور والخيبة والإحباط هو موقف سليم له كثير من التبرير، لكن ما يفقده توازنه هو لجوء هؤلاء "المنظرين" إلى التنظير للعمليات الانتخابية وكأن تلك الانتخابات ستقام دون أحزاب، أو ستشارك فيها أحزاب جمهورية السيشل الصديقة!!!..

والواقع أن الانتخابات لا تقوم إلا بالأحزاب، ولا يجب أن يُلتفت إلى تلك الأحزاب إلا إذا كانت تتمتع بالحد الأدنى من الثقة و"الصلاحية"، وتقييمات غالبية المتتبعين تعج بما يفقد كل الأحزاب على الإطلاق أدنى نصيب من متطلبات ما ذكر، وعليه يكون معيبا التنظير لعملية قد نُقضت أركانها من القواعد!!..فإما تزكية العملية بآلياتها المتاحة في الساحة، وحينئذ لا عيب في التنظير لها، أو رفضها من حيث المبدأ، حال تسفيه آلياتها، وهو الحال هنا..

أصحابنا المنظرون لا يجدون غضاضة في الإقرار المسبق باستحالة تنفيذ البرنامج وتحقيق الوعود. وهو ما يشكل دليلا إضافيا على أن اللعبة قذرة، والمهمة مستحيلة، والانسحاب واجب، والخوض فيه عبث، لأن أية عملية نُجمع على إفلاس كل أطرافها وأركانها، لا يمكن لعاقل أن ينتظر منها خيرا..

إن من يقدح في مكونات المشهد دون استثناء لا يُقبل منه التنظير من الداخل، وإنما يجب عليه طرح بديل راديكالي للعملية برمتها،،وهو ما يمكن أن يشكل حقا ديمقراطية جديدة، وبديلا للواقع السياسي المأزوم المتأزم الفاسد..

إن نقض العملية الانتخابية من القواعد بما تتضمنه من "زرقة/مرقة/سرقة"، يترتب عليه بالضرورة السببية والنتيجة الحتمية بطلان نتائجها وفساد منتجاتها مصداقا لـ"ما بني على باطل فهو باطل"...

إن أصحابنا قد غاصوا في هذا "الانفصام" إلى الأذقان حتى وجدوا له "تخريجة" مفادها التبرؤ من الهيآت السياسية والدعوة بدل ذلك إلى اعتماد الاعتبارات الشخصية في التقييم والتعاقد، فاتحين المجال للتساؤل عن واقعية التعاقد الفردي عوض المؤسساتي، خاصة فيما يتعلق بالتواصل والإنجاز والمحاسبة،، وكذا جدوى تحملنا التكلفة المادية والمعنوية لوجد الأحزاب!!..

 
مجموع المشاهدات: 934 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة