الرئيسية | أقلام حرة | الخطاب الانتخابي: وعود وهمية وصراع امتيازات

الخطاب الانتخابي: وعود وهمية وصراع امتيازات

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الخطاب الانتخابي: وعود وهمية وصراع امتيازات
 

 

بمجرد الإعلان عن موعد المعركة الانتخابية، حتى اندلعت حرب التزكيات، وبدأ الجري وراء حجز المراتب الأولى ضمن اللوائح المتنافسة، الأمر الذي يضع أهمية ودواعي التهافت حول ولوج الغرفة الأولى في صدارة الاهتمام، ويبرر السباق الساخن نحو حصد الامتيازات، لكن ثنائية العلاقة بين المجتمع وساسة المرحلة من اللازم أن تكون علاقة مصالحة وقبول وانتقاء، حتى لا تسقط في هوة سوء الاختيار، فيتسع المجال، على أوسع  نطاق، بين المبتغى و الخطاب المزيف، المفرغ من كل حمولاته، فيصبح التواصل في اتجاه دروب الخيال والوهم، فيحول دون السماح بتقويم المسار و الأهداف، فيصعب تجاوز الثغرات والاختلالات، ولكي يخدم الخطاب السياسي/ الانتخابي، أدواره المرحلية، فلابد أن يعقد المصالحة مع ذاته أولا، وماضيه البئيس، الذي ترك سلبيات ونقائص خلفت تراكمات، سوف يصعب تجاوزها بسهولة ويسر، عليه، إذا، أن يعتمد الأبعاد الواقعية للتنمية، وأن ينطلق من روح الثقافة المجتمعية، ويخلص لها، ليخضع، في إطار تقويمه الذاتي، لمنطق مساءلة الذات، ثم إمكانية المساهمة في صنع خريطة طريق الحياة العامة.

 

يصنف الخطاب الانتخابي نفسه بديل اللحظة، لكنه، في الحقيقة، يعد مجرد ممر لعبور قنطرة يختلط فيها المادي بالبشري، كما يمثل رهانا قويا عند المتنافسين، يفرض كسبه اعتماد كل الوسائل، وابتكار جميع الأساليب، المباح وغير المباح، كما ينصب نفسه خلاصا لابد منه، لتجاوز المرحلة بكل سماتها، ثم إنتاج وهم التغيير، أو تغيير الوهم بالوهم.

 

 لعل من شروط التأسيس لمصداقية الخطاب الانتخابي، هو قدرته على طرح حلول للإشكالات الكبرى، تلك التي تعيشها البيئة، واقتراح بدائل للقضايا العامة، التي تعد أساسيات ترتبط بمصالح المواطن، فمن السمات البارزة لقياس مدى صدق الخطاب الانتخابي أو كذبه، هي التركيز على المنحى الوظيفي، ثم تفعيل البرنامج، الغائب/ الحاضر، لدى الغالبية، في المشوار الانتخابي كله، ثم خدمة الأهداف التي تجعل المسؤول السياسي/ الحزبي عازما على تحقيق ولو الحد الأدنى منها، وهو الأمر الذي يجعل من الضروري التمييز بين الخطاب المدني والسياسي.

 

إذا كان الخطاب المدني لغة التداول التي تشمل رموزا وعبارات بعيدة عن أية خلفية إيديولوجية، وعملية تواصلية يومية تخدم أهدافا مدنية، في إطار البعد البسيط الذي يفرض توحيد الأهداف، والتقاء، ولو بشكل نسبي، في النتائج، رغم تقاطع المنطلقات و اختلاف المواقف، كما يشترط ضبط المفاهيم، إذ يعد رسالة تمتلك دلالة لغوية، وتتخذ من فلسفة التواصل وسيلة لبلوغ الأهداف المعرفية الخالصة، كما تهدف نشر قيم التسامح، واعتماد مبادئ الإنسانية، واستحضار الأخلاق، فالخطاب المدني، إذا، نتاج تفاعل وانسجام مختلف المكونات المجتمعية التي يطلق عليها بالقوى الحية.

 

أما خطاب الساسة، الانتخابي، فهو لغة تحاول ربط الحياة السياسية بالواقع، وعملية تواصلية، موسمية، بين مختلف الألوان الحزبية و فئات المجتمع، حيث ينحصر مضمونها في أمور ترتبط بفترة الاستحقاق، وأجندته الضيقة، ليسيطر عليها الفتور فيما بعد، فتختفي نهائيا عن الواقع إلى حين، فالغريب في خطاب الساسة، أنه يستهدف اللعب على الأوتار الحساسة، المرتبطة بقضايا الشعب، كسبيل من سبل استقطابه، ومحاولة استمالته، فيصنف نيل الكراسي ومعانقة المسؤولية على رأس أولوياته، مما يجعل كل من الحقائق التي يحاول تمريرها، والأفكار المتداولة كفيلة بتقويم مساره، ثم أهدافه، لتصبح، في النهاية، معيارا كفيلا بقياس مستوى المشهد الانتخابي، الراهن، فيسهل اتخاد المواقف بشأنها، ثم اختيار الأنسب.

 

على النخب السياسية/ الحزبية التي تحاول وضع نفسها كبديل للمرحلة القادمة، أن تكون في المستوى الذي يؤهلها لسد الفراغ الذي ظل، لفترات، يهدد استمرارية توجهاتها، ويضع مصداقية مؤسساتها الحزبية على المحك، الأمر الذي سينعكس على ممارستها السياسية، لتصبح مهددة بفقدانها شرعيتها ومكانتها، على السواء، بسبب سقوطها في تناقضات، في أغلب الأحيان، بين هويتها وخطابها المغرق في الوهم.

 

نادرا ما تتوفر الشروط والآليات التي تساعد على الممارسة السليمة للسياسة، حيث تشترط استحضار الكثير من الوعي السياسي والفكري، قصد تجاوز مشاكلها البنيوية المتمثلة في فقدان الثقة، فمن المفروض أن تصبح للمواطن حرية الاختيار، بناء قناعاته التي يستمدها من إيمانه بضرورة الانخراط في دواليب الشأن السياسي، ثم محاولة تغييره، ولن يتأتى الأمر إلا بتوفير سبل استرجاع الثقة الضائعة، من خلال إعادة بناء ديمقراطية حقيقية، والتأسيس لاستقرار سياسي من خلال توفير الاختيار السديد والأصلح أولا، بهدف إنجاح مهمة التعاطي مع أساسيات القضايا العامة.

 

إن الحديث عن المشهد الانتخابي الراهن يجرنا إلى الحديث عن أزمة خطاب مغشوش، ذاك الذي يعمل على تلميع الصورة، الأمر الذي يحول دون تحقيق مغزاه الأساسي، بسبب فقدانه للمصالحة مع الذات، وتكريسه لأزمة الثقة، نتيجة سقوطه في تناقضات مع الممارسة التي تعد، بحق، المحك الفعلي و الحقيقي لتبيان مدى صدقه وفاعليته، بل إن جمود الممارسة وقصورها لهو أكبر دليل على تخاذل المشهد السياسي وخروجه عن سكته الصحيحة، التي تفرض على المؤسسات الحزبية تنزيل مقرراتها التنظيمية، والانضباط لها، ثم تغيير استراتيجيتها، بين الفينة والأخرى، كمحاولة منها لتجاوز لعنة الماضي بكل إخفاقاته، ثم اقتراح البدائل الحقيقية، بعيدا عن الوهم، وتحيين البرامج، وجعلها ترتكز على أولويات المرحلة.  

مجموع المشاهدات: 1085 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة