الرئيسية | أقلام حرة | السياسي الغشاش ، السبب قبل النتيجة

السياسي الغشاش ، السبب قبل النتيجة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
السياسي الغشاش ، السبب قبل النتيجة
 

 

من بين أكثر الأفكار تداولا على المواقع الاجتماعية ، والتي تُلاقِي تَجَاوُباً كبيرا مع شريحة كبيرة من اطياف المجتمع هذه الإضاءة التي تقول:

 

" يموت المريض ... على يد طبيب نجح بالغش . تنهار البيوت... على يد مهندس نجح بالغش . نخسرالاموال ...على يد محاسب نجح بالغش. يضيع الدين ...على يد شيخ نجح بالغش. يموت العدل ...على يد قاضي نجح بالغش. ويتفشى الجهل في عقول الابناء ... على يد معلم نجح بالغش."

 

لا أحد سيُجادل في هذا الأمر، لأن الكوارث التي نسمعها يوميا تُغْنينا عن أي تعليق مضاد. لكن أن يتناسى الناس أهم عنصر أدَّى إلى هذه النتيجة ،و يُمسكون بالضحايا لِتَبْرير مواقفهم؟ هنا، يَجِب أن نقف، و نسمي الأشياء بِمُسَمياتها الحقيقية. و إذا أردتم دليلا على ما سأسرُدُه بعد قليل، سأُعطيكم واحدا حقيقيا واقعيا." سنغافورة".

 

هذا البلد الذي يَحلو للبعض تسميته إلى جانب كوريا الجنوبية و ماليزيا و اليابان ، و التي تًدْعى أيضاً بِالنمور الآسيوية، لم يكن حاله أحسن حالا من عدة دول عربية، فسنغافورة لم تنل الاستقلال التام إلا في سنة1965 بعد أن انفصلت عن ماليزيا وكانت تُعاني من كل الويلات الممكنة، بطالة ، اقتصاد منهار، فساد إداري و أخلاقي.....

 

فما الذي جعل هذه الدويلة الصغيرة ذات الموارد الطبيعية المحدودة تُصبح بهذه القوة؟

 

الأمر و الجواب أسهل مما يُتَصَوَّرُ. شخص واحد و إرادة قوية و حزم في تطبيق القانون.

 

اسمه: . سياسيا عظيمالم يكن هذا الشخص طبيبان مهندسا, محاسبا, شيخا أو فقيها، قاضيا, معلما.... بل كان

 

من خلال النهوض ،،الذي رَكز خطته الإصلاحية على "بناء الإنسان"لي كوان يو " أول رئيس لوزراء سنغافورة"بالبحث العلمي ، وعدم إضاعة الوقت في الإصغاء للإذاعات ، ومَنْع الناس من التجمهر إلا لأداء الصلاة ، وإغلاق السجون ليفتح المدارس بدلا منها . كما حارب الفقر والبطالة من خلال مشاريع ناجحة، وجعل لكل مواطن بيتا يسكن فيه بدلا من أكواخ الصفيح على ضفتي النهر.

 

و اعتمد لتحقيق أهدافه على ثلاثة محاور أساسية: محور التعليم، محور التوظيف الحكومي, محور تحديد النسل. وذلك في إطار حزم قانوني لا يستطيع أحد خَرْقَه. ليُحول بلاده من دولة متخلفة إلى دولة صناعية و قوة اقتصادية متطورة، كما حَوَّلَ بلاده من مستنقعات تعُجُّ بالذباب والبعوض إلى مركز استثماري وسياحي عالمي يكتظ بناطحات السحاب. وتمكن من رفع دخل الفرد السنوي في بلاده من 1000 دولار عند الاستقلال إلى 30000 دولار في بداية الألفية الثالثة.

 

الآن سنعود إلى الإضاءة أعلاه. لِنُعِيد صياغتها بشكل أوضح. كل الكوارث و المصائب التي تعيشها الدول المتخلفة يكون السبب فيها "سياسي نجح بالغش" و لا تتوفر فيه خصال الكفاءة و الوطنية، لأنه هو الذي يسُنُّ القوانين و يُجبر الناس على تطبيقها و احترامها، تحت إطار القانون الذي يعلو و لا يُعلى عليه, و هو السبب أيضا في وَضْعِها على الرفوف واهْمَالها و تَرْك الناس يعيشون تحت رحمة قانون الغاب.

 

السياسة التعليمية لا يضعها الأستاذ, الخريطة الصحية لا يتحكم فيها الطبيب، السياسة العمرانية لا يهيئ تصميمها المهندس، القضاء الفاسد لا يتحمل مسؤوليته القضاة و حدهم، المحاسب لا يسرق الناس و لا يُساعد الشركات على التهرب من أداء الضريبة للمجتمع لو كان يعلم أن هناك عدالة ضريبية. و هذه الأمور كلها التي ذكرت من صميم عمل السياسي, فهل يستطيع أحد منكم أن يضع الأصبع على مكمن الخلل؟ بَدل البحث عن شماعة لتعليق الفشل عليها. هؤلاء الموظفون هم مُخْرجات عمل السياسي، أي أنهم ضحايا و ليسوا مسؤولين, وكما يقول المثل العربي:" من شب على شيء ، شاب عليه".

 

نموذج آخر لهذه الحالة هو جاليتنا المغربية، حيث تراهم في أحاديثهم يشكرون انضباطهم للقانون في البلدان الأوروبية و الغربية ولكنهم يكونون أول من يخرقها بمجرد وضع قدمهم لأرض وطنهم.

 

لماذا هذا التناقض؟ السبب هو السياسي. لو كان يُعْطي المثال و القدوة للآخرين، لو كان يمتثل للقانون كالآخرين، لو أحس الناس أن السياسي يُطبق فعلا ما يقول، لتغيرت أشياء كثيرة في مجتمعاتنا المتخلفة. لكن الواقع شيء آخر.

 

كخلاصة لما قيل سأختم بما يلي: علِّم الناس الانضباط، سينضبطون، عَلِّمهم الاحترام سيحترمون ، عَلِّمهم حب العمل ، سيشتغلون، اِضْرِب بيد من حديد على من يُخالف القوانين، سيلتزمون. دع كل هذه الأمور جانبا، سينفلتون. و النتيجة الحتمية لهذا الانفلات هو تلك الإضاءة أعلاه.

مجموع المشاهدات: 1277 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة