الرئيسية | أقلام حرة | الاكتئاب مرض بيولوجي ولا علاقة له بمستوى الإيمان أو قوة الشخصية

الاكتئاب مرض بيولوجي ولا علاقة له بمستوى الإيمان أو قوة الشخصية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الاكتئاب مرض بيولوجي ولا علاقة له بمستوى الإيمان أو قوة الشخصية
 

 

بداية لن ازعم بان الاكتئاب مرض مختلف عن باقي الامراض ولكن لكل مرض خصوصيته والمهم في كل مرض كيف ما كان نوعه هو معاناة المريض وأقاربه. وليس هناك مقياس لمستوى العذاب حتى نزعم أن هذا المرض أو ذاك أشد خطورة و ألماً من غيره. و حتى لا نعطي أهمية مبالغاً فيها لمرض ما حساب بقية الأمراض الأخرى حتى و لو كان السرطان فإنه من الإنصاف والحكمة الطبية أن نهتم بالعذاب الذي يعاني منه المريض أياً كان مرضه لكي نساعده بجميع الطرق ونخفف من معاناته.

 

لقد كان مرض الاكتئاب في عالم الخفاء لكن العلم الحديث توصل الآن لتفسير بعض الأمراض النفسانية مثل مرض الاكتئاب وعلى هذا السبيل فقد عَرَّفت منظمة الصحة العالمية بأن الاكتئاب هو مرض "بيولوجي" وسأوضح لكم هذه المسألة من خلال بعض الأمثلة.

 

فقد كشفت الابحاث العلمية عن عدد كبير من الاختلالات في وظائف الدماغ عند المصابين بمرض الاكتئاب والتي تختفي بعد تناول الأدوية العلاجية بالجرعات المطلوبة. وهذه بعض الاختلالات الدماغية:

 

* انخفاض السيروتونين وهو نقال عصبي منظم للمزاج والنوم وشهية الأكل والآلام وحرارة الجسم ولهذا نجد المكتئب لا يشعر بالفرح و يغلب عليه فقدان الشهية حتى أنه لا يأكل ولا ينام بشكل ممتع ويشعر بالآلام في مختلف أعضائه كما يشعر باضطرابات في الحرارة أو البرودة.

 

* انخفاض النورادرينالين وهو نقال عصبي منظم للتركيز ومستوى الشعور و تفاعلات الأحاسيس والنوم والأحلام ولهذا نجد المكتئب كثيراً ما يشتكي من قلة التركيز وضعف قواه العقلية و غياب الشعور بالفرحة مع أقربائه في المناسبات السعيدة وعادة ما تغلب عليه كثرة الكوابيس أو غياب الأحلام و الأرق.

 

* انخفاض الكلوطاماط وهو نقال عصبي له دور فعال في تفعيل الذاكرة ولهذا نرى المكتئب يشتكي من النسيان وضعف الذاكرة.

 

* انخفاض الكابا وهو نقال عصبي منظم للحركة والنظر ولهذا نرى المكتئب قليل الحركة ويجد كل حركة بسيطة تفوق طاقته كما نراه يشتكي من ضباب أمام عينيه يجعله يخشى ضوء الشمس والأماكن الساطعة بالضوء ويفضل الأماكن المظلمة المُعتمة.

 

* انخفاض الدوبامين وهو نقال عصبي منظم للحركة والمزاج و الوضعية البدنية ولهذا نلاحظ جسم المكتئب في وضعيات غير طبيعية ويخالف الحالة العادية بحيث يكون قليل الحركة ويتحرك أحياناً مثل الإنسان الآلي.

 

* انخفاض الأسيتيلينكولين وهو نقال عصبي هام وله دور حيوي في اليقظة وتنظيم مستوى التركيز وانفعالات الغضب والعدوانية والصحة الجنسية والشعور بـ العطش ولهذا نجد المكتئب يشتكي من البرودة الجنسية و بالجفاف الدائم في فمه وبضعف التركيز وكأنه نائم أو غائب الوعي و تنتابه نوبات غضب سريعة على أبسط الأشياء.

 

* ضعف حجم الجهاز الحُوفِيّ بالدماغ Le système limbique وبالخصوص الهيبوكومب أو فرس البحر وهو مُنظم لوظائف عديدة مثل الانفعالات، المشاعر، الدوافع، السلوك، درجة العدوانية، الذاكرة و القدرة على التعلم و الاستيعاب ولهذا نرى عند المكتئبين كل هذه الوظائف الحيوية مضطربة تماماً.

 

* ضعف مستوى المناعة وانخفاض عدد الخلايا القاتلة للخلايا السرطانية في الجسم.

 

وحتى لا اطيل عليكم أتوقف هنا عن عرض الاضطرابات البيولوجية و الفيزيولوجية عند المريض المكتئب لكي ندرك لماذا عَرَّفت منظمة الصحة العالمية هذا الاضطراب بأنه مرض بيولوجي و أنه لا علاقة له مع المعرفة الموروثة في ثقافتنا الشعبية التي تصور الاكتئاب على أنه نوع من ضعف في الإيمان أو ضعف الإرادة و الشخصية و إذا أخذنا بهذا الموروث فكأننا نقول للمصاب بداء السكري أنه ضعيف الشخصية أو معدوم الإيمان أو كأننا نقول لشخص أصيب بكسور في عظام رجليه أنه لو كانت له شخصية صلبة وإرادة قوية لاستطاع المشي و الجري كالحصان!

 

لقد برهنت الأبحاث الطبية و التجارب العلمية أنه بعد الخضوع لعلاج الاكتئاب وتناول الأدوية المضادة له بشكل منتظم تندثر هذه الاختلالات البيولوجية و الفيزيولوجية ويستعيد المرضى حالتهم الطبيعية.

 

و يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك أنواعاً مختلفة من الاكتئاب و يختلف العلاج باختلاف النوع ولكن تناول الأدوية المضادة للاكتئاب ضروري في جميع الحالات لأنها ترفع من مستوى النقالات العصبية وبسرعة عالية الكفاءة. فالطبيب المتخصص هو الذي عليه تشخيص نوع الاكتئاب ويقرر نوعية الخطوات العلاجية المتبعة. لكن في أغلبية الحالات جدول العلاج يستغرق سنة بأكملها

 

وعند توقيف تطبيق الجدول العلاجي قبل الأوان بدون استشارة مع الطبيب تزداد احتمالات حصول انتكاسات مرض الاكتئاب بوثيرة جد مرتفعة. علماً بأن هذا الجدول العلاجي يمر بعدد مهم من المراحل وإذا استمر المريض في تناول الأدوية دون تتبع طبي و مراقبة دقيقة فسوف يتخطى عدة مراحل قبل الأوان مما سيتسبب بعرقلة الجدول العلاجي وضياع الجهود العلاجية في أسوء الأحوال. ومع الأسف الشديد هذا ما نلاحظه عند أغلبية المصابين بالاكتئاب ونسمعهم يرددون هذه العبارة "هَداك الدْوا هي كَيْكَلْمي بْحال لادْروكْ هي تْوْقْفو يْرْجْعْلِك المرض". ولهذا يجب تطبيق واحترام وصفة الطبيب بكامل الحزم و العناية عند المصاب بالاكتئاب مثل المصاب بداء السكري تماماً فهو أيضاً إذا لم يحترم الوصفة العلاجية لطبيبه فسوف يُعرِض نفسه لارتفاع خطير في مستوى السكر في دمه و حينها هل سيقول في هذه الحالة أن دواء داء السكري هو مجرد مهدئ فقط؟

 

أما بالنسبة لأقرباء المصاب بالاكتئاب فأحسن مساعدة يمكنهم تقديمها فهي:

 

* الصمت: وهو أفضل مساعدة لأن مع الصمت سوف يتم تجنب النصائح التي هي في غير محلها و تزيد الأمور تعقيداً و سوءً حتى لو جاءت في سياق ديني أو بـ حسن نية مثل "وَكونْ مومْنْ نوضْ تْصلي وقْرا القرآن وقاوم نفسك بنفسك......." أو " نوضْ ديرْ الرياضة وسافر بْدّْلْ عْليك الجو وقاوم نفسك بنفسك". أتظنون أن المريض قد أتى من المريخ ويجهل هذه الأمور؟ فإذا لم يكن باستطاعته أن يتحرك أو يفكر أو يبذل أي جهد لأسباب بيولوجية خارجة عن إرادته فكيف له ان يعمل بهذه النصائح و كيف لمصاب بكسور في رجليه أن يمارس تمارين الجري و القفز؟ ! فالصمت هو عين الحكمة و يكون أفضل مساعدة للمريض في مثل هذه الحالات.

 

* حرص الأقرباء على مراقبة تنفيذ الجدول العلاجي و تناول الدواء من قبل المريض و كذلك مرافقته للطبيب والحرص على راحته وحمايته من الزوار الذين يجرحون مشاعره و يدلون مجان بنصائحهم الفارغة.

 

* تفهم معاناة المريض والشعور بآلامه و التضامن معه بالصمت و الصبر و الحكمة و التعاون في تطبيق الجدول العلاجي وهكذا فإن المريض ستتحسن حالته و هو يرى هذا السلوك العملي السليم من أقربائه و أحبته.

مجموع المشاهدات: 2046 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة