الرئيسية | أقلام حرة | عبد الباري عطوان و مطلب الحياد !

عبد الباري عطوان و مطلب الحياد !

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
عبد الباري عطوان و مطلب الحياد !
 

 

( 1 )

ما من شك في أنكم ، السيد عبد الباري عطوان ، تُعدون  بحق رقما إعلاميا عربيا بالغ الأهمية و الاعتبار ، بفضل إنجازاتكم المشرقة في الساحة السياسية و الإعلامية العربية ، الممتدة من الماء إلى الماء ، عرفناكم مدافعين شرسِين و صادقين عن حاضر و مستقبل الأمة العربية ، و طالما واجهتم ألوانا من الصعاب و ضُروبا من الفِتن لإيصال نبض الشارع العربي إلى من يهمهم الأمر ، و بلورة ضمير الشعوب العربية ، و تطلعاتها إلى الوحدة و الديمقراطية و النهوض الحضاري الفعال . و يعتزُ صاحب هذه السطور أن يعلن شغفه الشديدَ بأعمدتكم الصحفية الراجحة منذ ميلاد " القدس العربي " ، في مستهل العشرية الأخيرة من القرن العشرين ، و كثيرة هي المناسباتُ التي عبرتم فيها عما يجيش في أفئدتنا من آلام و أحلام إزاء قضايا عربية مِحرقية ، من قبيل الحرب الأمريكية الظالمة على العراق و القضية الفلسطينية و وحدة الشعوب و الأوطان و الحرية  العدالة الاجتماعية .. بيد أن مياهاً متدفقة جرت تحت جسر " الجسم العربي الجريح " ، حولت مواقفكم الداعمة للحق العربي في اتجاه آخر ، و أصبحتم منذ انطلاق عواصف الربيع العربي تعزفون أنغاما مخالفة إلى حد كبير ، للذائقة العربية السياسية و الحضارية . لا أحد من حقه أن يمنعكم من حرية التعبير عن الرأي ، و التعاطي مع إشكالات العصر من منظوركم الأيديولوجي و السياسي ، بيد أننا نرى أنه من واجبنا كمتتبعين و ككتاب أحببناكم و مازلنا ، أن نتفاعل معكم نقديا خدمة لراهنِ و مستقبل العروبة المستباحة !

( 2 )

لقد عبرتم السيد عطوان ، و ألححتم في التعبير عن دفاعكم المطلق عن الديمقراطية ، و الوقوف الجذري في وجه الديكتاتورية ، و أقررتم بأن بَوْصلتكم في استقراء إحداثيات العالم السياسي تتمظهر في معاداةِ إسرائيل ، فكل من يعادي إسرائيل صديق و كل من يناصرها عدو . غير أنكم أبيتم في السنوات الأخيرة  ربما بسبب منتهى اليأس  ، أو " اليقين " بدنو انتهاء أجل العرب ! إلا أن تلعنوا الظلام و تراهنوا على أوراق غير مضمونة . فلماذا هذه الشماتة منقطعة النظير من الأنظمة الخليجية و السعودية على وجه التحديد ؟ و لماذا هذا القصف اليومي لما تسمونه بنادي الملكيات العربية ؟ ندرك الأخطاء القاتلة و غير المغتفرة للأنساق السياسية " الرجعية " ، و خاصة الكيانات النفطية ، التي لم تنتهز فرصة الطفرة النفطية سنين عددا لإحداث إقلاع تنموي شامل ، و تجسيد تجربة سياسية مدنية ديمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا ، من هيئات حزبية مستقلة تتنافس سلميا على الحكم ، و الفصل الفعلى بين السلطات و محاربة الفساد و الاستبداد .. لكن هل واقع الجمهوريات " التقدمية " العربية على أحسن ما يرام ؟ ألم يُستدرج صدام حسين بغباء غير مسبوق في حروب استنزافية عرض فيها شعبه المغلوب " للدمار الشامل " ؟ ألم يفرض الزعيم عبد الله صالح نفسه على اليمن " السعيد " بجبروته  ، و يتغول في دماء الأبرياء من النساء و الشيوخ و الأطفال ، و يلق بالبلد في سلسة كوارث لا تخفى عليكم ؟ ألم يوصل حسني مبارك " أم الدنيا " إلى الباب المسدود بسياساته القمعية و الطبقية غير المجدية ؟ ألم ينقلب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب شرعيا ، و على كل المؤسسات الوطنية ، و يعلنها حربا ضد الشعب المصري المطحون ؟ ألم ينقلب الجيش الجزائري على نتائج الانتخابات التي مرت في مناخ غير مسبوق من الشفافية و المصداقية ، في أول ربيع عربي ( العشرية السوداء ) ، و يمنع الجزائريين من تقرير مصيرهم بأيديهم ، بعد أن سحق بالصوت و الصورة قرابة 250 ألف من " المواطنين "  ؟ ألم يجعل زين العابدين بنعلي نصف ساكنة تونس من المخبرين ، يحصون أنفاس البلاد و   العباد ؟ ألم يتصد بشار الأسد و " يصمد " في وجه شعبه ، و يقذف الأبرياء من أبناء قرى و مدن سوريا بحميم من القذائف و البراميل المتفجرة ؟ ألم يستدع الروسَ و الفرسَ و جيشَه " النظامي " و حزبَ الله و باقي مرتزقة العالم لإفراغ البلد من قاطنيها الأصليين ، كي يأتي " بخلق جديد " ؟ ألم " ينتصر " الطاغية بشار الأسد على شعبه و يجعل عالي البلد سافلها ؟ و يمنح بذلك هدية لا تقدر بثمن لإسرائيل التي لم تكن تحلم بهذه الخدمة الأسدية " عالية الجودة " .. ؟ 

( 3 )

و على ضوء ما سبق من هذه التساؤلات " المغرضة " ، أعتقد السيد عبد الباري عطوان أنه يجب ألا نمني النفس " بخير " يصدر عن روسيا أو إيران ..  فهؤلاء لم يقبلوا على سوريا لسواد عيون أهلنا في حلب و أخواتها ، بل جاؤوا لتجسيد أجنداتهم ،  و تحقيق أحلامهم في الغزو و التوسع و الهيمنة على مقدرات الشعوب العربية المضطهدة أصلا . لا بل إن عددا من القرائن السياسية  توحي بأن أصحاب القرار الدوليين ، يسعون سعيا نحو إدامة حرب سوريا و تدميرها خدمة للأطماع الإسرائيلية في أرض الشام ، و وضع حد لما سمي بالربيع الديمقراطي في الأوطان العربية و الإسلامية ، حتى لا تتحقق أي نهضة قومية مستقلة عن المصالح الإستراتيجية للإمبريالية العالمية !


مجموع المشاهدات: 1008 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | هاشم العابدي
مقال راءع وتحليل منطقي لواقع الجمهوريات واظن ان الملكيات اهون باسا ، على الاقل ليس هناك صراع على الكرسي ،عبد البري قطب من اقطاب الاعلام لكنه مع ذالك انسان يصيب ويخطىء والسلام
مقبول مرفوض
0
2016/12/05 - 06:39
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة