الرئيسية | أقلام حرة | آن الأوان لنفكر بصوت عالي في بلورة رؤية مستقبلية

آن الأوان لنفكر بصوت عالي في بلورة رؤية مستقبلية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
آن الأوان لنفكر بصوت عالي في بلورة رؤية مستقبلية
 

 

ونحن في بداية سنة جديدة تحمل ما تحمله من رهانات وتطلعات، وتزامنا مع ما يحدث في بلادنا الآن من أزمات متنوعة ومن مخاضات صعبة وعسيرة، ربما حان الوقت لنفكر بصوت عالي في بلورة رؤية مستقبلية، واقعية وموضوعية، منبعثة من تشخيص لواقعنا، ومن تقييم يقف عند النماذج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نهجها المغرب منذ الاستقلال ولم تساعده على إقلاع حقيقي وعلى نهج إصلاح ومصالحة جذرية تصبو لتحقيق الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية بالرغم من استشعار الجميع بتأخرنا التاريخي وإفاقتنا الدونية التي نعيشها، ويبين مكامن النقص ويستشرف الحلول.

 

فكما هو معلوم، هناك العديد من العوامل تضافرت وجعلت المغرب في مصيدة الديون والتبعية رغم الاستقرار السياسي، والموقع الجغرافي، و الموارد الطبيعية، الخ. من هذه العوامل ما هو خارجي، ومنها ما هو داخلي. بعضها موضوعي يعود إلى طبيعة البنيات الاجتماعية والسياسية الهجينة، وبعضها ذاتي راجع إلى سلوك وأفكار وتصورات وإرادات الأفراد. وهي عوامل متداخلة ومتشابكة، لا يمكن الفصل بينها.

 

ولعل أعتي هذه العوائق تلك التي لا زالت مرتبطة بالبنيات الموروثة والشائخة ("المخزن" و"القبيلة" و"الزاوية")، وبمركات وعلامات سياسية واجتماعية وإيديولوجية ودينية، سلبت الأمة المغربية حرية القرار وتحاول أن تسلبها الحق في اختيار شكل وجودها، رغم ما شكلته العديد من التجارب المشرقة في تاريخ المغرب منذ الاستقلال.

 

وفي قراءتنا لبعض المحطات التاريخية، نستحضر ضرب وإسقاط العديد من مشاريع التحرر والانعتاق، وما تلاه من سيطرة سياسية واستغلال اقتصادي واستتباع ثقافي. وقد شكلت "المغربة" (حسب مرسوم 1973) أحد هذه النماذج التي لم يكتب لها النجاح، رغم ما جاءت من أجله لخلق بنيات زراعية مستقلة، والدفع بالاقتصاد الوطني نحو النمو، وخلق استقلالية اقتصادية ضد التبعية، وتشجيع الاستثمار المحلي، وتوزيع عادل للثروات من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع المغربي. لكن ترنح الدولة والمنافسة على سلطة صناعة القرار، حولت أهداف "المغربة" وغيرها إلى غايات أخرى للحفاظ على النسق السياسي وتدجين النخب.

 

ورغم محاولة ربط عملية "المغربة" بالمشروع الديمقراطي كما جاء في أحد أشهر خطابات الراحل الحسن الثاني سنة 1966، والمتعلق بكيفية تسيير الأراضي المسترجعة وخلق "الديمقراطية على الأراضي الفلاحية" (حسب منطوق الخطاب)، شكل صراع وتناحر التنظيمات الاجتماعية، وامتدادات المجتمع السابق، وتعارض البنيات التحتية ومستوى البنيات الفوقية، عرقلة أمام تطور وضع اجتماعي آخر، صاعد ومؤهل للتطور في اتجاه المجتمع الجديد. فهل يمكن إصلاح اليوم ما أفسده الظهر؟.

 

لقد شكل القطاع الفلاحي منذ الاستقلال، أحد القطاعات المهمة في تنمية اقتصاد المغرب، وهو يساهم اليوم بحوالي 15% في النتاج الوطني الداخلي الخام إضافة إلى أنه يوفر 40 % من فرص الشغل. ومعلوم أن القطاع الفلاحي، وعبر التاريخ، تسللت منه أشكال متعددة من التضامن والتماسك (القرابة، الدين والقبيلة). كما يمكن استحضار التجربة التعاونية بالمغرب منذ إحداث "مكتب تنمية التعاون" سنة 1962 في إطار سياسة الإصلاح الزراعي، وما تلاه من إنشاء السدود وتبني إستراتيجية جديدة في استثمار الأراضي المسترجعة (بعد إعادة توزيعها) وتقديم الدعم والاستشارة للفلاحين، ومنحهم القروض من خلال "الصندوق الوطني للقرض الفلاحي" الذي أحدث سنة 1961، كما عرف نظام التعاونيات منذ العقود الأخيرة نهضة في العالم القروي وتطورا ملحوظا في مجالات التربية والتكوين والخدمات ومعالجة النفايات، بعدما كانت مقتصرة على مجالات الفلاحة والسكن والصناعة التقليدية.

 

وأمام هذه اللوحة الشبيهة ب"نظام المجاهد الأكبر التونسي" الذي اعتمدها (بين 1964-1970) نسقا تنمويا لا"رأسماليا" ولا "تأميميا"، يمكن القول أن بعض هذه السمات التي لمسناها في المجال الاقتصادي والاجتماعي، جعلت المغرب متخلفا عن ركب التطور والتقدم الصناعي، لكنه قادر على تطوير تجاربه التضامنية والتعاونية بما يضمن تحسين الأوضاع المعيشية لفئات اجتماعية واسعة من الشعب المغربي، خاصة في العالم القروي.

مجموع المشاهدات: 818 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة