الرئيسية | أقلام حرة | تصفية حسابات إدارية

تصفية حسابات إدارية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
تصفية حسابات إدارية
 

 

تصفية الحسابات كيفما كان نوعها تكون بين طرفي عملية تجارية يقضي طرف لطرف ثان ما ترتب عليه من حقوق مادية أو معنوية. لكن بين الخصوم في مجالات أخرى متعددة، لاسيما في المجال السياسي بالأساس تكون تصفيتها بأشكال متعددة ومتطورة وغالبا ما تكون قاتلة ومأساوية، والتاريخ السياسي يتحدث عن ذلك بإسهاب كبير، والسبب في ذلك أنها لا تحترم القوانين ولا الأعراف، ولا المؤسسات الحقوقية ولا غيرها.

 

هذه التصفيات غالبا ما تحركها أهواء شخصية، وأحقاد دفينة وأهداف ضيقة لفرد أو جماعة تهوى الهيمنة والإستفراد بمنافع استراتيجية، فتعطي الحق لنفسها في الفعل الشامل البعيد عن عيون المراقبة والنقد، كما تغتنم فرصا وأوضاعا إقليمية، محلية ودولية معينة لتوسيع نفوذها لمزيد من السيطرة وتركيع الخصوم. وما الأجواء التي يعرفها العالم اليوم المتنصل بالتدريج من كل تعهداته والتزاماته الحقوقية، وما يرافق ذلك من صعود اليمين المتطرف في العالم لاسيما في أروبا وأمريكا وتموقعه في مراكز القرار السياسي، وما يعيشه المشرق العربي من ويلات الفوضى الخلاقة لفرصة سانحة لن تعوض أبدا لإعادة الكرّة ضد كل ما هو حقوقي، أو مكسب نضالي أو دستوري. حينما نكون أمام هذا الوصف لمكون أو فاعل سياسي نكون كمن يتحدث عن مافيا وليس عن دولة.

 

تذكرنا هذه التعاريف بالتصفيات السياسية التي مرت عبر تاريخ المغرب والتي كانت في أغلبها تصفيات جسدية تُنْهي المسار السياسي لطرف تَبين على أنه أكثر شعبية، وأكثر قدرة وقوة على الحشد والتأثير في الحياة السياسية، ليس فقط من خلال إلتزامه بمواقفه ووضوحه، ومسؤوليته التاريخية اتجاه مناضليه ومن يتعاطفون معه، وإنما أيضا من خلال قدرته على إعادة بناء المنظومة السياسية بشكل جديد تنتقل بها البلاد من أوضاع الفساد الشامل إلى الإصلاح الشامل والنماء الدائم.

 

ولعل الحملة الأخيرة وليست الآخرة التي تشنها الدولة المغربية ضد جماعة العدل والإحسان تندرج في هذا السياق. لكن ما يميز هذه الحملة التي أعتبرها استفزازية هو تركيزها على التصفية الإدارية الجريئة بحكم عدم اعتمادها على أي مرجعية قانونية أو دستورية مما يجعلها مغامرة فقط لجسد النبض مع علمنا كمغاربة أن هذه الجماعة مند تأسيسها سنة 1983 كان نبضها وما يزال الشعب المغربي، كما عودتنا كمتابعين للشأن الوطني أنها لم تبني يوما حركتها وأحكامها على ردود الأفعال بل تبني سياستها استنادا إلى رؤية وطنية تربوية شاملة للفعل السياسي المتزن والحضاري الذي يصب في مصلحة البلد وأهله، وهذه نقطة قوتها.

 

صحيح أن السلطة لدينا في المغرب يؤرقها أن تبقى جماعة العدل والإحسان هادئة وفي مأمن اليوم من التجاذبات السياسية المقيتة التي تطبع السلطة نفسها والأحزاب المرافقة لها في موكب السياسة الخاسر بالمغرب. مما يجعلها في كل مرة تلجأ إلى هكذا أسلوب للإستفزاز، والضغط علها تجد صدى يرد لها الصاع صاعين.

 

المؤرق كذلك للسلطة لدينا في المغرب أن تكون جماعة العدل والإحسان واضحة في مساعيها السياسية بعيدة عن العنف بجميع أشكاله رافضة لكل دعم خارجي مما يجعلها فعلا قوة ناعمة ومنيعة تحضى بإحترام وتقدير حتى من يختلف معها سياسيا وإيديولوجيا.

 

على السلطة بالمغرب أن تعيد النظر في أي سلوك غير محسوب يمكنه أن يضر بمصلحة البلد في مرحلة أصبح المغرب ينفتح دبلوماسيا بشكل سريع وقوي على العالم لاسيما في عمقه الإفريقي، وأصبح رصيده من الإنجازات يرتفع مقارنة مع دول تعيش السفه السياسي الذي لم يجني على البلد إلا الخراب.

 

على السلطة أيضا بالمغرب أن تفتح المجال لمزيد من الحريات للفاعل السياسي والإقتصادي والجمعوي كي يساهم في هذا الانفتاح على العمق الإفريقي لأنه لا مجال أن يعود المغرب إلى بيته الإفريقي من اجل العودة وانتهى الكلام، وإنما المراد تلك العودة البانية التي تمس المواطن المغرب في جيبه في قوت يومه ومستقبل أبنائه.

 

لا اعتقد صراحة أن يغيب على المسؤولين عن الشأن الوطني، أن تكون العودة إلى البيت الإفريقي عودة شكلية فقط، أو عودة للمقاولات العملاقة النافذة الفاسدة كي تتغول أكثر في إفريقيا بعدما أوصلت الأسر المغربية إلى الإفلاس، ولا أعتقد أن سياسة قطع الأرزاق واستهداف أطر وطنية بعدد من القطاعات الحيوية وتوقيفها أو تقزيم دورها في المسؤولية سوف تنفع الدولة اليوم في مواجهة جماعة لها من عقود من الإمتداد والعمق الشعبي ما يجعلها أكثر حصانة وأمنا من ذي قبل من أي سفاهة مخزنية مرتقبة.

مجموع المشاهدات: 1659 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | اكرم
لا اظن ان هناك تصفية لاي حسابات..جماعة لا تخدم الوطن
مقبول مرفوض
0
2017/02/22 - 08:24
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة