الرئيسية | أقلام حرة | الانتهازية...ماذا تعني لساحتنا الوطنية...؟

الانتهازية...ماذا تعني لساحتنا الوطنية...؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الانتهازية...ماذا تعني لساحتنا الوطنية...؟
 

 

في اللغة العربية، تشتق كلمة الإنتهازية في معناها اللغوي من مادة (نهز) التي تعني اغتنم. والانتهاز هو المبادرة، ويقال انتهز الفرصة أي اغتنمها وبادر إليها، وهي في معناها الاصطلاحي لا تختلف كثيرا عن المعنى اللغوي المشار إليه، فالإنسان العاقل هو الذي يغتنم الفرص ويستثمرها من أجل أهداف معينة (1) وهي بذلك، تختلف باختلاف منطلقاتها، قد تكون محدودة ضيقة الأفق لا تخرج عن إطار المنفعية الذاتية القصيرة الأمد، أو قد تكون ذات أهداف سامية ومثل عليا يكافح الإنسان في سبيل تحقيقها ويضحي بالغالي والنفيس من أجلها، وعند ذلك يصبح استغلال مثل هذه الفرص المتاحة عملا مشروعا، بل وواجبا شرعيا قد يحاسب الإنسان على التفريط بها وتفويتها.

 

والإنتهازية في قواميس اللغة العربية القديمة والحديثة، تقترب معانيها من الصيد والدربة والمهارة في الحصول على الفريسة، تقترب من الاحتيال عليها في الوقوع بها واصطيادها.

 

والانتهازية في لسان العرب لابن منظور، ولربما في كل القواميس اللغوية العالمية الأخرى، تأتي بمعنى واحد: انتهز الفرصة في محيطك في موقعك/ في منصبك/ في الحزب الذي تنتمي إليه، كن محتالا بلا أخلاق لتحقيق أحلامك وهواجسك وتطلعاتك.

 

والانتهازي في نظر علماء النفس، إنسان خبيث في ذكائه، يتمتع بمرونة عجيبة، غير مبدئي، براغماتي، لاعب ماهر، يجيد لعب كل الأدوار، يكرس نفسه ومواهبه ومعارفه لمنافعه الشخصية، يمارس نشاطه وفق أيديولوجية اعتيادية، وهو أفضل من يقوم بتزييف الحقيقة، وخداع وتضليل الآخرين، حيث أنه يزيف الواقع برمته مقابل مصالح شخصية ويضحي بمصالح الآخرين في سبيل تحقيق مصالحه الذاتية. فهو يستخدم الواقعية والمثالية تبعا للحالة أو الموقف والفائدة، وبما أن هدفه في العيش هو براغماتي في الأصل، فهو يعمل على أن تتطور أدوات، المجتمع دون تطور لغته المرافقة طبيعيا لتطور الأدوات بحيث يخدم ذلك حياته البراغماتية، ويسعى إلى تجميد المفاهيم وفبركتها، بحيث تخدم أهدافه المرحلية، ويزين الواقع بغية إقناع الآخرين، حتى وإن كانت كرامتهم مسحوقة ومعذبة بما يخدم مصالحه، وهو العدو اللدود للحقيقة ويبذل كل جهده لكي لا تظهر على السطح.

 

وغالبا ما يكون الانتهازي ذو شخصية جذابة ومثيرة، وربما يتمتع بصلاحيات واسعة وسلطات تجعل الكثيرون يتهافتون عليه، وهو في انتهازيته يبحث -عن قصد- عن الأشخاص الملائمين لممارسة تسلطه بأقصى ما يمكن من الانتهازية.

 

الانتهازي في نظر علماء الاجتماع، مجرد من أي مبدأ أو عقيدة أو فكرة أو مذهب معين، وسرعان ما ينقلب على ادعاءاته ولا يمانع من الخروج عن الجماعة التي يدعي الانتماء إليها، ويتصف بصفات الغدر والخيانة للفئة أو الحزب الذي ينتمي إليه أو حتى لبني جلدته أو لأبناء شعبه(2). فهو يجيد لعب كافة الأدوار واقتناص كل الفرص لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية حتى لو كانت غير شريفة وغير أخلاقية، وغير مشروعه/ قانونية والانتهازي في نظر علماء الشريعة، لا يردعه دين ولا قانون ولا أعراف، لذلك نجده في العديد من الأمم يحطم صمودها ويفقدها قدرة التمييز بين الحقيقة والزيف.

 

الانتهازية في العصر الحديث، كما في العصور الغابرة، لم تشكل طبقة أو فئة وإنما كانت ومازالت تأتي من عموم الطبقات والفئات. الفرق كبير بينها وبين الطبقات الرجعية المعادية للتقدم، لأن الطبقات التي تدافع عن القديم يكون لها موقف واضح وصريح تدافع عنه وتعتقد أنه صحيح وصواب.

 

الانتهازية ليس لها موقف صريح وواضح، لأن مواقفها وآراءها لا تنبع من معتقداتها، بل من مصالحها المتسارعة والمتقلبة، فهي تقول اليوم ما تنقضه غدا وتقول ما تتخلى عنه بعد غد، وهي لا تطرح آراءها بشكل نظرية متكاملة بل بشكل مواقف آنية.

 

لا تمتلك الانتهازية أي شيء يمكن أن تقدمه للمجتمع، ولا يمكن أن تكون عاملا إيجابيا في مرحلة من المراحل، ولا تطرح نفسها كنظام بديل لأي شيء، والسبب في ذلك أنها لا تهتم بتنظيم المجتمع أو بإصلاحه، وإنما بتحقيق مصالح أنانية خاصة بها فقط.

 

الانتهازية، ظاهرة بشرية تطفح في النفوس الشريرة، تظهر على السطح في الظروف العصيبة كنوع من أنواع النفاق والمداهنة يتوسلها المتملقون والمتزلفون لتحقيق مكاسب وامتيازات معينة، لها عواقبها وانعكاساتها السلبية على المجتمع، وهي لذلك يعتبرها علماء النفس، صفة دميمة من أقبح الصفات التي يلجأ إليها السفهاء لتعويض شعورهم بالنقص.

 

*****

 

1 - مجلة النبأ (القاهرة) العدد 47 غشت 2000.

 

2 - صلاح كرميان، عن الانتهازية والانتهازيون، (سيدني/ الولايات المتحدة الأمريكية) 1987.

مجموع المشاهدات: 1010 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة