الرئيسية | أقلام حرة | في سطوة الشّوفينية

في سطوة الشّوفينية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
في سطوة الشّوفينية
 

 

يميل جزء كبير من الناس اليوم للمباهاة بالحضارة العربية الضائعة، يعلقونها نياشينا على أكتافهم ويشنون غارات كلامية ضد كلّ من يدخل معهم في نقاش يدعوهم فيه إلى عيش ما هو كائن وترك الهتهتة بمجد أذرته الرياح، ويزهو البعض بأن ذاك العالم أو البطل الأولمبي مغربي وزوجة هذا الكرويّ أو المغنّي المشهور مغربية، كما أنه من الأسئلة -الغبية- التي نعدّها مهمّة ونطرحها في أولى مراحل تعرفّنا على أحدهم تكون عن أصله، ولابد حينها أن نرسم بورتريها أوّليا للشخص الذي أمامنا بناء على ماخزّناه وخمّرناه بداخلنا دون حتى أن ندري!

 

والحقيقة أن افتخار المرء بانتسابه لعرق أو مصر أو نسب معيّن لا بأس به متى كان معتدلا على اعتبار أن جزء منه يولد فينا، إلا أن هذا الأمر يصير مختلا حين يتجاوز المعدّلات الطبيعية التي تحكم سلوك الفرد في المجتمع، فيسقط هذا الأخير في شباك الشوفينية التي تجعله مُغاليا بطريقة مرضية في تبجّجه بوطنيته أو انتماءه على العموم، وهو خلل سلوكيّ أعدّه من الأمراض المستعصية في هذا العصر.. ولا يستوي نعث المتعصب لوطنه أو لأصوله بهذا الوصف إلا إن ارتبط ذلك بكراهية أو حساسية مفرطة لدول أو أصول أخرى، فسمة الاستعلاء حاضرة بقوة في الممارسة الشوفينية و تتفكك بشكل عكسي فتصير اضطهادا في مواجهة الآخر . وإن كانت النزعة الدينية تغطي الهيكل الخارجي لهذا المرض وتكسبه قليلا من الشرعية البشعة، فالنعرات القبلية والطائفية التي تتخذ من النسب واللهجة مرجعية أخرى لها تظل مظهرا آخر ينمّي هذا النسيج من الهذر التواصليّ، حتى صارت الدول والأمصار متكونة من فيالق ظاهرها متماسك وجوفها متنافر، ورغم أنه لا يمكن أن ننفي ما للتاريخ من تداعيات وتأثير إلا أن نصيب الأسد تستبدّ به الجغرافيا وتجعل منه خامتها الأساسية، فمثلا قد تحضر هذه الفجوة بين الدكالي والفاسي والشمالي وغيرهم، لكنها تغيب أو تتضاءل بشكل ملفت بمجرد أن نتجاوز المحيط الأطلسي ليصير هؤلاء نفسهم يدا واحدة ويتكثفوا في مواجهة الفرنسي والبلغاري والأمريكي.. فمفهوم الآخر هنا يتجدّد ويتخذ بنيات جديدة يمكن أن تجمع الاختلاف العرقي والإيديولوجي والديني في ذات واحدة، وهنا ننتقل من مفهوم الشوفينية كتفاخر بالأنساب لأسلوب دفاعي يفرضه التواجد مع الآخر في محيط غير آمن. وعموما فإنه بالرجوع لاتفاقية "سايكس بيكو" الغادرة سنجد أنها ليست بالمأساوية التي تبدو عليها فهي لم تكن سوى كماشة من الفولاذ طحنت بعض اللحم المهريّ وصنعت منه كبابا فرّقته على الخريطة..فالأرضية كانت خصبة و رطبة بالنعرات القبلية والمذهبية والدينية، وقد رضع العرب منذ القديم هذا من أثداء أمهاتهم وتغنّى الشعراء على سبيل التّزلف بالقبيلة والنسب والعرق مثلما تغنوا بالحبيبة وأكثر.. والواقع للأسف أن هذا المرض المعدي من شرّ البلية، يتكاثر بشكل مخيف دون أن تجد له وزارة الصحة ترياقا أو دوفانا، يفرز مضاعفات تعظّم الفرقة وتفرّق اللُحمة..نعيش به ونعيث في الفكر الإنساني فسادا به. وفي الختم..، متى سنبدأ في التفكير في الانتساب للكون في مجموعه بدل أن نظل حبيسي بيانات جغرافية ومراجع محددة

مجموع المشاهدات: 963 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة